باكستان تشدد قبضتها الأمنية في مواجهة تصاعد الإرهاب

الأربعاء 22/أكتوبر/2025 - 09:23 م
طباعة باكستان تشدد قبضتها محمد شعت
 

تواصل قوات الأمن الباكستانية حملاتها المكثفة ضد الجماعات الإرهابية التي عادت إلى النشاط في الأشهر الأخيرة بعد فترة من الهدوء النسبي. وأسفرت العمليات الأخيرة عن مقتل عدد من المسلحين في مناطق مختلفة من إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان، اللذين يشهدان تصاعدًا في الهجمات التي تستهدف قوات الجيش والشرطة والمنشآت الحكومية.

 

وبحسب بيان صادر عن الجيش الباكستاني في 22 أكتوبر، نفذت وحدات من القوات الخاصة عملية دقيقة استهدفت مخبأ لمسلحين تابعين لحركة طالبان باكستان في منطقة دير العليا، مما أسفر عن مقتل أربعة إرهابيين على الأقل، بينهم أحد القادة الميدانيين البارزين، بينما استشهد جندي وأصيب آخر خلال الاشتباك. وأوضح البيان أن العملية جاءت في إطار جهود الجيش لإحباط مخططات الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار الداخلي، مؤكدًا أن القوات المسلحة ستواصل ملاحقة العناصر التخريبية حتى استئصال الإرهاب من جذوره.

 

تأتي هذه التطورات في وقت تتصاعد فيه الهجمات ضد قوات الأمن في مناطق مختلفة من البلاد. ففي إقليم بلوشستان، أعلنت السلطات عن مقتل خمسة جنود إثر تفجير عبوة ناسفة استهدفت قافلة عسكرية قرب منطقة كوهلو، في هجوم تبنته مجموعة مرتبطة بما يُعرف بجيش تحرير بلوشستان. كما شهدت منطقة وزيرستان الشمالية هجومًا مسلحًا على نقطة تفتيش، أدى إلى مقتل ثلاثة من أفراد الأمن، بينما تمكنت القوات من القضاء على اثنين من المهاجمين.

 

وقال مركز أبحاث الأمن والصراع في باكستان (PICSS) في تقرير حديث، إن معدل الهجمات الإرهابية خلال سبتمبر وأكتوبر شهد ارتفاعًا غير مسبوق منذ ثلاث سنوات، مشيرًا إلى أن الجماعات المسلحة تنفذ هجمات صغيرة متكررة تهدف إلى إنهاك القوات الأمنية وإرباك المشهد الداخلي، وأن الأنشطة الإرهابية باتت أكثر تنظيمًا وتنوعًا من حيث الأسلوب والمناطق المستهدفة.

 

تصاعد التهديدات وتعدد الجماعات المسلحة

 

تربط تقديرات أمنية تنامي النشاط الإرهابي في باكستان بعدة عوامل متشابكة، أبرزها تدهور الوضع الأمني في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم عام 2021، إذ وجد العديد من المقاتلين الملاذ في المناطق الحدودية الوعرة بين البلدين. وتتهم إسلام آباد الحكومة الأفغانية المؤقتة بالسماح لعناصر حركة طالبان باكستان باستخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة للتخطيط للهجمات عبر الحدود، وهو ما تنفيه كابول باستمرار.

 

ووفقًا لإحصاءات مركز PICSS، شهدت البلاد أكثر من سبعمئة هجوم إرهابي منذ بداية عام 2025، أسفرت عن مقتل نحو تسعمئة شخص، وهو ما يمثل زيادة تقارب أربعين بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وتؤكد البيانات أن إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان تصدّرا قائمة المناطق الأكثر استهدافًا، بينما توسعت بعض الهجمات لتشمل مناطق حضرية مثل كراتشي ولاهور.

 

وتشير التقديرات إلى أن عودة تصاعد الهجمات تعكس هشاشة الوضع الأمني بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتنامي شبكات الإرهاب العابر للحدود. وتؤكد التقارير الأمنية أن حركة طالبان باكستان أعادت تنظيم صفوفها مستفيدة من الدعم اللوجستي الذي توفره البيئة الأفغانية الحالية، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا للمؤسسة العسكرية الباكستانية.

 

وتواجه باكستان كذلك مجموعات انفصالية في إقليم بلوشستان تتبنى خطابًا قوميًا مسلحًا وتشن هجمات تستهدف مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني. وتعتبر إسلام آباد هذه الهجمات جزءًا من محاولات تقويض التنمية الوطنية والإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع بكين، وهو ما دفع السلطات إلى تشديد الإجراءات الأمنية في المناطق الاقتصادية الحساسة.

