هجمات ودعم تنظيمات إرهابية.. واشنطن تعيد فتح ملف اللاجئين الأفغان

الخميس 04/ديسمبر/2025 - 05:37 م
طباعة محمد شعت
 

 

تشهد الولايات المتحدة الأميركية في الأسابيع الأخيرة حالة من الجدل السياسي والأمني، بعد إعلان وزارة الأمن الداخلي اعتقال عدد من المواطنين الأفغان في حوادث منفصلة، شملت اتهامات بدعم تنظيمات متطرفة وأعمال عنف ضد أفراد من الحرس الوطني. وقد أعاد ذلك فتح نقاش واسع حول وضع اللاجئين الأفغان الذين دخلوا الأراضي الأميركية عقب الانسحاب من أفغانستان عام 2021، وكيفية تطبيق إجراءات الفحص الأمني عليهم، إضافة إلى تقييم برامج إعادة التوطين التي أطلقتها الإدارة الأميركية لاستيعاب عشرات الآلاف منهم.

 

وفي أحدث هذه القضايا، أكدت وزارة الأمن الداخلي اعتقال مواطن أفغاني يدعى "جان شاه صافي" في مدينة واينسبورو بولاية فرجينيا، بتهمة دعم "فرع خراسان لتنظيم داعش". وجاء الاعتقال على يد ضباط إدارة الهجرة والجمارك، في خطوة قالت السلطات إنها ثمرة عملية تحقيق طويلة امتدت لأسابيع. وبحسب البيان الأميركي، فإن صافي متهم كذلك بتزويد والده — وهو قائد ميليشيا محلية في أفغانستان — بأسلحة على مدى فترة من الزمن، وهو ما عزز الاتهامات ضده بارتباطه بأنشطة مسلحة خارج الولايات المتحدة.

 

وقد وصفت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية، كريستي نويم، المتهم بأنه "إرهابي"، معتبرة أن إحضاره إلى أميركا تم في إطار "برنامج الترحيب بالحلفاء" الذي أُنشئ لاحتواء من تعاونوا مع القوات الأميركية خلال وجودها في أفغانستان. ووجهت نويم انتقادات حادة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، قائلة إن "الإدارة سمحت لنحو 190 ألف أفغاني بدخول البلاد دون تدقيق كافٍ"، معتبرة أن ما يحدث اليوم هو إحدى نتائج تلك "الثغرات الأمنية"، على حد تعبيرها.

 

ولم يكن صافي الحالة الوحيدة خلال الأيام الماضية. فقد ألقت السلطات القبض على "رحمان الله لكنوال" قبل أيام، بعد مهاجمته اثنين من أفراد الحرس الوطني الأميركي في واشنطن في حادثة أثارت ردود فعل واسعة داخل الأوساط الأمنية والسياسية. وعلى إثر هذا الهجوم، تحركت الأجهزة الأمنية بإجراءات مشددة في محيط العاصمة، وجرى فتح تحقيق لتحديد ما إذا كان الحادث فردياً أم مرتبطاً بجهات خارجية.

 

كما اعتُقل قبله المواطن الأفغاني "محمد داود ألوكوزاي" بتهمة "توجيه تهديدات إرهابية"، في واقعة اعتبرتها السلطات مؤشراً إضافياً على ضرورة إعادة تقييم آليات تدقيق الخلفيات الأمنية للاجئين القادمين من مناطق نزاع. ومع تتابع هذه الاعتقالات، ارتفعت حدة الجدل في الكونغرس بين الجمهوريين والديمقراطيين حول برامج استقبال اللاجئين، وحول قدرة الأجهزة على فحص عشرات الآلاف من الطلبات في مدة قصيرة عقب الانسحاب من كابول.

 

وفي تطور لافت، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق استقبال المهاجرين من أفغانستان و19 دولة أخرى، كما أمر بمراجعة شاملة لملفات اللاجئين الأفغان الموجودين حالياً في الولايات المتحدة، وهو قرار يعكس التحول في التعاطي مع ملف الهجرة في ضوء الاعتبارات الأمنية المستجدة. ورغم أن القرار أثار انتقادات عدة من قبل منظمات حقوقية، إلا أن إدارة ترامب دافعت عنه بوصفه "إجراءً وقائياً" إلى حين انتهاء التحقيقات.

 

موجة النزوح إلى أمريكا

 

يشكل اللاجئون الأفغان واحدة من أكبر موجات اللجوء التي شهدتها الولايات المتحدة خلال العقد الأخير. فبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أغسطس 2021، تم إجلاء ما يقارب 80 ألف أفغاني خلال الأسابيع الأولى، أغلبهم من الذين عملوا مع القوات الأميركية أو المؤسسات المرتبطة بها. وفيما بعد، وصل عشرات الآلاف ضمن برامج إعادة التوطين، ليقترب العدد الإجمالي — بحسب تصريحات رسمية أميركية — من نحو 190 ألفاً.

 

ولأن عملية الإجلاء تمت على نحو متسارع وتحت ضغط الظروف الأمنية المعقدة في كابول آنذاك، واجهت واشنطن انتقادات بسبب ما اعتبره البعض "قصوراً" في الفحص الأمني لمن تم نقلهم. إذ جرى تمرير أعداد كبيرة عبر نقاط فحص مؤقتة في قواعد أميركية خارجية، قبل أن يُنقلوا إلى الأراضي الأميركية لإتمام إجراءات التوطين.

