الاقتصاد الأسود بين حزب الله والحرس الثوري.. واشنطن تفكك شبكات التهريب والتمويل غير المشروعة
الأحد 13/يوليو/2025 - 12:49 م
طباعة

في خطوة جديدة لتكثيف الضغوط الاقتصادية على الكيانات الإرهابية وشبكات التمويل غير المشروعة، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية في الأسبوع الماضي عقوبات واسعة شملت مسؤولين كبار في مؤسسة "القرض الحسن" اللبنانية، التابعة لحزب الله، وعددًا من الكيانات الدولية المتورطة في تهريب النفط الإيراني، تمثل هذه الإجراءات امتدادًا لجهود مستمرة تهدف إلى تجفيف منابع التمويل لكل من حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في وقت يشهد فيه الاقتصاد اللبناني تدهورًا متسارعًا وتتصاعد فيه الدعوات الدولية للحد من تدخل الجماعات المسلحة في الشأن المالي للدول.
ففي السياق اللبناني، استهدفت وزارة الخزانة الأمريكية سبعة مسؤولين كبار وكيانًا واحدًا مرتبطًا بمؤسسة "القرض الحسن" (AQAH)، وهي مؤسسة مالية خاضعة لسيطرة حزب الله كانت قد أدرجت على قائمة العقوبات منذ عام 2007.
وبحسب بيان الوزارة، فإن هؤلاء الأفراد لعبوا أدوارًا إدارية حساسة ساعدت حزب الله في التهرب من العقوبات الأمريكية من خلال طمس طابع المعاملات المالية وربطها بمؤسسات مصرفية لبنانية رسمية، مما عرّض هذه المؤسسات لمخاطر قانونية كبيرة مرتبطة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
نائب وزير الخزانة، مايكل فولكندر، أكد أن هذه الشخصيات حاولت تضليل النظام المالي اللبناني لصالح حزب الله، ما سمح للجماعة بنقل الأموال بحرية داخل النظام المصرفي الرسمي رغم تصنيفها كمنظمة إرهابية.
وتشير التفاصيل إلى أن شبكة AQAH لم تكن تعمل في الظل فحسب، بل استندت إلى نمط معقد من "المصرفيين الظليين" عبر فتح حسابات مصرفية مشتركة وتحريك ملايين الدولارات بطرق تتعمد حجب ارتباطها المباشر بحزب الله، ومن بين أبرز هؤلاء المسؤولين: نعمة أحمد جميل، الذي ترأس قسمي التدقيق والأعمال في AQAH وكان على مدى 20 عامًا مسؤولًا عن إدارة الخدمات المالية لحزب الله، كما يمتلك جميل إلى جانب شخصيات أخرى مصنّفة، شركة "تسهيلات SARL" التي كانت تقدم قروضًا عقارية بعد حرب 2006، وتُعتبر جزءًا من البنية التحتية المالية التي يستخدمها حزب الله لتأمين التمويل بعيدًا عن الرصد الدولي.
ومن بين الشخصيات الأخرى المدرجة، برز اسم عيسى حسين قصير، المشرف على قسم المشتريات والخدمات اللوجستية، الذي حوّل نحو مليون دولار إلى أعضاء آخرين في AQAH، في حين تولى سامر حسن فواز مهام التنسيق والإدارة مع شركات لوجستية تدعم أنشطة حزب الله، أما عماد محمد بيز، مسؤول صفقات الذهب، فقد أرسل أكثر من 2.5 مليون دولار إلى ثلاثة مسؤولين سابقين في المؤسسة، بينما أشرف علي محمد كرنيب على شراء أكثر من ألف أونصة من الذهب لصالح AQAH خلال عام واحد، كما كُشف عن ارتباط علي أحمد كريشت، مدير فرع AQAH في صور، بحسابات مصرفية مباشرة لصالح حزب الله، وعلاقته الوثيقة بالمستشار المالي المدرج على لائحة العقوبات حسن مقلد، إضافة إلى ذلك تولى محمد سليمان بدير مهام نائب المدير في فرع AQAH بالنبطية، وكان له حساب مصرفي مشترك مع مسؤولين آخرين، في إطار ما وصفته وزارة الخزانة بـ"خطة منظمة للالتفاف على النظام المالي".
