حقائق دامغة على الأرض تنسف الرواية الإيرانية حول استقلال الحوثيين
الثلاثاء 02/ديسمبر/2025 - 03:20 م
طباعة
فاطمة عبدالغني
تأتي تصريحات وزير الإعلام اليمني لتسلّط الضوء على واحدة من أبرز حلقات التضليل الإعلامي المرتبط بالصراع في اليمن، وذلك عقب نشر صحيفة "التليغراف" البريطانية تقريرًا يزعم أن مليشيا الحوثي خرجت عن سيطرة النظام الإيراني.
هذه المزاعم وفق الوزير ليست سوى جزء من حملة ممنهجة تهدف لإعادة تموضع طهران سياسيًا وإعلاميًا، في محاولة لصناعة سردية جديدة تبرئها من الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب عبر وكلائها في المنطقة، وتخفف الضغوط الدولية المتزايدة عليها.
ويؤكد الوزير أن الصحيفة البريطانية رغم مكانتها، سقطت في فخ الدعاية الإيرانية دون تدقيق كافٍ لمصادرها أو حقيقتها على الأرض.
ويشير الوزير إلى أن ما أثار الاستغراب هو نقل صحيفة بحجم "التليغراف" لتصريحات منسوبة لمسؤولين إيرانيين من دون التحقق من صحتها، وتسويقها كأنها وقائع نهائية لا تقبل الشك.
فمثل هذا الطرح، من وجهة نظر الإرياني، يخدم بصورة مباشرة أجندة البروباغندا الإيرانية التي تسعى لتصوير نفسها كطرف متضرر أو غير ضالع في الجرائم والانتهاكات، بينما تعمل في الواقع على إدارة شبكات إرهابية تهدد أمن الإقليم والعالم.
ويضيف الوزير أن هذه الرواية المضللة تمنح طهران فرصة لتخفيف حدة الضغوط الدولية عليها، وتمهّد لاحتواء أي رد عسكري محتمل ضدها نتيجة دعمها المتواصل للمليشيات المسلحة.
ويفند الوزير هذه المزاعم استنادًا إلى الوقائع الميدانية التي تكشف استمرار تدفق الأسلحة والمخدرات الإيرانية إلى مليشيا الحوثي عبر شبكات تهريب نشطة ضُبطت خلال الأشهر الماضية وهي تحمل صواريخ باليستية ومسيّرات وأنظمة اتصالات عسكرية متطورة.
كما يذكّر بتصريحات المسؤولين الإيرانيين خلال السنوات الماضية عن أنهم يقودون ستة جيوش في المنطقة، كان الحوثيون أحدها، مما يجعل الادعاء المفاجئ بانفلات المليشيا عن السيطرة أمرًا يناقض رواية طهران نفسها.
ويؤكد الوزير أن إيران لم تقلّص دورها في اليمن، بل كثفته خلال الفترة الأخيرة عبر الدفع بخبراء الحرس الثوري إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وعلى رأسهم عبد الرضا شهلائي المدرج على قوائم الإرهاب، الأمر الذي يعكس انتقال العلاقة بين الطرفين إلى مستوى الإدارة المباشرة والعلنية، لا إلى مسار الانفصال أو الاستقلالية كما روّجت بعض التقارير الغربية.
وفي السياق ذاته، يشير إلى أن الهجمات الإرهابية التي استهدفت الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب تمت باستخدام أسلحة إيرانية وبإشراف مباشر من خبراء الحرس الثوري وحزب الله، ويبرز أن قرار استهداف السفن التجارية لم يكن يومًا قرارًا محليًا أو حوثيًا بحتًا، بل جزءًا من غرفة عمليات إقليمية تُدار من طهران بهدف الابتزاز السياسي وتصعيد التوترات مع المجتمع الدولي.
ويتابع الوزير بأن العلاقة بين إيران والحوثيين ليست علاقة دعم لوجستي أو عسكري فقط، بل علاقة عقائدية وتنظيمية متجذّرة تجعل المليشيا تابعة بالكامل لمنظومة ولاية الفقيه، فالقرار السياسي والعسكري والمالي للمليشيا مرتبط في الأساس ببنية المشروع الإيراني، ولا يحمل أي ملامح لمشروع وطني مستقل، الأمر الذي يجعل فكرة "الخروج عن السيطرة" غير منطقية من الأساس.
كما يلفت الإرياني إلى أن الاقتصاد الموازي الذي أسسته مليشيا الحوثي خلال سنوات الحرب—من شبكات تهريب النفط والسلاح والمخدرات وغسل الأموال—ليس كيانًا مستقلًا، بل جزء من الشبكات المالية الإيرانية العابرة للحدود التي يشرف عليها الحرس الثوري، وتُستخدم هذه الأنشطة غير المشروعة في تمويل العمليات الإرهابية والتحايل على العقوبات وتعزيز القدرات العسكرية للمليشيا، ما يؤكد استمرار التبعية وليس تراجعها.
ويذكّر الوزير بأن صحيفة "التليغراف" كانت قد نشرت في أبريل 2025 تقريرًا آخر زعمت فيه أن إيران سحبت عسكرييها من اليمن واستجابت للضغوط الأمريكية، لكن الوقائع اللاحقة أثبتت عدم صحة ذلك، وسقط التقرير سريعًا لأنه اعتمد أيضًا على روايات إيرانية هدفت إلى التنصل من مسؤولية الهجمات الإرهابية على خطوط الملاحة الدولية.
ويرى الوزير، أن التطورات الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن مليشيا الحوثي تتحرك في إطار الاستراتيجية الإيرانية نفسها، التي تهدف إلى توسيع النفوذ وإثارة التوترات وابتزاز المجتمع الدولي، فلو كانت المليشيا قد خرجت فعلًا عن السيطرة، لكان أول إجراء تتخذه إيران هو وقف تدفق الأسلحة والخبراء إليها، بينما تشير الوقائع إلى حدوث العكس تمامًا، وبوتيرة أعلى من أي وقت مضى.
وفي الخلاصة، يشدد الوزير على أن الحقيقة التي تحاول طهران تغطيتها واضحة، وهي أن مليشيا الحوثي ليست سوى أداة إيرانية تعمل منذ سنوات كذراع لابتزاز المنطقة وتهديد الملاحة الدولية والأمن الإقليمي، ومع تسارع الأحداث باتت هذه المليشيا رأس الحربة في المشروع التخريبي الإيراني ومركز الثقل في أي تصعيد قادم.
ويرى المراقبون أن ما طرحه وزير الإعلام اليمني يعكس حالة القلق الدولي من تكتيكات التضليل التي تستخدمها إيران لتخفيف الضغط وتحويل الأنظار عن دورها في إدارة المليشيات المسلحة.
كما يؤكدون أن السلوك الميداني للحوثيين يتطابق مع الأجندة الإيرانية، ما يجعل الادعاءات بانفلاتهم عن السيطرة غير قابلة للتصديق في ظل تزايد الشحنات العسكرية والخبراء الإيرانيين.
ويعتقد المحللون أن إيران تستخدم هذه الروايات لتأمين موقعها الإقليمي وخلق هامش مناورة في لحظة تشهد تصعيدًا واسعًا في غزة ولبنان والبحر الأحمر، الأمر الذي يجعل المزاعم المنشورة في بعض الصحف الغربية جزءًا من معركة سردية لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية نفسها.
