الإخوان وقوش.. تحالف مشبوه لإشعال الحرب وعرقلة السلام في السودان

الخميس 02/أكتوبر/2025 - 03:38 م
طباعة صلاح قوش صلاح قوش محمود البتاكوشي
 
في المشهد السوداني المأزوم، تبرز خيوط تحالف خفي بين تنظيم الإخوان وصلاح قوش، المدير الأسبق لجهاز الأمن والمخابرات، بوصفه أحد أبرز مناورات الظل التي تعمق الأزمة وتدفع نحو إطالة أمد الحرب لا من أجل النصر، بل كأداة استراتيجية لإعادة تدوير النفوذ والهروب من الاستحقاقات السياسية والجنائية.

لم يعد ارتباط الإخوان بالجيش أو بقوى داخل الدولة العميقة مجرد افتراضات، بل كشفت الوقائع أن هناك تقاطع مصالح واضحًا يجمع بين جناح سياسي فقد شرعيته، وقيادات عسكرية تخشى فقدان الامتياز أو الوقوف أمام المحاكم.

يقوم هذا التحالف على ثلاثية محكمة عرقلة أي اتفاق سياسي محتمل، إعادة بناء شبكة النفوذ من خلال أدوات جديدة، وتفادي العدالة عبر استمرار الحرب بوصفها غطاءً مثاليًا للفوضى.

صلاح قوش، الذي لطالما ارتبط اسمه بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال حكم البشير، لم يغادر المشهد فعليًا رغم سنوات العزل والعقوبات الغربية، بل عاد عبر أبواب خلفية ليرسم مشهدًا موازيًا للحرب المشتعلة، يوظف فيه شخصيات مثل محمد سيد أحمد الجاكومي لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين تحت لافتات جهوية تخفي في حقيقتها المشروع الإسلاموي القديم المتجدد ذلك المشروع الذي رأى في الانهيار الأمني فرصة سانحة لإعادة التموقع، لا سيما في ظل فراغ السلطة وتآكل أجهزة الدولة.

هجمة مرتدة

فكما استخدم الإخوان الحروب سابقًا كوسيلة لإعادة ترتيب المشهد لصالحهم، يتكرر السيناريو اليوم شبكة مصالح تتغذى على الاقتصاد غير الرسمي، تجارة الذهب والوقود، مصانع ممولة من الظل، ودعم عابر للحدود من أطراف إقليمية لا تمانع في استخدام السودان كساحة تصفية حسابات.

أما المواقف الدولية، فقد بدأت تتشكل بوضوح ضد هذا التحالف فمجلس الشيوخ الأمريكي لمح بحدة إلى محاولات الإسلاميين إعادة إنتاج نفوذهم من خلال الحرب، مؤكدًا أن هذه المحاولات تمثل تهديدًا خطيرًا ليس فقط للسودان، بل للمنطقة بأسرها، الوساطات الإقليمية والدولية، بدورها، بدأت تتبنى استراتيجيات أكثر حزمًا، إذ لا يمكن التقدم في أي عملية سلام حقيقية دون تفكيك البنى الاقتصادية والعسكرية التي يستند عليها هذا التحالف.

إلى جانب قوش، تجد قيادات الإخوان نفسها في موقع دفاعي مروع فالحل السياسي يعني نهايتهم، وتعني العدالة الدولية والمحلية مثولهم في ملفات مثل فض الاعتصام، وانقلاب 1989، والانتهاكات في دارفور، ومجزرة معسكر العيلفون لذلك لا غرو أن الحرب تمثل لهم فرصة أخيرة لإفلات جماعي من المحاسبة، أو على الأقل إعادة التموضع للعودة تحت غطاء جديد.

لكن الواقع لا يسير باتجاه واحد فالثورة التي أطاحت بنظام البشير لم تقبر بعد، والحركات المدنية، رغم تشتتها، لا تزال تحتفظ بمساحات من القوة الشعبية والشرعية الأخلاقية الحاضنة الاجتماعية التي وفرت يومًا غطاء للإخوان باتت أكثر تشككًا، والمجتمع الدولي صار أقل ميلًا لتجاهل ملفات حقوق الإنسان في السودان.

إن أخطر ما في تحركات قوش والإخوان أنها لا تتحدى فقط الدولة المدنية والديمقراطية، بل تحاول تطويع الخراب نفسه ليصبح أداة سلطة، إذ ليس ثمة مشروع واضح سوى العودة إلى نقطة الصفر، حيث الدم أداة حكم، والفوضى نظام بديل، والهوية الدينية تستغل كقناع لمشروع سلطوي عنيف.

حرب بقاء

المعركة في السودان لم تعد صراعًا تقليديًا بين طرفين مسلحين، بل غدت مسرحًا لاختبار قدرة الدولة والمجتمع الإقليمي والدولي على تحييد قوى الظل التي ترى في الحروب فرصًا، وفي الفوضى وسيلة، وفي الإفلات من العقاب غاية تتقدم على كل ما سواها.

وإذا كان ما يجري اليوم في السودان هو صراع على السلطة، فإن ما تحاول قوى الإسلام السياسي تحقيقه عبر قوش ومن معه، هو صراع على الذاكرة، على الحقيقة، على التاريخ، عبر طمس جرائم الماضي وإعادة إنتاجها في الحاضر تحت مسميات جديدة، من هنا فإن أي حديث عن وقف الحرب لا يكتمل دون تفكيك هذا التحالف، ومساءلة من تلطخت أيديهم بالدم، قبل أن يتحول السودان إلى ركام دائم لا يبنى عليه سلام.

شارك