موارد الصومال تحت رحمة الإرهاب

الأربعاء 01/أكتوبر/2025 - 11:08 ص
طباعة الإرهاب الإرهاب محمود البتاكوشي
 

تشهد الصومال صراعًا معقدًا يتجاوز ساحات القتال التقليدية، حيث يتحول الذهب واللبان إلى ساحة مواجهة خفية بين الدولة والجماعات الإرهابية في قلب هذا الصراع، تبرز مناطق مثل إقليم سناغ وإقليم بري، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية مع حسابات النفوذ الأمني، في مشهد يُعيد تعريف مفهوم "اقتصاد الإرهاب" بوصفه أحد أذرع التنظيمات المتطرفة للتمكين والبقاء.
تجتذب عمليات التنقيب عن الذهب، آلاف العاملين المحليين والمهاجرين من دول مجاورة مثل السودان وإثيوبيا واليمن، تحولت إلى مصدر تمويل رئيسي لحركة الشباب وتنظيم داعش. هؤلاء العمال، سواء كانوا من سكان المنطقة أو وافدين، يُجبرون على دفع إتاوات ضخمة تصل إلى 30% من العائدات، مقابل السماح لهم بالتنقيب أو البقاء في المنطقة الفشل في الدفع لا يعني فقط خسارة العمل، بل قد ينتهي بالتصفية الجسدية.
في مزارع اللبان، تتكرر المشهدية نفسها ولكن بمفردات مختلفة تنظيم داعش، الذي يحاول ترسيخ وجوده في مناطق وعرة مثل إقليم بري، يفرض ضرائب على المحاصيل وعلى حركة البضائع، في وقت يعاني فيه المزارعون من تراجع حاد في الإنتاج والتصدير، حيث انخفضت صادرات اللبان من أكثر من ألف طن عام 2023 إلى أقل من 400 طن في العام التالي. هذا الانخفاض لا يعكس فقط الضرر الاقتصادي، بل يكشف كيف تؤدي السيطرة الإرهابية إلى خنق دورة الحياة الإنتاجية في المجتمعات الريفية.
الصورة النمطية للتنظيمات الإرهابية
بعيدًا عن الصورة النمطية للتنظيمات الإرهابية كجماعات قتالية، يظهر من التحقيق أن هذه الجماعات أصبحت فاعلًا اقتصاديًا بامتياز، تدير موارد، تجبي ضرائب، وتفرض قوانينها الخاصة على المجتمعات التي تقع تحت سيطرتها. هيمنة تنظيم الشباب في مناطق الذهب، وفرض داعش سيطرته على خطوط اللبان، يعيدان تشكيل علاقة السكان مع الأرض والموارد، حيث لم تعد الدولة هي الجهة الشرعية الوحيدة التي يمكن أن تضمن الأمن أو تمنح التصاريح.
في هذا السياق، تحاول حكومة ولاية بونتلاند، بشراكة مع القوات المحلية، استعادة زمام المبادرة من خلال حملات عسكرية مكثفة استهدفت قواعد تنظيم داعش في جبال علمسكاد، حيث تم الإعلان عن تدمير أكثر من خمسين قاعدة وإعادة السيطرة على مساحات واسعة، غير أن هذه النجاحات العسكرية، رغم أهميتها، لا تلغي التحديات البنيوية التي تواجه الدولة في فرض القانون على هذه المناطق، خصوصًا مع تصاعد النزاعات القبلية على ملكية الأراضي الغنية بالذهب، وتضارب الادعاءات السياسية بين ولايات مختلفة على مناطق النفوذ.
وقود الصراعات المسلحة
الذهب الذي كان يمكن أن يكون موردًا للنمو، تحول بفعل ضعف الدولة وانقسام السلطة إلى وقود لصراعات مسلحة، تمامًا كما هو الحال مع اللبان الذي كان تاريخيًا سلعة مقدسة وروحية، فأصبح الآن أحد مصادر تمويل العنف. في هذه البيئة الهشة، تبرز مسؤولية الدولة ليس فقط في استعادة السيطرة العسكرية، بل في إعادة بناء الثقة مع السكان المحليين، وتقديم نموذج اقتصادي بديل يحررهم من هيمنة السلاح والإتاوات، ويمنحهم فرصًا للعمل والإنتاج تحت مظلة القانون.
ما يجري في الصومال اليوم ليس مجرد صراع على الذهب أو محاصيل اللبان، بل هو اختبار حي لقدرة الدولة على استعادة عمقها الاقتصادي والاجتماعي في مواجهة جماعات مسلحة باتت تدير مناطق بكاملها وتفرض نظامًا اقتصاديًا موازيًا، في غياب قدرة مؤسسية حقيقية على ضبط الموارد وتأمين طرق التجارة وحرية الحركة. 
ويعد الصراع ليس على الموارد فقط، بل على من يملك الحق في تنظيم الحياة نفسها داخل تلك الجيوب المعزولة، حيث لا يحكم القانون، بل يحكم من يملك القوة والقدرة على فرض الإتاوة، أو السماح بالوصول إلى لقمة العيش.

شارك