مستقبل وحدة "داناب" في الصومال بعد تعليق الدعم الأمريكي: بين الإصلاح أو التفكك

تفيد تقارير صادرة عن مصادر صومالية موثوقة بتعليق الولايات المتحدة لدعمها العسكري واللوجستي لوحدة "داناب" الخاصة التابعة للجيش الوطني الصومالي، وهي خطوة تعكس تصاعد المخاوف الأمريكية بشأن المساءلة والفساد.
وتظهر البيانات العامة الصادرة عن القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) والبيانات الصادرة عن السفارة الأمريكية في مقديشو التزاما مستمرا وواسع النطاق بالعمل مع الحكومة الفيدرالية الصومالية والقوات المسلحة لمكافحة حركة الشباب وداعش في الصومال.
إلا أن هذه البيانات تتجنب أي تفاصيل حول وحدات أو أصول محددة، وذلك لضمان أمن العمليات المستمرة. هذا التجاهل الرسمي يتعارض بشكل واضح مع إفادة الحكومة الصومالية، التي أصدرت بيانا متأخرا اعترفت فيه بإجراء تحقيق في "تحويل حصص الإعاشة" المخصصة لوحدة "داناب". وأدى هذا التحقيق إلى "إيقاف واحتجاز ضباط" داخل صفوف الوحدة
يعد هذا التعليق بمثابة تحول حاسم في السياسة الأمريكية تجاه الصومال، حيث يمثل الابتعاد عن نموذج الدعم غير المشروط لوحدة "داناب"، التي كان ينظر إليها سابقا على أنها قصة نجاح ومحصنة ضد قضايا الفساد التي تعاني منها باقي وحدات الجيش الوطني الصومالي.
وتشير هذه الخطوة إلى أن الولايات المتحدة، ربما في ظل مراجعة أوسع لسياستها الخارجية، تضع الآن الأولوية للمساءلة والشفافية على حساب الفعالية العملياتية على المدى القصير.
هجمات حركة الشباب
تأتي هذه الخطوة في وقت بالغ الحساسية، حيث تواجه فيه الصومال تحديات أمنية خطيرة، حيث تشن حركة الشباب هجوما عسكريا كبيرا، وهو "هجوم شابيل 2025"، بهدف استعادة الأراضي التي خسرتها وتطويق العاصمة مقديشو.
وفي الوقت نفسه، يواجه الانتقال من بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) إلى بعثة الاتحاد الإفريقي للدعم والاستقرار في الصومال (AUSSOM) نقصا حادا في التمويل.
وفي هذا السياق، فإن تعليق الدعم عن وحدة "داناب"، التي كانت بمثابة "رأس الحربة" في جهود مكافحة الإرهاب، من شأنه أن يخلق فراغا أمنيا خطيرا يمكن أن تستغله حركة الشباب.
يظهر هذا التطور تحولا أوسع في المشهد الجيوسياسي في الصومال، حيث تتزايد الأهمية من الشراكات متعددة الأطراف إلى الترتيبات الثنائية.
وفي ظل مراجعة واشنطن لدورها، فإن قوى إقليمية ودولية أخرى مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا، ستعمل على تعزيز نفوذها من خلال اتفاقيات منفردة، مما يؤدي إلى تفتيت جهود الأمن وربما تعميق الانقسامات الداخلية.
ويوصي هذا التقرير بأن تربط الولايات المتحدة المساعدات الأمنية المستقبلية بإصلاحات شفافة للحوكمة في الصومال. كما يوصي الحكومة الصومالية بإجراء تحقيق شامل وعلني في مزاعم الفساد، وإشراك الشركاء الدوليين في إنشاء آلية تمويل مستدامة وقائمة على التنسيق.
لواء داناب: رأس الحربة في جهود مكافحة الإرهاب بالصومال
يعد لواء "داناب" (البرق) للمشاة المتقدمة وحدة النخبة التي دربتها ومولتها الولايات المتحدة، وينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها القوة القتالية الأكثر احترافا وفعالية في الجيش الوطني الصومالي. وقد تم تطوير هذه الوحدة وتدريبها على مدى سنوات من قبل مقاولين عسكريين خاصين مثل شركة "بانكروفت جلوبال ديفلوبمنت" (Bancroft Global Development) وبواسطة القوات الخاصة الأمريكية بشكل مباشر.
يظهر الدعم الأمريكي لهذه الوحدة مدى عمق اعتماد "داناب" على الولايات المتحدة. فقد تم تمويلها بشكل شبه كامل من الحكومة الأمريكية، حيث جاءت المساعدات عبر كل من وزارة الخارجية والجيش الأمريكي مما منحها المرونة اللازمة للتكيف بسرعة مع الظروف المتغيرة.
وعلى عكس باقي وحدات الجيش الوطني الصومالي، التي علقت المساعدات الأمريكية عنها في أواخر 2017 بسبب مخاوف تتعلق بالفساد، استمر دعم "داناب" باعتبارها النموذج الناجح لقوة عسكرية قادرة على العمل.