وفي الموازاة، كشفت وزارة الخزانة عن شبكة دولية معقدة لتهريب النفط الإيراني، على رأسها رجل الأعمال العراقي البريطاني سليم أحمد سعيد، الذي استخدم منذ عام 2020 شركات متعددة الواجهات في الإمارات والمملكة المتحدة والعراق لتسويق النفط الإيراني تحت غطاء أنه نفط عراقي، لجأ سعيد إلى عمليات خلط ممنهجة بين النفطين الإيراني والعراقي، مستخدمًا وثائق مزورة وعمليات نقل من سفينة إلى سفينة، واستفاد من تسهيلات قدمها مسؤولون عراقيون متواطئون تلقوا رشاوى بملايين الدولارات، من بين أبرز شركاته المصنفة، شركة "VS Tankers FZE" و"VS Oil Terminal FZE" و"Rhine Shipping" و"VS Petroleum DMCC"، إضافة إلى شركتين بريطانيتين هما "The Willett Hotel Limited" و"Robinbest Limited".
كما تبيّن أن سعيد استخدم هذه الشبكات لتهريب العملة الصعبة إلى إيران براً عبر سيارات وشاحنات محمّلة بملايين الدولارات، لتُستخدم كدفعات مباشرة مقابل شحنات النفط، وهو ما يعد خرقًا مباشرًا لنظام العقوبات الأمريكي والدولي.
وتطرقت العقوبات أيضًا إلى الناقلات والسفن التي تُشكل ما يُعرف بـ"أسطول الظل" الإيراني، الذي يعتمد عليه النظام في تصدير النفط سرًا إلى الأسواق الآسيوية، ومن بين السفن التي خضعت للعقوبات ناقلة "فيزوري" التي ترفع علم الكاميرون، و"فوتيس" و"ثيميس" اللتان ترفعان علم جزر القمر وبنما على التوالي، وناقلة "بيانكا جويسيل" التي نقلت وحدها أكثر من عشرة ملايين برميل منذ منتصف عام 2024، وتدير هذه السفن شركات واجهة مثل "إيجير للشحن" و"فوتيس لاينز إنكوربوريتد" و"ثيميس المحدودة"، التي تم إدراجها بدورها ضمن العقوبات لارتباطها بقطاع النفط الإيراني.
وقد عملت شركة "Trans Arctic Global" التي تتخذ من سنغافورة مقرًا لها، كجهة تنسيق لعبور ناقلات النفط الإيرانية عبر مضيق ملقا، ممهّدةً الطريق أمام عمليات نقل النفط من سفينة إلى أخرى في المياه الإقليمية قبالة سنغافورة.
ويرى المراقبون أن هذه الحزمة المتقدمة من العقوبات تمثل تصعيدًا نوعيًا في سياسة الضغط القصوى التي تتبعها الإدارة الأمريكية ضد إيران ووكلائها في المنطقة، خاصة حزب الله، كما أن التزام وزارة الخزانة الأمريكية بتجفيف مصادر التمويل، سواء عبر التهريب النفطي أو القنوات المصرفية المحلية في لبنان، يشير إلى إصرار واضح على عدم ترك أي منفذ مالي لهذه الجماعات، ويعتقد كثير من المحللين أن العقوبات لم تعد تُصمم فقط لردع الأنشطة الحالية، بل لإحباط أي محاولة لإعادة بناء البنية التحتية المالية لحزب الله وفيلق القدس مستقبلًا، في الوقت نفسه تشكّل هذه العقوبات رسالة مباشرة إلى الحكومة اللبنانية الجديدة بضرورة فك الارتباط مع المؤسسات المالية التابعة لحزب الله أو المتواطئة معه، خاصة في ظل استمرار الانهيار الاقتصادي في البلاد، والذي يتغذى جزئيًا من هذه الأنشطة المشبوهة.
وإذا كان من دلالة لهذه الإجراءات، فهي أن واشنطن ماضية في توسيع نطاق استهدافها لشبكات الدعم المالي التي تربط بين طهران وبيروت وبغداد، وأنها لم تعد تكتفي بتجفيف منابع التمويل الظاهرة، بل تستهدف البنية العميقة للشبكات التي تستفيد من ثغرات القانون، ومن الفساد الرسمي، ومن ضعف الرقابة، لتواصل تمويل الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي.