12 مليار ريال مزورة.. اقتصاد موازٍ حوثي يضرب الثقة بالعملة الوطنية
الأحد 10/أغسطس/2025 - 12:45 م
طباعة

في تصريح خطير يعكس حجم التهديد الذي تواجهه المنظومة الاقتصادية اليمنية، وصف وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني ما تقوم به مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران من طباعة وصك عملات ورقية ومعدنية دون غطاء نقدي أو قانوني، بأنه "جريمة اقتصادية مكتملة الأركان"، تستهدف تقويض الاقتصاد الوطني، وتمويل الأنشطة الإرهابية، وتهديد الأمن الإقليمي والدولي، وأوضح الإرياني أن هذه الممارسات تمثل إحدى أخطر أدوات "الاقتصاد الموازي" الذي أنشأته المليشيا منذ انقلابها على الدولة في 2014، وأن العوائد التي جنتها الجماعة من هذه العمليات تقدر بنحو 12 مليار ريال يمني، تم استخدامها بالكامل في تمويل المجهود الحربي، وتعزيز شبكات التهريب وغسل الأموال، ودعم أنشطة الحرس الثوري الإيراني.
وأشار الوزير إلى أن هذه العملات التي أُدخلت إلى السوق بطريقة غير شرعية، طُبعت وصُكت بعيدًا عن المؤسسات الرسمية، وجرى تمويلها من مصادر مشبوهة داخلية وخارجية، وعلى الأرجح بمساهمة مباشرة من إيران عبر شبكة تهريب متقدمة، وأوضح أن الجماعة الحوثية لم تلتزم بالقوانين المحلية أو المعايير النقدية الدولية، بل تجاوزت قرار مجلس إدارة البنك المركزي اليمني رقم (7) لعام 2017، والذي نص صراحة على وقف إصدار عملة جديدة حفاظًا على استقرار سعر الريال، وبينما التزمت الحكومة الشرعية بذلك القرار، أقدمت المليشيا على طباعة أوراق نقدية من فئة 200 ريال، وصك عملات معدنية من فئتي 50 و100 ريال، دون أدنى تنسيق مع البنك المركزي المعترف به دوليًا في عدن.
وحذر الإرياني من أن عمليات الطباعة لم تمر عبر مؤسسات مالية معتمدة أو نظام رقابي، بل جرت في مطابع خاصة وورش سرية، حيث تفتقر العملات الجديدة لأبسط عناصر الأمان، وأكد أن تقارير ميدانية وشهادات مواطنين أثبتت رداءة تلك العملات، التي يمكن إزالة ما يسمى بـ"شريط الأمان" منها بمجرد المسح باليد، مما يجعلها أقرب إلى أدوات تزوير مكشوفة منها إلى نقد قانوني، وأوضح أن هذه الخطوة لم تكن لتلبية احتياجات السوق من السيولة، كما تزعم المليشيا، بل جاءت في إطار خطة ممنهجة لإنشاء اقتصاد موازٍ خارج إطار الدولة، يمكن الجماعة من التحكم بالكتلة النقدية في مناطق سيطرتها، وتمويل عملياتها الحربية، ونهب أموال المواطنين ومدخراتهم، واستبدالها بعملة لا قيمة لها.
وبحسب تقديرات اقتصادية استعرضها الوزير الإرياني، فإن المليشيا طبعت ما يقارب 12 مليار ريال يمني من العملة المزورة، منها أكثر من 10 مليارات ريال ورقي من فئة 200 ريال، أي ما يعادل 18 مليون دولار، بالإضافة إلى مليار ريال معدني من فئة 100 ريال، ومليار ريال معدني من فئة 50 ريال، ما يعادل نحو 4 ملايين دولار،
ووفقًا للمعلومات المتوفرة، تخطط الجماعة لطرح كميات إضافية من فئة 200 ريال كل ثلاثة أشهر، بإجمالي سنوي يصل إلى 40 مليار ريال، أي ما يعادل قرابة 80 مليون دولار، إلى جانب فئات أخرى سيتم طرحها مستقبلًا،
وأكد الوزير أن هذه الممارسات أدت إلى آثار كارثية على الاقتصاد اليمني، أبرزها فقدان الثقة بالعملة الوطنية، وتفضيل المواطنين التعامل بالعملات الأجنبية، وارتفاع معدلات التضخم، وركود الأسواق، وشلل القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثي، وتعطيل عمليات التبادل التجاري، ومحاولة تقويض دور البنك المركزي في عدن، وخلق نظام نقدي موازٍ لا يخضع لأي سياسات مالية أو رقابية. وأضاف أن هذه الجريمة نُفذت بإشراف مباشر من قيادات حوثية رفيعة، أبرزهم مهدي المشاط، رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى، الذي لعب دورًا أساسيًا في تمويل عمليات الطباعة وإصدار العملة، والجرموزي منتحل صفة وزير المالية، الذي أشرف على توجيه التعليمات بتداول العملة المزورة، وهاشم إسماعيل منتحل صفة محافظ البنك المركزي بصنعاء، الذي يتحمل المسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة التي تهدد الاستقرار النقدي،
وشدد الإرياني في ختام تصريحه على أن طباعة العملات المزورة دون غطاء نقدي تمثل جريمة اقتصادية كبرى لا تقل خطورة عن جرائم الحرب، لأنها تستهدف الأمن المالي والاقتصادي للمواطن اليمني، وتزيد من معاناته، وتنهب مقدراته، وتسحق ما تبقى من الثقة بالدولة ومؤسساتها، مؤكدًا أن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ موقف حاسم إزاء هذه الممارسات التي تُعد تجاوزًا خطيرًا للقانون الدولي، وتهديدًا للاستقرار الإقليمي، وأداة لتمويل الإرهاب وتوسيع رقعة الفوضى في اليمن والمنطقة.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن ما أقدمت عليه مليشيا الحوثي من طباعة عملات مزورة بعيدًا عن النظام المالي الرسمي لا يشكل فقط انتهاكًا للنظام المصرفي، بل يمثل ضربة قاتلة لما تبقى من ثقة في العملة الوطنية، ويكرس حالة الانقسام النقدي والمالي بين مناطق الحكومة الشرعية والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ويؤكد خبراء اقتصاديون أن هذه الإجراءات تُعد نموذجًا كلاسيكيًا لاقتصاد حرب مغلق، يتغذى على الفوضى ويتعمد إضعاف المؤسسات الرسمية لصالح سلطة أمر واقع تفرض سياساتها بقوة السلاح، كما أن استمرار ضخ كميات مزورة من العملة إلى السوق في مناطق سيطرة الحوثيين سيزيد من معدلات التضخم والركود، ويخلق حالة من الهروب الجماعي من التعامل بالريال اليمني لصالح العملات الأجنبية، ما يعمق من الأزمة الاقتصادية، ويفتح الباب واسعًا أمام فقدان السيطرة على السياسة النقدية في البلاد.
ويحذر المراقبون من أن غياب رد فعل دولي حاسم إزاء هذا النوع من الجرائم الاقتصادية سيشجع المليشيا على الاستمرار في العبث بالنظام المالي، بل وقد يدفعها إلى استخدام العملات المزورة ضمن أنشطة غير مشروعة خارج الحدود، بما في ذلك غسل الأموال، وشراء الأسلحة، ودعم الجماعات الإرهابية في الإقليم، مما يجعل هذه الجريمة ليست شأنًا داخليًا يمنيًا فحسب، بل تهديدًا إقليميًا يجب التصدي له.