تحولات في قيادة الجيش المالي.. إعادة هيكلة استراتيجية لمواجهة تصاعد الإرهاب
الخميس 23/أكتوبر/2025 - 04:32 م
طباعة
الإرهاب
محمود البتاكوشي
تشهد مالي مرحلة دقيقة من التحولات داخل المؤسسة العسكرية، بعد سلسلة إقالات طالت ضباطًا كبارًا في خطوة تعكس توجهًا نحو إعادة هيكلة القيادة العليا لمواجهة التهديد الإرهابي المتصاعد.
ويبدو أن المجلس العسكري الحاكم بقيادة الجنرال آسيمي غويتا يسعى من خلال هذه الإجراءات إلى إعادة ضبط توازن القوة داخل الجيش، بعد شهور من الانتكاسات الأمنية التي كشفت هشاشة البنية القيادية في مواجهة التنظيمات المسلحة المنتشرة في الوسط والشمال.
الإعلان عن إقالة ثلاثة من كبار قادة الجيش وتعيين بدلاء لهم يمثل مؤشرًا على "تحرك إنقاذي" من النظام العسكري، في ظل الضغوط المتزايدة الناتجة عن تصاعد هجمات الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين"، والتي تفرض حصارًا فعليًا على مناطق حيوية وتستنزف قدرات الجيش.
هيكلة عسكرية
من أبرز الوجوه الجديدة في الهيكلة العسكرية الجنرال توماني كوني، الذي تولى رئاسة أركان الجيش البري، وهو شخصية معروفة بخبرته الميدانية الواسعة في سيفاري، إحدى بؤر التوتر في وسط البلاد.
وينظر إلى تعيينه بوصفه رسالة ميدانية واضحة، مفادها أن المواجهة مع الجماعات الإرهابية ستنتقل من مرحلة الدفاع إلى الهجوم.
أما على المستوى السياسي، فتقرأ التغييرات بوصفها رسالة مزدوجة من غويتا: الأولى للداخل، لتأكيد أن المؤسسة العسكرية تخضع للمساءلة والتجديد، والثانية للخارج، خصوصًا للشركاء الدوليين، بأن باماكو لا تزال ماضية في مكافحة الإرهاب رغم الانسحاب الجزئي لقوات "فاغنر" الروسية من بعض الجبهات.
أبعاد سياسية
ويرى مراقبون أن هذه القرارات تحمل في طياتها بعدًا سياسيًا لا يقل أهمية عن بعدها العسكري، إذ يسعى النظام إلى احتواء الغضب الشعبي المتزايد نتيجة تدهور الوضع الأمني والمعيشي، بعد أن فرضت الجماعات الإرهابية حصارًا على إمدادات الوقود في بعض المناطق، ما تسبب في أزمة خانقة للسكان.
وتضم القائمة أيضًا شخصيات جديدة تحمل خلفيات متنوعة، مثل الجنرال إليسيه جان داو، الذي عين نائبًا لرئيس أركان الجيش العام، مستفيدًا من خبرته الدبلوماسية السابقة كسفير في الغابون والصين، ما يعكس محاولة الدمج بين الخبرة العسكرية والرؤية السياسية. كذلك تم تعيين الجنرال سامبو مينكورو دياكيتي رئيسًا للأمن العسكري، وهو ضابط معروف بانضباطه وقدرته على إدارة الملفات الحساسة.
غير أن هذه التغييرات، رغم أهميتها الرمزية والتنظيمية، لن تكون كافية ما لم تترافق مع إصلاحات عميقة تشمل إعادة بناء منظومة القيادة، وتحسين التنسيق مع القوى الإقليمية، ودمج المقاربة الأمنية مع مبادرات المصالحة والتنمية المحلية، فالتحدي الحقيقي أمام القيادة الجديدة لا يكمن فقط في كسب المعركة العسكرية، بل في معالجة جذور الأزمة التي تمتد إلى هشاشة الدولة وضعف مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية.
مالي على حافة الانهيار
تدخل جمهورية مالي منعطفًا خطيرًا في تاريخها الحديث، إذ تجاوزت أزمتها حدود الاضطراب السياسي والأمني لتتحول إلى انهيار شامل يهدد بتفكك الدولة وامتداد الفوضى إلى عموم منطقة الساحل الإفريقي.
وتتصدر مشهد هذا الانهيار قوتان رئيسيتان تتنازعان النفوذ والسيطرة، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ذات المرجعية الجهادية، وجبهة تحرير أزواد التي تمثل الحركات الانفصالية في شمال البلاد.
هذا الوضع المعقد يثير قلقًا متزايدًا لدى مؤسسة تكتل الحصن المتين التي ترى في التطورات المتسارعة تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الجزائري، خاصة في ظل هشاشة الحدود الجنوبية وازدياد مخاطر التسلل والتهريب.
تمدد نصرة الإسلام والمسلمين
باتت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، خلال السنوات الأخيرة، القوة الأكثر نفوذًا في وسط وغرب مالي، بعد أن نجحت في فرض سيطرتها على شريط جغرافي شاسع يمتد حتى حدود النيجر وبوركينا فاسو.
تعمل الجماعة وفق نموذج الدولة الموازية، حيث تدير شؤون مناطقها عبر فرض الإتاوات، جمع الضرائب، وتنظيم حركة القوافل التجارية، ما منحها موارد مالية ضخمة وقدرة على توطيد حضورها الاجتماعي والأمني.
تحول هذا النفوذ إلى كيان مواز يهدد بجدية الكيان المالي الرسمي، ويقوض أي إمكانية لاستعادة الدولة سلطتها المركزية.
