باكستان.. تصفية خلية مسلحة في وزيرستان وسط موجة عنف متصاعدة

الخميس 04/ديسمبر/2025 - 06:01 م
طباعة محمد شعت
 

 تشهد باكستان تصعيداً أمنياً لافتاً في الأسابيع الأخيرة، في ظل استمرار الهجمات الإرهابية التي تستهدف قوات الأمن والمدنيين في مناطق مختلفة، ولا سيما في إقليم خيبر بختونخوا وبلوشستان. وفي هذا السياق، أعلنت الذراع الإعلامية للجيش الباكستاني أن قوات الأمن نفذت عمليتين منفصلتين في منطقة وزيرستان الشمالية، أسفرتا عن مقتل سبعة عناصر قالت السلطات إنهم منخرطون في نشاطات إرهابية منظمة تستهدف أمن البلاد واستقرارها.

 وجاء الإعلان عن العمليتين في بيان رسمي أوضحت فيه إدارة العلاقات العامة للجيش أن العملية الأولى نُفذت في منطقة مير علي، بناءً على معلومات استخباراتية وصفتها بـ"الدقيقة". وأفاد البيان بأن القوات اشتبكت مع مجموعة تنتمي إلى ما سماه الجيش "جماعة فتنة الخوارج التابعة للهند"، في إشارة إلى عناصر تتهمها المؤسسة العسكرية بالارتباط بجهات خارجية والعمل على زعزعة الأمن الداخلي بالتنسيق مع أطراف إقليمية معادية. وأكد البيان أن الاشتباك انتهى بمقتل ستة من المسلحين بعد تبادل كثيف لإطلاق النار.

 

وفي عملية ثانية جرت في منطقة سبينوام، تمكنت القوات من قتل مسلح آخر قالت إنه كان جزءاً من الشبكة المسلحة نفسها، أو على صلة مباشرة بخلايا تنشط في المنطقة. وبحسب الجيش، فإن العناصر السبعة الذين تمت تصفيتهم كانوا "متورطين بشكل نشط في هجمات على قوات الأمن ووكالات إنفاذ القانون، إضافة إلى عمليات قتل مستهدفة ضد مدنيين أبرياء".

 

كما أعلنت القوات العثور على أسلحة وذخائر بحوزة المسلحين، تم ضبطها خلال عمليات التمشيط المرافقة للاشتباكات. ووصفت السلطات العملية بأنها جزء من حملة تطهير واسعة تهدف إلى القضاء على ما تبقى من "الخوارج برعاية هندية"، على حد تعبير البيان.

 موجة إرهاب متصاعدة

 

لا يمكن فصل هذه العمليات الأمنية عن السياق الأوسع للأحداث التي تشهدها باكستان منذ عام 2021، وتحديداً منذ سيطرة نظام طالبان الأفغاني على الحكم في كابول. فمنذ ذلك الحين، ارتفعت وتيرة الهجمات الإرهابية داخل الأراضي الباكستانية بشكل كبير، وسط اتهامات رسمية توجهها إسلام آباد إلى مجموعات مسلحة تتحرك من داخل الأراضي الأفغانية أو تستغل الحدود الوعرة بين البلدين لتنفيذ عملياتها.

 

وفي ولاية خيبر بختونخوا وحدها، تشير تقارير الشرطة إلى تسجيل أكثر من 600 حادث إرهابي خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، وهي حصيلة تكشف حجم التحدي الذي تواجهه أجهزة الأمن، والتي فقدت خلال الفترة نفسها ما لا يقل عن 79 من عناصرها، إضافة إلى مقتل 138 مدنياً آخرين. وتوزعت هذه الهجمات بين تفجيرات بعبوات ناسفة، وكمائن مسلحة، واغتيالات مباشرة، وغالباً ما تستهدفهم جماعات متشددة تعمل في مناطق وعرة أو تستفيد من الطبيعة الجغرافية المعقدة للإقليم.

 

تحذر الجهات الأمنية في خيبر بختونخوا من أن طبيعة النشاط الإرهابي في المنطقة باتت أكثر تنظيماً مقارنة بالسنوات السابقة، وأن خلايا جديدة قد بدأت في الظهور، بعضها مرتبط بحركة طالبان باكستان، وبعضها الآخر يعمل بشكل مستقل، ويتلقى - بحسب الرواية الرسمية - دعماً لوجستياً وتمويلياً من جهات خارجية. وبالرغم من تضارب الاتهامات، إلا أن المؤكد أن التهديدات الأمنية لم تتراجع، وأن الخطر يزداد في المناطق الحدودية على وجه الخصوص.

 

وتشير تقديرات أمنية إلى أن الجماعات المتشددة تستغل الفراغ الأمني في بعض المناطق القريبة من الحدود الأفغانية لإعادة ترتيب صفوفها، وأن عملياتها غالباً ما تجري بطريقة منظمة، مع استخدام أساليب متكررة مثل زرع المتفجرات على الطرقات، وشن هجمات على نقاط التفتيش، واستهداف قوافل أمنية.

 

وفي هذا السياق، جاءت عمليات مير علي وسبينوام كجزء من استراتيجية أمنية تقول المؤسسة العسكرية إنها تعتمد على "العمل الاستباقي" لضرب الخلايا المتشددة قبل أن تتمكن من تنفيذ هجمات كبيرة. وتعرف هذه الحملة ضمن رؤية عسكرية تحمل عنوان "عزم الاستكبار"، وهي استراتيجية تركز على العمليات الاستخباراتية والملاحقة الميدانية المستمرة.

