أزمة الاندماج في السويد.. كيف غذى التهميش الإرهاب؟

الإثنين 15/سبتمبر/2025 - 10:31 ص
طباعة الإرهاب الإرهاب محمود البتاكوشي
 
تحولات جوهرية تشهدها السويد خلال العقدين الأخيرين في ملف الهجرة، انعكست بوضوح على البنية الاجتماعية والأمنية للبلاد إذ أدى تدفق اللاجئين من مناطق النزاع مثل سوريا والعراق وأفغانستان إلى جانب موجات الهجرة الاقتصادية إلى خلق بيئة مركبة يتقاطع فيها البعد الثقافي مع الأمني، ويختلط فيها تحدي الاندماج بخطر التطرف هذه التداخلات أصبحت سمة بارزة في المشهد السويدي، حيث تصاعدت الأسئلة حول قدرة الدولة على التوفيق بين سياسات الأمن ومبادئ العدالة الاجتماعية.

الحكومة السويدية تراجع سياسات اللجوء بشكل تدريجي، وذلك نتيجة أعداد اللاجئين الكبيرة التي استقبلتها السويد منذ 2015، إذ جرى تم تقليص تصاريح الإقامة، وتشديد شروط لم شمل العائلات؛ ما أدى إلى ضغوط متزايدة على برامج الاندماج والخدمات العامة ونتج عن هذا التحول بيئات اجتماعية هشة تشكل أرضًا خصبة لاستقطاب الشباب المهمش، خصوصًا من قبل جماعات متطرفة تستغل مشاعر التمييز والعزلة لتعزيز سردياتها فالهجرة في ذاتها لا تنتج تطرفًا، لكن غياب العدالة الاجتماعية وغياب فرص التعليم والعمل يمكن أن يدفع بعض الأفراد إلى تبني أفكار متشددة.

كما أظهرت تقارير جهاز الأمن السويدي تغيرًا ملحوظًا في مستوى التهديد الإرهابي، لا سيما في المناطق التي يتركز فيها اللاجئون، حيث رُصدت نشاطات لشبكات صغيرة تسعى إلى استقطاب الشباب والتأثير فيهم سواء عبر الإنترنت أو من خلال الواقع الاجتماعي المباشر، كما أن وجود مقاتلين عائدين من مناطق النزاع يضيف عبئًا أمنيًا إضافيًا، خاصة في ظل غياب برامج تأهيل فعالة لهؤلاء.

تعزيز الرقابة على الجماعات المتطرفة

شملت السياسات الأمنية التي اتخذتها السويد تعزيز الرقابة على الجماعات المتطرفة، مراقبة السجون والمشتبه بهم، وتنسيق الجهود مع الشرطة المحلية والأجهزة الأوروبية، كما جرى تعديل التشريعات بما يسمح بترحيل الأفراد الذين يشكّلون تهديدًا للأمن العام، إلى جانب تشديد آليات الرقابة المالية لمنع تمويل الأنشطة الإرهابية في موازاة ذلك، أطلقت البلديات مبادرات لدمج المهاجرين من خلال التعليم والتدريب المهني والتوجيه الاجتماعي، لكن تفاوت الموارد بين البلديات يخلق فجوات تعيق نجاح هذه البرامج.
رغم ذلك، لا تزال التحديات قائمة فالإجراءات الصارمة تجاه الهجرة قد تعزز الشعور بالإقصاء، في حين أن نقص الموارد في البلديات يحد من فعالية برامج الإدماج إضافة إلى ذلك، فإن تصاعد نشاط اليمين المتطرف في بعض الأوساط السياسية والإعلامية يعمق الانقسام المجتمعي ويغذي خطاب الكراهية؛ ما يعزز الاستقطاب المضاد ويعقد المشهد الأمني.
كما يحمل المستقبل احتمالات متباينة، فمع استمرار الأزمات الدولية وتنامي الضغوط الاقتصادية في الداخل، قد تتجه السويد إلى مزيد من التشدد في قوانين الهجرة، خاصة تحت تأثير صعود اليمين الشعبوي لكن هذا التوجه، رغم قدرته على تقليص أعداد الوافدين، قد يؤدي إلى تعقيد عملية الاندماج وارتفاع منسوب التوتر الاجتماعي في المقابل، هناك حاجة اقتصادية واضحة لاستمرار الهجرة المنظمة لمواجهة تحديات الشيخوخة ونقص اليد العاملة، ما يفرض على الدولة اعتماد سياسة هجينة تمزج بين انتقائية الدخول وفعالية الإدماج.
على الصعيد الأمني، من المتوقع أن تتوسع التهديدات لتشمل ليس فقط الجماعات الإسلامية المتطرفة بل أيضًا اليمين المتطرف المحلي، خاصة في ظل تزايد استخدام المنصات الرقمية لنشر الكراهية واستقطاب المؤيدين، كما تصبح الجغرافيا الداخلية للسويد عنصرًا حاسمًا في إدارة هذه المخاطر، حيث قد تتحول بعض المناطق إلى بؤر ضعف أمني في حال غياب التنسيق الفعال بين الدولة والبلديات.
ويعد نجاح السويد في مواجهة هذا المشهد المعقد مرهون بقدرتها على تحقيق توازن دقيق بين الأمن والانفتاح، بين محاربة التطرف وحماية الحقوق، وبين إدارة المخاطر والوفاء بالتزاماتها الإنسانية الفشل في تحقيق هذا التوازن قد يعرض البلاد لموجات متجددة من التوتر، في حين أن النجاح يجعل من النموذج السويدي تجربة رائدة في التعامل مع قضايا الهجرة والتنوع ضمن إطار دولة القانون.

شارك