الإعدام العلني في أفغانستان.. سلاح طالبان لبناء الخوف
محمد شعت
نفذت حركة طالبان في الأيام الماضية عملية إعدام علني جديدة في ولاية غزني وسط أفغانستان، حضرها عشرات المسؤولين المحليين وآلاف المواطنين. وقد أثارت الحادثة موجة واسعة من الإدانات، كان أبرزها من ريتشارد بينيت، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في أفغانستان، الذي قال في بيان رسمي إن "تنفيذ الإعدام العلني يمثل انتهاكًا صارخًا لكرامة الإنسان وخرقًا واضحًا لالتزامات أفغانستان الدولية في مجال حقوق الإنسان"، مضيفًا أن "اللجوء إلى الإعدام العلني لا يمكن أن يُبرر بأي ذريعة دينية أو قانونية، ويعكس ازدراء طالبان للأسس الجوهرية للعدالة وحقوق الإنسان".
وأضاف بينيت أن ما جرى في غزني
"يظهر الطبيعة القمعية للحكم القائم، واستمرار تراجع سيادة القانون لصالح
نظام عقائدي لا يعترف بالحقوق الأساسية للمواطنين"، داعيًا المجتمع الدولي
إلى "ممارسة ضغط منسق على سلطات الأمر الواقع في كابول من أجل وقف هذه
الممارسات فورًا وضمان المساءلة عنها". وأكد أن الأمم المتحدة "تلقت
تقارير موثوقة عن استمرار تنفيذ أحكام الإعدام العلنية دون إخطار مسبق، أو منح
المتهمين حق الدفاع، وهو ما يتنافى تمامًا مع المعايير الدولية للمحاكمة
العادلة".
الإعدام الذي جرى في غزني لم يكن الأول
من نوعه، بل يمثل حلقة جديدة في سلسلة من العقوبات العلنية التي أعادت طالبان
تطبيقها منذ عودتها إلى السلطة في أغسطس 2021. ففي الأشهر الأخيرة، وثقت بعثة
الأمم المتحدة في أفغانستان (يوناما) أكثر من خمسين حالة إعدام علني أو جلد في
الساحات العامة، بعضها في ملاعب كرة القدم أو الأسواق، بحضور آلاف المواطنين، ما
اعتبرته المنظمة الدولية رسالة ترهيب موجهة للمجتمع بأسره. وتشير تقارير الأمم
المتحدة إلى أن أغلب هذه الإعدامات طالت أشخاصًا متهمين بالقتل أو السرقة أو
الزنا، في حين تم تنفيذ العقوبة دون توفير الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة
المنصوص عليها في القانون الدولي.
تؤكد مصادر محلية أن وزارة الدعوة
والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حكومة طالبان المؤقتة هي التي تشرف
على تنظيم تلك الفعاليات العلنية، بالتنسيق مع وزارة الداخلية والمحاكم الشرعية.
ويُطلب من السكان المحليين الحضور الإجباري، في مشهد يستهدف "ترسيخ
الردع" وإظهار التزام الحكومة بتطبيق الشريعة وفق تفسيرها الخاص. ومع ذلك،
يرى مراقبون أن هذه العروض الدموية تحمل أيضًا دلالات سياسية، إذ تستخدمها طالبان
لإعادة تثبيت هيمنتها في ظل تراجع شعبيتها في بعض الولايات التي تعاني من الفقر
والبطالة وانعدام الخدمات.
انتقادات حقوقية ودولية متصاعدة
منذ عودتها إلى السلطة، واجهت طالبان
موجة غير مسبوقة من الإدانات الحقوقية الدولية، خاصة مع تصاعد الانتهاكات ضد
النساء والأقليات والإعلاميين. فبحسب تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في سبتمبر
الماضي، ارتكبت سلطات طالبان "انتهاكات ممنهجة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية"،
من بينها الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإخفاء القسري، وتنفيذ أحكام الإعدام خارج
نطاق القضاء. وفيما يتعلق بالإعدامات العلنية تحديدًا، وصفت العفو الدولية تلك
الممارسات بأنها "إرهاب منظم ضد المجتمع"، مؤكدة أن مشاهد الجلد والرجم
والإعدام تُستخدم كأداة لإخضاع المواطنين من خلال بث الخوف في نفوسهم.