 

ومنذ ذلك الحين، ظلت برامج الدعم والإيواء للأفغان محور نقاش داخل المؤسسات الأميركية. فمعظم الوافدين كانوا بحاجة إلى سكن ومساعدة مالية ولوجستية، بالإضافة إلى دعم قانوني لتعديل أوضاعهم، حيث لم يحصل الكثير منهم على صفة لاجئ رسمية فور وصولهم، بل دخلوا ضمن فئة "البارولينج" (القبول الإنساني المؤقت)، وهو وضع يحتاج لاحقاً إلى مراجعة وإعادة تقييم إذا أراد صاحبه الحصول على إقامة دائمة أو جنسية.

 

ويؤكد مسؤولون أميركيون أن الغالبية الساحقة من اللاجئين الأفغان اندمجوا بصورة إيجابية داخل المجتمعات الأميركية، والتحق العديد منهم بسوق العمل في مجالات متعددة، من الخدمات الصحية إلى النقل والبناء والقطاع التقني. كما أن جزءاً آخر التحق بالدراسة، بينما أعيد توطين آلاف منهم عبر منظمات إغاثية ودينية قامت بدور واضح في دعم انتقالهم إلى حياة مستقرة.

 

لكن من ناحية أخرى، واجهت شريحة من اللاجئين صعوبات في التكيف، نتيجة اختلاف اللغة والثقافة، إضافة إلى ضغوط نفسية ناجمة عن تجربة الحرب والتهجير. وقد دفعت هذه التحديات عدداً من المراكز المجتمعية والبلديات إلى إطلاق برامج اندماج خاصة، من دورات لغة إلى مبادرات لخلق فرص عمل.

 

ورغم هذه الجهود، لا تزال أصوات داخل بعض التيارات السياسية ترى أن عملية استقبال هذه الأعداد الكبيرة لم تخضع لتقييم أمني كافٍ، وهو ما عاد للواجهة بقوة بعد سلسلة الاعتقالات الأخيرة.

 

كيف تدير الولايات المتحدة ملف الأفغان؟

 

تشكل الحوادث التي قادت إلى اعتقال ثلاثة مواطنين أفغان خلال أسبوعين نقطة ارتكاز للنقاش الدائر حالياً حول إدارة ملف اللاجئين. فالسلطات الأميركية تؤكد أن هذه الحالات "معزولة ولا تمثل المجتمع الأفغاني"، لكن المعارضة الجمهورية ترى فيها دليلاً على "قصور خطير" في سياسات الفحص الأمني.

 

ورغم التوتر السياسي، تواصل أجهزة الأمن الأميركية تطبيق مستويات متعددة من الرقابة، تشمل مراجعة بيانات السفر، وفحص العلاقات الخارجية، والتحقيق في أي مؤشرات قد تشير إلى تطرف أو ميل للعنف. وقد كشفت تقارير رسمية سابقة أن عدداً من الأفغان الذين دخلوا البلاد خضعوا لمراجعة أمنية إضافية بعد وصولهم، وأن بعضهم مُنع لاحقاً من الحصول على إقامة دائمة.

 

وفي المقابل، تشير جهات داعمة للاجئين إلى أن التركيز على الحالات الفردية يجب ألا يطغى على حقيقة أن أغلب الأفغان الذين جرى إجلاؤهم كانوا جزءاً من برامج تعاون وثيقة مع الجيش الأميركي، وأنهم دفعوا ثمناً كبيراً بسبب ارتباطهم بالوجود الأميركي في بلادهم. وتدعو هذه الجهات إلى عدم "وصم مجتمع كامل" بسبب حالات فردية قيد التحقيق.

 

كذلك تؤكد منظمات حقوقية أن تعليق استقبال المهاجرين من أفغانستان يعرّض حياة آلاف ممن لا يزالون مهددين داخل البلاد للخطر، خصوصاً النساء المدافعات عن حقوق الإنسان، والصحفيين، والموظفين السابقين لدى الأميركيين. وتطالب إدارة البيت الأبيض بالنظر في مخاطر الإغلاق الكامل لهذه القنوات الإنسانية.

 

أما على المستوى المجتمعي، فإن الجاليات الأفغانية في عدة ولايات أبدت قلقها من أن تؤدي هذه الاعتقالات إلى موجة من التصورات السلبية أو التمييز. وقد دعت شخصيات مجتمعية إلى التفريق بين "من يبحث عن الاستقرار ويعمل بجد لبناء حياة جديدة"، وبين "من يستغل الثغرات الأمنية لتنفيذ أجندات خطيرة".

 

ورغم اختلاف وجهات النظر، يبدو أن الولايات المتحدة تتجه نحو مرحلة جديدة في التعامل مع ملف الأفغان، قوامها مزيج من التشديد الأمني وإعادة تقييم البرامج القائمة، دون إغلاق الباب أمام من يملكون أسباباً إنسانية أو أمنية حقيقية تدفعهم لطلب اللجوء.

شارك