العشائر السورية تعلن النفير العام.. تصعيد قبلي مسلح ضد الإرهاب الطائفي في السويداء
الجمعة 18/يوليو/2025 - 01:36 م
طباعة

في مشهد يعكس تصاعد التوترات القبلية والطائفية على الساحة السورية، أعلنت العشائر العربية في البلاد، النفير العام لدعم عشائر البدو في محافظة السويداء، جنوب سوريا، وذلك في أعقاب ما وصفته بجرائم "إبادة جماعية" و"تطهير عرقي" تنفذها ميليشيات مسلحة موالية للشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي الأبرز للطائفة الدرزية.
ووفق وكالة الأنباء الألمانية ، اتهم ممثلين لعدد من القبائل، الميليشيا التابعة للهجري بارتكاب انتهاكات واسعة بحق المدنيين في قرى البدو، شملت عمليات قتل جماعي وتهجير قسري وحرق لمنازل السكان.
كما شدد البيان على ضرورة ترك المجال مفتوحاً لتحرك المقاتلين القبليين القادمين من خارج محافظة السويداء، والذين لبوا نداء الاستغاثة من أهاليهم في الجنوب السوري.
القبائل، التي أكدت التزامها بما أسمته الواجب الأخلاقي والقبلي، دعت الحكومة السورية إلى عدم عرقلة جهود أبنائها "في الدفاع عن المظلومين وردّ العدوان عن النساء والأطفال والشيوخ"، مضيفة أن "أي إجراء ضد هؤلاء المقاتلين سيكون بمثابة انحياز صريح للجناة وتواطؤ مع الإرهاب".
وأكد البيان أن العشائر السورية تقف صفاً واحداً خلف مقاتليها، وأن أي استهداف لهم سيواجه بردّ موحد، لا يقبل المهادنة أو التسويات.
وفي الميدان، أكد مصدر عسكري في قوات العشائر أن الهجوم بدأ بالفعل، وأن المقاتلين تمكنوا من السيطرة على عدد من القرى والبلدات الواقعة في محيط مدينة السويداء، ومن أبرزها بلدة المزرعة، لافتاً إلى أن التقدّم يتم بوتيرة متسارعة عبر المحور الشمالي للمدينة، خاصة على الطريق الرابط بين دمشق والسويداء.
وبحسب المصدر ذاته، فإن أكثر من 50 ألف مقاتل يشاركون حالياً في العمليات، فيما تنتظر آلاف التعزيزات الوصول من شرق سوريا، تحديداً من مناطق دير الزور والرقة والحسكة، بالإضافة إلى مقاتلين من ريف حلب ومناطق شمالية أخرى.
وتكشف المعلومات المتداولة داخل غرفة العمليات المشتركة للعشائر، أن 41 قبيلة وعشيرة من مختلف المحافظات السورية قد انخرطت بالفعل في القتال، وهو ما يعكس اتساع رقعة المواجهة وتحوّلها إلى صراع تتداخل فيه العوامل القبلية والسياسية والطائفية في آن معاً.
كما كشفت مصادر قبلية أخرى عن تحرّك موازٍ لقبائل عربية في العراق والأردن ولبنان، استجابة لمناشدات أطلقتها العشائر السورية، حيث وُجه نداء رسمي إلى العاهل الأردني عبد الله الثاني وشيوخ قبائل الأنبار العراقية، للتدخل أو تقديم الدعم، سواء عبر المقاتلين أو الإمدادات المادية واللوجستية.
المأساة الإنسانية التي تشهدها المنطقة لا تقلّ وطأة عن المشهد العسكري، فوفقاً لمصادر طبية وميدانية في جنوب سوريا، فإن عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء هجمات ميليشيا الهجري بلغ حتى مساء الخميس أكثر من 100 شخص، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، بينما تجاوز عدد المهجّرين عشرات الآلاف ممن اضطروا لترك منازلهم تحت وقع القصف وتهديد السلاح.
وبحسب روايات الشهود، فإن الميليشيا استخدمت الأسلحة الخفيفة والمتوسطة لاقتحام قرى بدوية، وأقدمت على تنفيذ إعدامات ميدانية وحرق المنازل، ما يعكس نمطاً واضحاً من أنماط الإرهاب المنظم الذي يحمل بصمات طائفية.
ويري مراقبون أن البيئة السياسية التي تجري فيها هذه الأحداث تزيد من تعقيد المشهد، فالحكومة السورية، التي ما تزال تلتزم الصمت تجاه ما يجري، متهمة من قبل العشائر بالتواطؤ أو التراخي في التعامل مع الميليشيات، حيث ترى القبائل أن سكوت السلطات هو بمثابة ضوء أخضر لتلك الجماعات للاستمرار في عملياتها.
هذا التوتر السياسي-القبلي يعيد إلى الأذهان مشاهد مماثلة من السنوات الماضية، حين سُمح لبعض الميليشيات الطائفية بالتمدد في مناطق دير الزور وحمص بدوافع ديموغرافية واضحة.
البيان العشائري أشار إلى خطورة الصمت الإقليمي والدولي، محذراً من أن التغاضي عن ما وصفه بـ"الإرهاب الطائفي" سيقود إلى انفجار واسع في الجنوب السوري، وقد يفتح الباب لتدخلات إقليمية مباشرة، خصوصاً في ظل دخول قبائل من دول مجاورة على خط الأزمة.
وأكدت العشائر أن ما يحدث في السويداء ليس مجرد نزاع محلي، بل مشروع لتغيير ديموغرافي تقف وراءه جهات داخلية وخارجية تسعى لضرب نسيج المجتمع السوري وتحويل الصراع إلى حرب أهلية طويلة الأمد.
ويبدو أن الديناميات العشائرية في سوريا تدخل اليوم مرحلة جديدة من التأثير السياسي والعسكري، بعد سنوات من التهميش خلال النزاع السوري.
فقد كشفت هذه الأحداث عن حجم التأثير القبلي، ليس فقط في إعادة ترتيب المشهد الميداني، بل أيضاً في رسم الاصطفافات الداخلية والإقليمية، وسط انهيار متواصل للثقة بين المكوّنات الاجتماعية المختلفة في البلاد.
وبينما تتسارع الأحداث على الأرض، تبقى المخاوف كبيرة من أن تتحوّل السويداء إلى بؤرة صراع مفتوح، يعيد تكرار نماذج مدمّرة سبق أن عاشتها سوريا في مدن مثل حلب ودير الزور والغوطة الشرقية.
وفي الختام، أكدت العشائر أن معركتها ليست ضد طائفة بعينها، بل ضد الإرهاب الذي يرتدي عباءة الطائفة والدين لتبرير جرائمه.
وأشار البيان إلى أن الدفاع عن المظلومين هو واجب وطني وأخلاقي قبل أن يكون قراراً قبلياً، محمّلاً المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وإنسانية إزاء ما وصفه بـ"التطهير العرقي الجاري على مرأى ومسمع العالم".
ويشير مراقبون إلي أنه رغم دعوات العشائر للحفاظ على وحدة البلاد والحرص على السلم الأهلي، إلا أن لغة البيان وتصريحات المقاتلين تكشف عن استعداد لخوض مواجهة طويلة قد لا تكون لها نهاية قريبة.