 

ويؤكد مركز أبحاث CRSS في إسلام آباد أن باكستان تواجه جيلًا جديدًا من الجماعات الإرهابية أكثر مرونة في الحركة وأوسع شبكة في التمويل، مشيرًا إلى أن التهديد الأمني أصبح متعدد الأوجه، إذ يجمع بين الإرهاب الديني والانفصالي والجريمة المنظمة، وأن أي معالجة جزئية لن تؤدي سوى إلى تأجيل الخطر لا القضاء عليه.

 

استراتيجيات جديدة في الحرب على الإرهاب

 

ردًا على تصاعد الهجمات، أطلقت الحكومة الباكستانية حزمة من الإجراءات الأمنية والعسكرية ضمن استراتيجية جديدة تهدف إلى تعزيز التنسيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة. وتشمل الخطة تكثيف العمليات الاستخباراتية الاستباقية، وتعزيز المراقبة على الحدود مع أفغانستان باستخدام تقنيات المراقبة الجوية والطائرات المسيّرة، إلى جانب تطوير قدرات الشرطة المدنية في مكافحة الإرهاب.

 

وكان رئيس الوزراء شهباز شريف قد أكد في كلمة له مطلع أكتوبر أن الحكومة لن تسمح لأحد بتهديد أمن باكستان أو عرقلة مسيرتها التنموية، مشددًا على أن الدولة ستخوض حربًا شاملة ضد الإرهاب تشمل البعد الأمني والفكري والاقتصادي. وأشار إلى أن الإرهاب لم يعد تهديدًا أمنيًا فحسب، بل تحديًا شاملًا يتطلب معالجة جذوره الاجتماعية والفكرية.

 

وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الداخلية عن خطة لإعادة تأهيل المناطق المتأثرة بالنزاعات عبر توفير فرص عمل ودعم مشروعات تنموية صغيرة للشباب، في محاولة لقطع الطريق أمام الجماعات المتطرفة التي تستغل الفقر والبطالة لتجنيد الأفراد. كما أطلقت الحكومة حملة وطنية لمكافحة الخطاب المتطرف عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بالتعاون مع المؤسسات الدينية والتعليمية.

 

وتشير التحليلات إلى أن هذه المقاربة الجديدة تعكس تحولًا في الرؤية الرسمية، إذ لم تعد الحرب على الإرهاب تعتمد فقط على المواجهة العسكرية، بل أصبحت تتبنى نهجًا شاملًا يشمل الأمن والتنمية والتعليم والإعلام. غير أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب، بحسب التقديرات الأمنية، توافر إرادة سياسية قوية وتعاونًا فعالًا بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم، خاصة في ظل تعقيدات المشهد الداخلي وتعدد الولاءات المحلية.

 

وفي تقييم لمركز CRSS حول الاستراتيجية الوطنية الجديدة، جاء أن نجاحها يعتمد على ربط التنمية بالأمن وإشراك المجتمعات المحلية في جهود مكافحة التطرف، بدلًا من الاعتماد على المقاربة الأمنية فقط، مؤكدًا أن باكستان تمتلك الآن الفرصة لإعادة بناء نموذج أمني اجتماعي متكامل إذا ما استثمرت بذكاء نتائج العمليات العسكرية في مسار التنمية.

 

ورغم التحديات، تؤكد القيادة العسكرية أنها مصممة على المضي قدمًا في العمليات، مشيرة إلى أن الحملات الأخيرة في وزيرستان وبلوشستان أضعفت البنية التحتية للجماعات الإرهابية وقلّصت من قدرتها على تنفيذ هجمات كبيرة. كما تشهد العاصمة إسلام آباد والمدن الكبرى تعزيزات أمنية مكثفة، في إطار ما تصفه السلطات بالاستعداد لمرحلة أمنية حاسمة في مواجهة التهديدات.

 

وبينما تتجه باكستان نحو انتخابات عامة مرتقبة مطلع العام المقبل، تتزايد التقديرات بأن نجاح الحكومة في استعادة الأمن سيكون عاملًا حاسمًا في المشهد السياسي، إذ تمثل قضية الإرهاب أحد أبرز الملفات التي تشغل الرأي العام. وتبقى معركة باكستان ضد الإرهاب اختبارًا مستمرًا لقدرة الدولة على تحقيق التوازن بين الأمن والتنمية، في ظل بيئة إقليمية مضطربة وحدود ملتهبة يصعب السيطرة عليها بالكامل.

 

شارك