كانت فعالية "داناب" تظهر بوضوح في قدرتها على قيادة الهجمات على حركة الشباب واستعادة الأراضي في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، فإن هذه الفعالية كانت محدودة بسبب حجمها الصغير، حيث كانت الوحدة تتعرض "للاستخدام المفرط" في ظل فشل الجيش الوطني النظامي، الذي يعاني من الفساد والخلل الوظيفي، في الحفاظ على الأراضي التي يتم تحريرها.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الوحدة اتهامات بحالات قتل مدنيين واعتقالات تعسفية، مما يعقد سمعتها كقوة مثالية.
تداعيات القرار الأمريكي
إن الوضع الأمني في الصومال يشبه "مشكلة الأجسام الثلاثة"، حيث تتفاعل ثلاثة مكونات فاشلة: الجيش الوطني الصومالي النظامي (الذي يعاني من الفساد)، وبعثة الاتحاد الإفريقي (التي تواجه أزمة تمويل)، والآن، لواء "داناب" (الذي تأثر بتعليق الدعم).
ويؤثر فشل أي من هذه المكونات سلبا على المكونين الآخرين، وإنسحاب الدعم الأمريكي من "داناب" يضع ضغطا هائلا على الجيش الوطني الصومالي النظامي وبعثة AUSSOM لملء الفراغ، وهي مهمة غير مستعدين لها.
وهذا يخلق "عاصفة كاملة" تمكن حركة الشباب من التقدم على الأرض بأقل قدر من المقاومة، كما يتضح من هجوم شابيل الأخير. إن تعليق الدعم ليس مجرد ضربة لوحدة "داناب"، بل هو قوة مزعزعة للاستقرار في الإطار الأمني بأكمله.
يشير هذا التحول في السياسة أيضا إلى تغيير في الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في الصومال، فمنذ سنوات، ركزت السياسة الأمريكية على إضعاف حركة الشباب وبناء قوة صومالية قادرة على تولي القيادة.
إلا أن الموقف الأمريكي الجديد، المتمثل في تعليق الدعم عن "داناب" وتجنب تمويل بعثة AUSSOM، قد يشير إلى تراجع نحو هدف أكثر محدودية، وقد تكون الولايات المتحدة تنتقل من السعي لهزيمة حركة الشباب إلى مجرد احتواء تهديدها الخارجي على الأراضي الأمريكية.
هذا يعني أن نموذج "التدريب والتجهيز" قد فشل في بناء قوة شريكة مستدامة، وأن الهدف الأكثر واقعية هو الاستمرار في الغارات الجوية المحدودة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع التراجع عن العبء المالي واللوجستي للقتال البري.
السيناريوهات المستقبلية
إن تعليق الدعم الأمريكي لوحدة "داناب" يلقي بظلال من عدم اليقين على مستقبل الأمن في الصومال. وتمكننا هذه التداعيات المتسلسلة من صياغة ثلاثة سيناريوهات محتملة للمستقبل القريب:
السيناريو الأول: التصعيد والتشرذم.
يعد هذا أسوأ السيناريوهات، حيث يؤدي تعليق الدعم إلى إضعاف عمليات "داناب"، مما يؤدي إلى تدهور سريع في فعاليتها ومعنوياتها. وتستغل حركة الشباب هذا الفراغ الأمني لتوسيع سيطرتها، خاصة في وسط وجنوب الصومال.
وفي ظل عجز الحكومة الفيدرالية الصومالية عن سد الفجوة، فإنها تتجه إلى ترتيبات ثنائية مع جهات فاعلة مختلفة (مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة)، مما يؤدي إلى تفتيت القطاع الأمني وتفاقم الانقسامات الداخلية. وهذا من شأنه أن يقوض كل التقدم السابق ويؤدي إلى عواقب وخيمة على الاستقرار.
السيناريو الثاني: الانتقال المدار والتكيف
في هذا السيناريو الأكثر تفاؤلا، تستغل الحكومة الفيدرالية الصومالية، تحت ضغط من الولايات المتحدة وشركاء آخرين، حادثة "تحويل حصص الإعاشة" كحافز لإجراء إصلاحات حقيقية وشاملة.
وتظهر الحكومة التزاما جديدا بالمساءلة، وتعالج مزاعم الفساد بجدية، وتعزز من قدراتها على دمج "داناب" في هيكل أمني وطني أكثر استدامة. وفي المقابل، يتخذ الشركاء الدوليون موقفا إيجابيا، ويقدمون دعما منسقا ومؤقتا لسد الفجوة حتى تتمكن الصومال من تحقيق الاكتفاء الذاتي.
السيناريو الثالث: النهج المختلط (السيناريو المرجح).
وفي هذا السيناريو الوسط، تقوم الحكومة الفيدرالية الصومالية ببعض الإصلاحات السطحية لاسترضاء الولايات المتحدة، لكنها تفشل في تحقيق إصلاح منهجي وشامل للحوكمة. وتعيد الولايات المتحدة جزءا من الدعم أو تستمر في تقديم الدعم من خلال قنوات أقل وضوحا، مثل الغارات الجوية، بينما تقدم دول أخرى دعما ثنائيا غير منسق.
وهذا يمنع انهيارا أمنيا كاملا، لكنه لا يؤدي إلى إنشاء قوة أمنية صومالية قادرة على تحمل المسؤولية، وبالتالي، فإن الصومال ستبقى في حالة من الهشاشة والاعتماد الدائم على المساعدات الخارجية.