الإجلاء الأممي يفضح سلطة القمع ويعرّي خطاب الحوثيين عن القانون الدولي الإنساني
الجمعة 24/أكتوبر/2025 - 12:32 م
طباعة
فاطمة عبدالغني
في العاصمة صنعاء وبقية مناطق سيطرة المليشيا، ممن يعيشون أوضاعاً إنسانية وأمنية صعبة، وترتيب اوضاعهم، بعد أن فرضت عليهم المليشيا قيوداً صارمة على حركتهم، وأجبرتهم على توقيع تعهدات بعدم مغادرة مناطق سيطرتها والإبلاغ عن تحركاتهم، في انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني، واتفاقية فيينا الخاصة بحماية الموظفين الدوليين والوطنيين العاملين في المنظمات الدولية.
وأعاد الوزير اليمني التذكير بأن هؤلاء الموظفين يعيشون فعلياً في حالة إقامة جبرية قسرية داخل منازلهم، وبأن العشرات منهم ما يزالون رهن الاعتقال التعسفي منذ فترات متفاوتة، بعضهم منذ عام 2021، في انتهاك واضح لحقوق الإنسان وللحصانة القانونية التي يتمتع بها موظفو الأمم المتحدة ووكالاتها بموجب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة
ودعا الإرياني لأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، وممارسة ضغوط حقيقية على مليشيا الحوثي الإرهابية لضمان الإفراج الفوري عن جميع المختطفين من موظفيها وموظفي وكالاتها الإغاثية، وتمكين الراغبين منهم من مغادرة مناطق سيطرة المليشيا دون قيود أو تهديد، وبما يكفل سلامتهم وكرامتهم وحقهم في حرية التنقل والحماية القانونية
كما أكد على ضرورة أن تتخذ الأمم المتحدة موقفاً حازماً تجاه هذه الانتهاكات الممنهجة، وألا تسمح للمليشيا باستغلال العمل الإنساني كأداة ابتزاز سياسي أو وسيلة تمويل غير مشروعة، وأن تعيد تقييم آليات عملها في مناطق سيطرة المليشيا بالتنسيق مع الحكومة الشرعية، بما يضمن استقلالية وحياد أنشطتها، وصون حياة وسلامة كوادرها المحلية والدولية.
وكانت الأمم المتحدة، أجلت الأربعاء الماضي، 12 موظفاً دولياً كانوا محتجزين لدى ميليشيات الحوثي داخل مجمّع تابع للمنظمة الدولية في العاصمة اليمنية صنعاء، وقالت المنظمة في بيان رسمي إن "اثني عشر من موظفي الأمم المتحدة غادروا صنعاء في وقت سابق اليوم، وكانوا من بين المحتجزين في مجمّع الأمم المتحدة بالعاصمة، وذلك على متن رحلة تابعة لخدمات النقل الجوي الإنساني التابعة للأمم المتحدة".
وأضاف البيان أن "ثلاثة موظفين آخرين ممن كانوا أيضاً ضمن المحتجزين لدى الميليشيات بات بإمكانهم الآن التنقل والسفر بحرية"، مؤكداً في الوقت نفسه أن "53 من موظفي الأمم المتحدة لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي لدى ميليشيات الحوثي، إلى جانب عدد من العاملين في منظمات غير حكومية ومؤسسات مجتمع مدني، فضلاً عن موظفين من بعثات دبلوماسية".
يذكر أن ميليشيات الحوثي اقتحمت في 18 أكتوبر الجاري المجمع السكني التابع للأمم المتحدة في صنعاء، واحتجزت 15 مسؤولاً دولياً من جنسيات مختلفة يعملون في وكالات ومنظمات تابعة للأمم المتحدة. وبعد يومين من الحادثة، سمحت الميليشيات للموظفين بالتحرك داخل المجمع، قبل أن تقوم الأمم المتحدة بإجلائهم بشكل كامل اليوم.
وكشف مصدر مطلع أن جهاز المخابرات التابع لميليشيات الحوثي أخضع الموظفين لتحقيقات قسرية، وأجرى عمليات تفتيش دقيقة داخل المجمع، وصادر ممتلكات وأجهزة إلكترونية بينها حواسيب وهواتف وغرفة عمليات كاملة.
ويأتي هذا الاقتحام بعد أيام من تصريحات لزعيم الميليشيات، عبدالملك الحوثي، اتهم فيها المنظمات العاملة في المجال الإنساني — وعلى رأسها برنامج الغذاء العالمي ومنظمة اليونيسف — بالتجسس لصالح إسرائيل.
وقد رفضت الأمم المتحدة بشكل قاطع تلك الاتهامات، مؤكدة أن موظفيها وعملياتها الإنسانية في اليمن لا تنخرط في أي أنشطة أمنية أو استخباراتية، وأن دورها يقتصر حصراً على تقديم المساعدات الإنسانية وفقاً للمبادئ الدولية.
يُذكر أن ميليشيات الحوثي شنت خلال الأسابيع الماضية حملة قمع واعتقالات واسعة استهدفت موظفين في الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية دولية، متهمةً إياهم بالعمل لصالح جهات معادية، في خطوة وصفتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي ولحصانة موظفي المنظمات الأممية.
ويرى المراقبون أن بقاء موظفين دوليين طوال السنوات الماضية في صنعاء رغم تصاعد الانتهاكات، أعطى الحوثيين غطاءً "إنسانياً شكلياً" استخدموه لتبييض سجلهم أمام المجتمع الدولي، فيما كانت الأجهزة الأمنية التابعة لهم تمارس سياسة ممنهجة للاحتجاز والابتزاز والرقابة على تحركات الموظفين المحليين والدوليين.
كما يشير مراقبون إلى أن استمرار احتجاز العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية، يفضح الادعاءات التي أطلقتها الجماعة حول احترامها للقانون الدولي، ويكشف عن نية واضحة لتحويل العمل الإنساني إلى وسيلة ضغط سياسي وأمني وابتزاز مالي، إضافة إلى محاولة زرع الخوف داخل كوادر الأمم المتحدة حتى يصبحوا جزءاً من منظومة المراقبة الداخلية التي يفرضها الحوثيون على المجتمع المدني.
ويرى متابعون أن الأمم المتحدة باتت اليوم أمام اختبار أخلاقي وقانوني، فمجرد الإجلاء لا يكفي ما لم يترافق مع إجراءات ردع وضمانات لحماية بقية الموظفين المحليين، الذين يواجهون مخاطر أكبر من زملائهم الدوليين نظراً لغياب الحماية الدبلوماسية، كما أن عدم اتخاذ خطوات أكثر صرامة سيشجع الحوثيين على تكرار مثل هذه الانتهاكات وربما توسيعها.
ويخلص المراقبون إلى أن ما جرى يعكس حقيقة أن مليشيا الحوثي لم تعد تتصرف كسلطة فعلية مسؤولة، بل كجماعة مسلحة تمارس "احتلالاً داخلياً" وتستهدف المؤسسات الدولية باعتبارها تهديداً لنظامها الأمني المغلق، الأمر الذي يضع المجتمع الدولي أمام ضرورة إعادة تقييم آليات التعامل معها على ضوء تصعيدها الخطير ضد العمل الإنساني، وما يمثله ذلك من تهديد مباشر للمنظومة الأممية وموظفيها.
