معاناة لا تنتهي وانتهاكات بلا حساب.. كيف تحوّلت النساء إلى أدوات انتقام حوثي؟
الجمعة 08/أغسطس/2025 - 12:14 م
طباعة

في وقتٍ تتعاظم فيه معاناة النساء في اليمن جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات، كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات عن تقرير صادم يوثق حجم الانتهاكات الوحشية التي ارتكبتها ميليشيات الحوثي بحق النساء، ما بين يناير عام 2017 وحتى نهاية يوليو 2025.
ويأتي هذا التقرير في سياق سلسلة طويلة من التوثيقات الحقوقية التي تؤكد أن المرأة اليمنية لم تعد فقط ضحية الحرب بمعناها التقليدي، بل أصبحت هدفًا مباشرًا لآلة القمع الحوثية التي تجاوزت كل الأعراف والقوانين الإنسانية والدولية، في انتهاك فجّ لاتفاقيات جنيف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ووفقًا للبيانات التي أوردها التقرير، فقد سجلت الشبكة اليمنية ما مجموعه 5618 انتهاكًا متنوعًا مارسته مليشيا الحوثي المدعومة من النظام الإيراني ضد النساء في 12 محافظة يمنية، حيث توزعت هذه الانتهاكات بين جرائم قتل وإصابة واختطاف وتعذيب وتجريد من الوظائف، إضافة إلى التجنيد الإجباري للنساء بما في ذلك طالبات المدارس، وهو ما يمثل انحدارًا أخلاقيًا وسلوكيًا فادحًا في سلوك هذه الجماعة، وقد بلغ عدد النساء اللواتي قتلن نتيجة للقصف أو القنص أو انفجار الألغام 1479 حالة، فيما تم توثيق 3398 حالة إصابة جراء القصف المدفعي وانفجار الألغام والعبوات الناسفة، وأعمال القنص.
كما سجّل التقرير 547 حالة اختطاف واختفاء وتعذيب بحق نساء يمنيات، منهن من تم اقتيادهن إلى سجون سرية تابعة للمليشيات، حيث تعرضن هناك لصنوف من المعاملة القاسية واللاإنسانية، شملت الإخفاء القسري لفترات تراوحت بين ثلاثة أشهر إلى سنة كاملة، في ظل انعدام تام لأي رقابة قانونية أو إنسانية.
وذكر التقرير أن مصير 69 من المختطفات ما زال مجهولًا حتى اللحظة، من بينهن 47 حالة اختفاء في أمانة العاصمة، و13 في محافظة صنعاء، و9 في الحديدة، و3 في تعز، فضلًا عن حالات فردية في عمران والبيضاء.
الجانب الأكثر فظاعة في التقرير كان توثيق تعرض 78 امرأة يمنية للتعذيب النفسي والجسدي في السجون الحوثية، بما في ذلك الضرب بأدوات حادة وأعقاب البنادق، والاعتداء الجنسي، وتوجيه تهم ملفقة تتعلق بالشرف، ما أدى ببعضهن إلى الانتحار كما حدث في السجن المركزي بصنعاء.
كما سجل التقرير 46 حالة قتل نساء بطرق مباشرة مثل الطعن أو الدهس بالأطقم العسكرية أو الضرب العنيف، بالإضافة إلى 211 إصابة ناجمة عن وسائل مماثلة، منها 82 حالة استهدفت متظاهرات شاركن في وقفات احتجاجية ضد انتهاكات الحوثيين.
وأكدت الشبكة في تقريرها أن هذه الجرائم لم تكن حالات فردية أو عرضية، بل تمثل نمطًا متصاعدًا من الانتهاكات الممنهجة التي تستهدف إخضاع النساء وكسر إرادتهن، ضمن سياسة قمعية تتسع رقعتها وتطال جميع فئات المجتمع، وشددت على أن النساء في اليمن يعشن أوضاعًا نفسية صعبة بسبب استمرار العنف اليومي، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وغياب العدالة، وأشارت إلى أن القصف العشوائي للمنازل والأحياء السكنية بات ممارسة يومية، لا تميز بين رجل وامرأة، أو بين مقاتل ومدني، ما يعكس استهتارًا مطلقًا من قبل المليشيات بكل الأعراف العسكرية والإنسانية.
وفي ضوء هذه المعطيات، يرى المراقبون أن حجم الانتهاكات التي طالت النساء اليمنيات خلال السنوات الماضية يكشف عن منهج حوثي يقوم على استخدام العنف الجنسي والجسدي والنفسي كأداة حرب لإرهاب المجتمع وإخضاعه، ويؤكدون أن استهداف النساء، سواء بالاختطاف أو القتل أو التعذيب، لا يمكن فصله عن العقلية الثيوقراطية التي تحكم سلوك المليشيا، والتي ترى في المرأة عنصرًا ضعيفًا يمكن استخدامه لتركيع المجتمع بأكمله.
وتشير تقارير صحفية إلى أن استمرار هذه الانتهاكات بصمت دولي مطبق يعكس فشلًا ذريعًا في تطبيق آليات المساءلة الدولية، ويمنح الحوثيين مزيدًا من الجرأة لمواصلة جرائمهم دون عقاب.
وحذّر حقوقيون من أن الصمت الدولي إزاء هذه الجرائم لا يعزز فقط إفلات الحوثيين من العقاب، بل يشرعن ضمنيًا ممارساتهم في عيون مناصريهم.
وفي هذا السياق، حمّلت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات المجتمع الدولي، وعلى رأسه مجلس الأمن، المسؤولية الكاملة عن حماية النساء اليمنيات، مطالبةً بضرورة اتخاذ إجراءات فاعلة لعزل المليشيات الإرهابية وإخضاعها للمساءلة أمام العدالة الدولية، بما ينسجم مع قرارات مجلس الأمن ومواثيق القانون الدولي الإنساني، فبدون تحرك حاسم تبقى المرأة اليمنية مكشوفة الظهر أمام سطوة العنف، وأسيرة واقع تزداد فيه الانتهاكات وتغيب فيه العدالة، في حرب لا تعترف بقيم ولا تُبقي من الكرامة شيئًا.