تحالف الساحل في اختبار تيلابيري.. النيجر تراهن على التنسيق العسكري لكبح التمدد الإرهابي
الأربعاء 22/أكتوبر/2025 - 12:18 م
طباعة
الإرهاب
محمود البتاكوشي
تدخل منطقة الساحل الأفريقي مرحلة دقيقة مع تصاعد التهديدات الإرهابية، وتحديدًا في منطقة تيلابيري غرب النيجر، التي أصبحت بؤرة اشتباك بين الدولة والتنظيمات المتطرفة العابرة للحدود وفي خضم هذه التحولات، تتجه دول الترويكا النيجر ومالي وبوركينا فاسو إلى اختبار حاسم في قدرتها على إدارة أمنها الإقليمي بعيدًا عن النفوذ الفرنسي التقليدي.
فطلب الجنرال عبد الرحمن تشياني، قائد المجلس العسكري الحاكم في النيجر، دعمًا عسكريًا من حليفيه في مالي وبوركينا فاسو، لا يعد خطوة تكتيكية فحسب، بل يعكس رؤية استراتيجية لتشكيل «قوة موحدة لتحالف الساحل» قادرة على مواجهة التمدد الإرهابي، لا سيما بعد الانسحاب الفرنسي وانكماش الوجود الغربي في المنطقة.
منطقة تيلابيري ليست مجرد إقليم مضطرب، بل تمثل حلقة الوصل الحيوية بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتكمن خطورتها في كونها معبرًا تستخدمه الجماعات المسلحة المرتبطة بـ«داعش» و«القاعدة» لتهريب السلاح والمقاتلين، وتجنيد عناصر جديدة عبر الحدود المفتوحة هذه الطبيعة الجغرافية جعلت من السيطرة عليها اختبارًا لقدرة نيامي على فرض سيادتها وحماية حدودها.
منذ تولي تشياني السلطة في أغسطس 2023 عقب الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، اتخذت النيجر مسارًا تصحيحيًا لإعادة بناء مؤسساتها الأمنية والإدارية فقد أقال حكام المناطق المدنية الثمانية واستبدلهم بضباط عسكريين موالين، في خطوة هدفت إلى توحيد القرار الأمني ورفع كفاءة الاستجابة الميدانية غير أن هذه الإجراءات ظلت محدودة الفاعلية أمام تصاعد الضغط الميداني للجماعات المتطرفة في الغرب.
التحالف الثلاثي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو يهدف إلى تجاوز هذه الفجوة عبر إنشاء منظومة أمنية متكاملة تتبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسق العمليات العسكرية عبر الحدود فبينما تمتلك مالي خبرة ميدانية طويلة في مواجهة التنظيمات الجهادية، تملك بوركينا فاسو وحدات شبه عسكرية نشطة في المناطق الريفية، ما يجعل الدعم المشترك عاملًا مضاعفًا لقدرة النيجر على المناورة.
على المستوى السياسي، يعكس هذا التعاون محاولة من دول الترويكا لتكريس نموذج استقلالي جديد عن النفوذ الفرنسي، بعد أن اتجهت جميعها نحو تحالفات بديلة مع قوى مثل روسيا ودول آسيوية صاعدة ومن ثم، فإن نجاحها في تحقيق استقرار نسبي في تيلابيري يمنح هذا المشروع بعدًا رمزيًا كـ«انتصار للسيادة الأفريقية» في مواجهة الإرث الاستعماري القديم.
لكن التحدي الحقيقي يكمن في استدامة التنسيق العسكري، إذ إن التحالفات في الساحل غالبًا ما تتآكل بفعل تضارب الأولويات الداخلية وضعف الموارد كما أن غياب الدعم الدولي الفعال، وانسحاب بعثة الأمم المتحدة من مالي، يضاعف من المخاطر الأمنية التي تواجه هذا المشروع.
ورغم تلك التحديات، يظهر تحرك نيامي الأخير وعيًا متناميًا بضرورة الانتقال من الدفاع إلى المبادرة فالجنرال تشياني يسعى إلى إثبات أن النيجر ليست الحلقة الأضعف في معادلة الساحل، بل مركز الثقل الجديد لمشروع مكافحة الإرهاب الإقليمي.
معركة بقاء على حدود النار
يذكر أن النيجر تواجه تصاعدًا خطيرًا في النشاط الإرهابي جعلها في قلب العاصفة بالساحل الإفريقي. فمنطقة تيلابيري غربًا تحولت إلى ساحة مفتوحة لتنظيمي “داعش في الصحراء الكبرى” و“القاعدة”، بينما يهدد الجنوب الشرقي مقاتلو “بوكو حرام” و“داعش ولاية غرب إفريقيا”.
منذ انقلاب أغسطس 2023، يسعى الجنرال عبد الرحمن تشياني إلى إعادة بناء الدولة عبر إحلال حكام عسكريين محل المدنيين وتعزيز التنسيق مع مالي وبوركينا فاسو ضمن تحالف الساحل، لكن الهجمات لا تزال تتكثف في المناطق الحدودية، ما يعكس عمق الأزمة.
تمدد الإرهاب تغذيه عوامل متشابكة فراغ أمني على امتداد الحدود، وفقر مدقع يجعل الشباب فريسة للتجنيد، وصراعات قبلية تستغلها الجماعات المتطرفة، إضافة إلى الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الفرنسية وتراجع الدعم الغربي.
في المقابل، تراهن نيامي على بناء تحالفات جديدة مع قوى مثل روسيا وتركيا وإيران، لإعادة التوازن الأمني بعيدًا عن النفوذ الغربي، لكنها تواجه تحديًا مزدوجًا يتمثل في ضبط الميدان دون خسارة الحاضنة الاجتماعية.