كما أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش عن
قلقها من أن استمرار هذه العقوبات سيؤدي إلى "تطبيع العنف" وإلغاء أي
أمل في بناء نظام عدالة حقيقي داخل البلاد. وأشار باحثو المنظمة إلى أن المحاكم
التابعة لطالبان تعمل خارج أي إطار قانوني معترف به دوليًا، ولا تتيح للمتهمين حق
الدفاع أو الاستئناف، ما يجعل أي حكم بالإعدام في ظل هذه الظروف بمثابة عملية قتل
خارج نطاق القانون.
من جهتها، أصدرت بعثة الأمم المتحدة في
أفغانستان (يوناما) تقريرًا في يونيو الماضي يوثق أكثر من 1600 انتهاك لحقوق
الإنسان خلال عام واحد فقط، بينها حالات إعدام ميداني وتعذيب وسوء معاملة بحق
المدنيين، لا سيما في المناطق الريفية. وأكدت البعثة أن عودة العقوبات العلنية
تشكل "تراجعًا مقلقًا" عن الوعود التي قدمتها طالبان للمجتمع الدولي عقب
سيطرتها على كابول، عندما تعهدت باتباع نهج أكثر اعتدالًا واحترامًا لحقوق
الإنسان.
البعد السياسي وراء "إحياء
العقوبات العلنية"
وتذهب قراءات إلى أن استئناف طالبان
للإعدامات العلنية لا يرتبط فقط بتطبيق الشريعة كما تدّعي، بل يرتبط أيضًا بتحديات
داخلية متصاعدة تواجه الحركة، سواء من حيث الانقسامات بين جناحي قندهار وكابول أو
تزايد نشاط تنظيم داعش-خراسان في عدد من الولايات. فبينما تحاول القيادة في
قندهار، بقيادة هيبة الله أخوندزاده، فرض رؤيتها المتشددة على مؤسسات الدولة، تميل
بعض الأجنحة في كابول إلى نهج أكثر براغماتية لتجنب مزيد من العزلة الدولية.
وتشير القراءات إلى أن هذه المشاهد
الدموية تُستخدم لتوحيد الصف الداخلي للحركة عبر تأكيد الطابع العقائدي الصارم
للنظام، وإعادة تأكيد ولاء الأجهزة المحلية للقيادة الدينية العليا. كما تعتبر
وسيلة لإيصال رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن طالبان لن تتراجع عن نهجها مهما
كانت الضغوط، وأنها تمتلك "سيادتها القانونية والدينية" التي ترفض
المساس بها.
على الصعيد الشعبي، تتباين المواقف بين
مؤيدين يرون في هذه العقوبات وسيلة لضبط الأمن في مجتمع يعاني من ارتفاع معدلات
الجريمة، ومعارضين يعتبرونها وصمة في جبين بلد يسعى إلى الخروج من دوامة الحروب
والعنف. ويؤكد ناشطون أن هذه الممارسات أدت إلى تزايد حالات الصدمة النفسية بين
الأطفال والنساء الذين يشهدون عمليات الإعدام في الساحات العامة، ما يعمق من أزمة
العنف المجتمعي المتجذر في البلاد منذ عقود.
ورغم الإدانات الدولية، يبدو أن طالبان
لا تبدي أي نية للتراجع. فقد صرح المتحدث باسم وزارة العدل في الحكومة المؤقتة أن
تطبيق الحدود هو "أمر إلهي لا يمكن تعليقه أو مراجعته"، مؤكدًا أن
الإعدامات العلنية ستستمر طالما ارتكب الناس الجرائم التي تستوجبها. هذا الإصرار،
وفق مراقبين، يضع طالبان في مواجهة مفتوحة مع الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية
التي تواصل الدعوة إلى فرض قيود على تعامل المجتمع الدولي معها.
وبينما تستمر هذه الانتهاكات في غياب
أي آلية للمساءلة، تتزايد المطالب داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
بإنشاء لجنة تحقيق دولية خاصة بأفغانستان، لمتابعة قضايا الإعدام والتعذيب
والتمييز الجندري، في وقت تحذر فيه تقارير أممية من أن البلاد تتجه نحو نظام قمعي
مغلق، يتجاوز في قسوته حتى النسخة الأولى من حكم طالبان في التسعينيات.
