دلالات رفض بابا الفاتيكان زيارة سوريا… بين مقاطعة “الجولاني” ومسؤولية دعم الأقليات

الأربعاء 03/ديسمبر/2025 - 12:30 م
طباعة دلالات رفض بابا الفاتيكان روبير الفارس
 
أثار قرار البابا لاون الرابع عشر، بابا الفاتيكان بعدم إدراج سوريا ضمن جولته الإقليمية الأخيرة، نقاشًا واسعًا داخل الأوساط الدينية والسياسية، خصوصًا في ظل ما تمثّله البلاد من مركزية تاريخية للمسيحية الشرقية، وما تواجهه من تحديات معقّدة تمسّ مكوّناتها المجتمعية، وعلى رأسها الأقليات المسيحية. ورغم أنّ الفاتيكان لم يقدّم تفسيرًا تفصيليًا علنيًا، إلا أن مؤشرات عدة يمكن من خلالها فهم خلفيات القرار، وقراءة ما إذا كان الامتناع عن الزيارة يخدم فعليًا استقرار الأقليات أم يتركها في فراغ رمزي لا تحتاج إليه.يأتي امتناع البابا في ظل مناخ إقليمي محتقن، وتوازنات سياسية دقيقة يحرص الكرسي الرسولي على عدم الإخلال بها، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بأنظمة تخضع لانتقادات دولية واسعة بشأن وضع حقوق الإنسان والحريات. فزيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية لأي دولة تعدّ بحد ذاتها اعترافًا سياسيًا ورسالة دعم معنوي، وهو ما قد يُفهم – في حالة سوريا – على أنه نوع من تثبيت الوضع القائم أو إضفاء شرعية دولية عليه، الأمر الذي يتحفظ عليه الفاتيكان تاريخيًا حين تكون الأوضاع السياسية والإنسانية غير مستقرة أو تحمل شبهات انتهاكات واسعة.من جهة أخرى، يقدّم دبلوماسيون كاثوليك تفسيرًا بديلاً مفاده أن الفاتيكان يحاول تجنّب أن تتحول الزيارة إلى أداة توظيف داخلي أو إقليمي. فالحضور البابوي في بلد يعاني انقسامًا سياسيًا ومجتمعيًا قد يُستغل لتوجيه رسائل لا تتوافق مع رؤى الكرسي الرسولي ولا مع دوره كوسيط إنساني وروحي فوق الصراعات. وعلى هذا الأساس، يفضّل الفاتيكان في أحيان كثيرة الاكتفاء باتصالات غير علنية أو إرسال ممثلين دبلوماسيين دون الظهور المباشر للبابا.
لكنّ الجدل الحقيقي يتمحور حول سؤال: هل كان الأفضل للبابا زيارة سوريا دعمًا للأقليات بدلًا من مقاطعة “الجولاني”؟
يذهب مؤيدو الزيارة إلى أن وجود البابا على الأرض يحمل قيمة رمزية كبيرة، خصوصًا للمجتمعات المسيحية التي واجهت موجات مذابح وتهجير وتهديد  وآخرها تفجير كنيسة مار الياس فزيارة بهذا المستوى تعيد تسليط الضوء الدولي على معاناة الأقليات، وتدفع الأطراف الدولية لإعادة النظر في مسؤولياتها تجاه حماية التنوع الديني. كما أنها تمنح هذه الجماعات شعورًا بالأمان والاستمرار، وتبرز ارتباط الفاتيكان بها روحيًا ووجدانيًا.
في المقابل، يرى آخرون أن الزيارة قد تمنح انطباعًا مضادًا، إذ يمكن أن تُستخدم كدليل على استقرار الأوضاع، ما قد يقلّل الضغط الدولي الداعي لتحسين ظروف حقوق الإنسان. كما أن الفاتيكان يفضّل – وفق هذا الطرح – أن يحافظ على مسافة سياسية تجنّبه الدخول في شبكة التعقيدات السورية، وأن يواصل دعم الأقليات عبر القنوات الإنسانية والإغاثية والكنسية بعيدًا عن الرمزية السياسية الثقيلة لزيارة بابوية.وبين الطرحين، يبدو أن الفاتيكان حاول تحقيق معادلة دقيقة: الامتناع عن الزيارة تجنبًا لتفسيرات سياسية غير مرغوبة، مع الاستمرار في دعم الأقليات عبر برامج الإغاثة، وترميم الكنائس، وتمويل مبادرات العودة والاستقرار. غير أن النقاش يظل مفتوحًا: هل تكفي هذه الأدوات أمام الحاجة الرمزية الكبرى التي تمثلها زيارة البابا؟ أم أن الموقف الحالي يعكس نظرة أكثر براجماتية تجاه علاقة الكنيسة بالشرق الأوسط؟ أسئلة تبقى مطروحة طالما ظل الحضور البابوي الغائب حاضرًا بقوة في الوعي العام.

شارك