 

التوتر مع أفغانستان

 

على الجانب الآخر من المشهد، تتصاعد التوترات بين باكستان وأفغانستان بشكل واضح، نتيجة ما تصفه إسلام آباد بأنه "تقصير" من جانب حكومة طالبان الأفغانية في منع الجماعات المسلحة من استخدام الأراضي الأفغانية كمنصة لانطلاق هجمات ضد باكستان. ورغم الاتصالات المتكررة بين مسؤولي البلدين، لم يطرأ بحسب المراقبين تغير كبير على مستوى التنسيق الأمني.

 

ففي الأشهر الأخيرة، سجل الجيش الباكستاني عدة هجمات قال إنها جاءت من الجانب الأفغاني، استهدفت نقاطاً حدودية ومواقع عسكرية. ورداً على ذلك، نفذت القوات الباكستانية ضربات استهدفت مواقع قالت إنها تابعة لعناصر إرهابية متورطة في تلك الهجمات، مؤكدة أنها ترد بما يتناسب مع حجم الاعتداءات.

 

هذا التصعيد الحدودي أدى إلى توتر سياسي واضح بين البلدين، ترافق مع تبادل تصريحات حادة بين المسؤولين، خصوصاً بعد إصرار باكستان على أن الجماعات التي تستهدفها، بما في ذلك المجموعات التي نفذت عمليات داخل خيبر بختونخوا، تنشط ضمن مناطق تتحرك فيها طالبان الأفغانية دون فرض رقابة كافية. كما شددت إسلام آباد على ضرورة أن تقوم السلطات في كابول بـ"منع استخدام أراضيها" لشن هجمات ضد باكستان، معتبرة أن استمرار هذا الوضع يهدد الأمن الإقليمي برمته.

 

وتدرك الحكومة الباكستانية أن معالجة التحديات الأمنية القائمة لا يمكن أن تكتمل دون تعاون فعلي مع الجانب الأفغاني، إلا أن هذا التعاون يبدو حتى الآن دون المستوى المأمول، ما يدفع باكستان للاعتماد على جهودها الذاتية في ملاحقة الجماعات المسلحة داخل حدودها.

 

عمليات تطهير واسعة

 

في ظل هذا الواقع، تؤكد قوات الأمن أنها مستمرة في تنفيذ عمليات تطهير واسعة في مناطق مختلفة من وزيرستان وباقي أرجاء خيبر بختونخوا. وتشمل هذه العمليات مداهمات ميدانية، وتمشيط مناطق جبلية، وتعزيز انتشار القوات في النقاط الحساسة، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق بين الوحدات العسكرية ووكالات إنفاذ القانون.

 

وتصف المؤسسة العسكرية عملياتها بأنها "لا تتوقف"، وأنها تهدف إلى "القضاء الكامل على الإرهاب المدعوم من الخارج". وتستخدم القوات مزيجاً من الأدوات العسكرية والاستخباراتية، مثل الطائرات المسيرة، ووحدات التدخل السريع، والكمائن المتحركة، إضافة إلى متابعة تحركات المشتبه بهم عبر شبكات معلوماتية.

 

ويؤكد مسؤولون أمنيون أن الحملة الحالية تُعد من أكبر الحملات التي تشنها الدولة منذ سنوات، وأنه رغم تحقيق نتائج مهمة، إلا أن التهديد لا يزال قائماً، ويحتاج إلى جهود طويلة الأمد لمنع الجماعات المسلحة من إعادة تشكيل صفوفها.

 

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن نجاح هذه الحملات ليس مرهوناً بالجانب الأمني فقط، بل يتطلب أيضاً مبادرات اجتماعية واقتصادية تعالج جذور التطرف في المناطق القبلية، حيث أدى غياب التنمية والخدمات الأساسية إلى ترك فراغ استغلته بعض الجماعات المتشددة لسنوات.

مستقبل المواجهة الأمنية

 

تشير توقعات خبراء الأمن الإقليمي إلى أن العام 2025 قد يشهد استمرار العمليات الإرهابية ما لم يتم تعزيز التعاون المشترك بين باكستان وأفغانستان، ومعالجة الأسباب العميقة لانتشار الجماعات المسلحة في المناطق الحدودية. ويرى محللون أن مواجهة الإرهاب في باكستان ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي معركة متعددة الأبعاد تشمل مواجهة فكرية، وتنمية اقتصادية، وإصلاحات إدارية في المناطق التي ظلت مهمشة لسنوات.

 

وفي ظل التوتر المستمر مع أفغانستان، وتزايد العمليات الإرهابية، وارتفاع عدد الضحايا بين المدنيين وعناصر الأمن، يبدو أن باكستان مقبلة على مرحلة أمنية أكثر حساسية، تتطلب استعداداً أكبر، واستراتيجية طويلة المدى تدمج بين العمل الأمني والسياسي والاجتماعي. وبينما يستمر الجيش في عملياته على الأرض، يبقى مستقبل الاستقرار مرهوناً بمعالجة التوترات الإقليمية وتكامل الجهود الداخلية.

 

شارك