مدغشقر والنيجر من تمرد العسكر إلى انفلات الأمن.. كيف تعيد الانقلابات رسم خريطة الإرهاب في إفريقيا؟
الأربعاء 15/أكتوبر/2025 - 10:34 ص
طباعة

تعيش القارة الإفريقية على وقع موجة جديدة من الاضطرابات السياسية والعسكرية، تمتد من جزر المحيط الهندي إلى عمق منطقة الساحل، حيث تتقاطع الانقلابات العسكرية مع تصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة، في مشهد يعيد طرح سؤال الشرعية والاستقرار على نحو مقلق.
في مدغشقر، تحول الاحتقان السياسي إلى أزمة مفتوحة بعد إعلان مجموعة من المتمردين داخل الجيش تعيين قائد جديد للقوات المسلحة، في خطوة تعكس انهيار منظومة الولاء داخل المؤسسة العسكرية.
فبعد أكثر من أسبوعين على انطلاق مظاهرات يقودها جيل زد للمطالبة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية، انضمت وحدة كابسات التي تعد من أكثر تشكيلات الجيش حساسية من حيث الدور الإداري واللوجستي إلى صفوف المحتجين، معلنة رفضها تنفيذ أوامر إطلاق النار على المتظاهرين، ومؤكدة أن جميع الأوامر العسكرية ستصدر من مقرها.
هذا التحول يعد إشارة إلى انتقال الصراع من الشارع إلى داخل المؤسسة العسكرية نفسها، لا سيما وأن وحدة كابسات كانت قد لعبت الدور الحاسم في إسقاط النظام عام 2009 وإيصال أندريه راجولينا إلى السلطة.
وبتعيين الجنرال ديموستين بيكولاس قائدًا جديدًا لأركان الجيش بمباركة وزير الدفاع، بدا واضحًا أن شرخًا عميقًا أصاب بنية القيادة العسكرية، ما يعزز احتمالات إعادة إنتاج سيناريوهات الانقلاب أو الانقسام التام في هرم السلطة.
أما الرئيس راجولينا، فقد اعتبر الخطوة محاولة غير دستورية للاستيلاء على الحكم بالقوة، داعيًا إلى الحوار والوحدة الوطنية، في خطاب بدا أقرب إلى محاولة احتواء التمرد منه إلى ممارسة فعل قيادي حاسم.
غير أن لغة الميدان تميل نحو الفوضى جيش منقسم، ومؤسسات متصدعة، واحتجاجات متنامية بلا قيادة واضحة وهي البيئة المثالية لتنامي أنماط العنف السياسي وتسلل الفاعلين المسلحين غير الدوليين في مناطق الأطراف.
تحولات جذرية
وفي النيجر، تتخذ الأزمة وجهًا آخر أكثر تعقيدًا فمنذ إطاحة الرئيس محمد بازوم في يوليو 2023، يعيش البلد تحولات جذرية في توازنات الأمن والسياسة
المجلس العسكري الحاكم، بقيادة الجنرال عبد الرحمن تياني، رفع شعار استعادة السيادة الوطنية بعد طرد القوات الفرنسية والأمريكية، لكن النتائج الميدانية جاءت معاكسة للخطاب الرسمي
فقد شهدت مناطق الغرب خصوصًا تيلابيري وتاهوا تصاعدًا غير مسبوق في نشاط الجماعات الجهادية التابعة لتنظيمي نصرة الإسلام والمسلمين والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى
تقرير أفريكا ريبورت كشف عن حالة فراغ أمني كامل سمحت للمسلحين بفرض سلطتهم على القرى وجباية الضرائب من السكان المحليين
الهجمات المنسقة التي أعقبت ذلك أسفرت عن مقتل العشرات من الجنود والمدنيين، لترتفع الحصيلة السنوية إلى أكثر من 1600 قتيل، أي أربعة أضعاف ما كانت عليه في وجود القوات الغربية، وفق تقديرات مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية
وتؤكد شهادات الأهالي في المناطق النائية أن الجيش بات شبه غائب، إذ يتركز وجوده حول العاصمة نيامي ومراكز النفوذ السياسي، فيما تترك المجتمعات الحدودية لمصيرها أمام المقاتلين المتطرفين
هذا الانسحاب يعكس إشكالية مزدوجة: فشل الدولة في بسط سيادتها على الأطراف، وتحول خطاب الاستقلال والسيادة إلى غطاء للعزلة الأمنية وتآكل الشرعية الداخلية
تأثير على مشهد الإرهاب
ما يجري في مدغشقر والنيجر رغم اختلاف السياق الجغرافي والسياسي يكشف عن نمط متكرر في القارة الإفريقية:
الانقلابات العسكرية التي تبرر تحت شعار الإنقاذ الوطني أو استعادة السيادة، غالبًا ما تفضي إلى تفكيك المؤسسات، وخلق فراغ سياسي وأمني تستثمره الجماعات المسلحة
في مدغشقر، هشاشة الدولة واحتقان الشارع يفتحان الباب أمام احتمالات عسكرة الصراع السياسي وفي النيجر، انسحاب القوى الدولية دون وجود بديل وطني فعال أوجد بيئة حاضنة لتنامي الإرهاب
وهكذا، يتحول شعار السيادة إلى عبء جديد يكرس عزلة الأنظمة العسكرية، ويمنح الجماعات المتطرفة هامش حركة أوسع داخل فضاء إقليمي هش ومفتوح
كما يجعل غياب التوافق السياسي وضعف البنية المؤسسية من هذه الأزمات بؤرًا لتغذية التطرف، لا سيما في ظل تزايد معدلات الفقر والبطالة، وتراجع الثقة في الأنظمة المدنية والعسكرية على حد سواء.
ومع تصاعد هذه الاتجاهات، يبدو أن القارة تتجه نحو عقد جديد من الاضطراب، حيث تذوب الحدود بين التمرد السياسي والإرهاب المسلح، وتتحول الجيوش من أداة استقرار إلى فاعل في معادلة الفوضى.