خطأ أم اختبار سياسي؟.. بغداد تتراجع عن إدراج "حزب الله" و"الحوثيين" على قوائم الإرهاب

الجمعة 05/ديسمبر/2025 - 01:24 م
طباعة خطأ أم اختبار سياسي؟.. فاطمة عبدالغني
 
أثار نشر العراق لقائمة تضم جماعات مصنفة "إرهابية" تشمل "حزب الله" اللبناني و"الحوثيين" في اليمن، موجة صدمة سياسية وإعلامية واسعة، قبل أن تتراجع الحكومة مؤكدة أن ما نُشر كان "خطأ غير منقّح" سيتم تصحيحه. 
الإعلان المفاجئ، الذي صدر عبر جريدة "الوقائع" الرسمية، بدا في لحظاته الأولى خطوة استثنائية توحي بتغيير جذري في سياسة بغداد تجاه مجموعات مرتبطة بإيران، وفتح باباً للتأويلات حول ضغوط خارجية، وخصوصاً الأمريكية، في توقيت سياسي حساس داخل العراق.
القائمة التي نشرتها الجريدة الرسمية تضمنت أكثر من مئة كيان وشخص على ارتباط بالإرهاب، وكان من شأن إدراج "حزب الله" و"الحوثيين" أن يُرضي واشنطن ويزيد الضغط على طهران، حسب مراقبين، لكن سرعان ما ظهرت مؤشرات ارتباك داخل مؤسسات الدولة، حيث نفى البنك المركزي وجود موافقة رسمية على إدراج الجماعتين، فيما أكدت لجنة تجميد الأموال أن القائمة الأصلية اقتصرت على كيانات مرتبطة بـ"داعش" و"القاعدة" امتثالاً لطلب ماليزي وقرارات دولية، وأن إدراج جماعات أخرى وقع قبل اكتمال المراجعة.
هذا فيما كانت ردود الفعل الغاضبة داخل القوى الموالية لإيران مباشرة وحادة، إذ وصف قادة في قوى "الإطار التنسيقي" الموالية لإيران قرار الحكومة بـ"الخيانة"، وهاجم رئيس حركة "حقوق" الحكومة واصفاً إياها بأنها "مرتعشة وتابعة ولا تملك الكرامة"، بينما قال رئيس المجلس السياسي لحركة "النجباء" إن الحكومة "لا تمثل الشعب العراقي". 
في ظل الجدل، وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المقصرين، مشدداً على أن مواقف العراق السياسية والإنسانية تجاه ما يجري في لبنان وفلسطين "مبدئية وغير خاضعة للمزايدات"، وأضافت الحكومة أن إرادة الشعب العراقي تقف مع "حق الشعوب في التحرر والعيش الكريم".
 وأشارت وكالة الأنباء الرسمية إلى أن بغداد ستصحح القائمة بعد إدراج الجماعتين المدعومتين من إيران، فيما شددت لجنة الأموال على أن تصحيح النسخة المنشورة سيتم برفع تلك الكيانات من القائمة.
التطورات جاءت بعد يوم واحد فقط من دعوة مايكل ريغاس، مساعد وزير الخارجية الأمريكي، "الشركاء العراقيين" إلى "تقويض الميليشيات الإيرانية ومنعها من تهديد العراقيين والأمريكيين"، ما جعل التوقيت أكثر إثارة للجدل، خاصة أن بغداد تمر بمرحلة مفاوضات صعبة لاختيار مرشح توافقي لرئاسة الحكومة الجديدة، بينما يسعى السوداني لولاية ثانية وسط تصاعد الضغوط السياسية. 
كما تزامن الجدل مع تحقيق آخر أعلنته الحكومة بشأن اعتداء بطائرات مسيرة على حقل "كورمور" في السليمانية، توصلت فيه السلطات إلى أن منفذي الهجوم "من العناصر الخارجين عن القانون"، مؤكدة أنهم لن يفلتوا من المحاسبة، وأن الحقل سيُزوّد بمنظومات دفاع جوي بعد تعرضه لهجمات عديدة.
الإشكال القانوني أضاف بعداً آخر إلى الأزمة، إذ أن نشر أي قرار في "الوقائع العراقية" يعد إعلاناً رسمياً سارياً ولا يمكن تغييره إلا بإصدار تعديل أو قانون جديد. 
غير أن خبراء قانونيين قالوا إن التراجع ممكن من الناحية القانونية عبر إصدار بيان رسمي من الجهة التي أصدرت القرار، وهو ما أكده البنك المركزي العراقي حين أعلن أن ورود الاسمين كان "سهواً"، ودعا إلى حذف الفقرتين المتعلقتين بهما في عدد الجريدة.
ورغم التوضيحات، بقيت تداعيات الإعلان حاضرة في الساحة العراقية، إذ اعتبر مؤيدو إيران أن الخطوة كانت تمهيداً لاستجابة لضغط خارجي، فيما رأى آخرون أن ما حدث يعكس إرباكاً مؤسساتياً في التعامل مع ملفات حساسة ترتبط بالأمن والاقتصاد والسياسة. 
وبين النشر ثم الحذف، تصاعدت الاتهامات والسجالات، فيما بذلت الحكومة جهوداً لتأكيد أن موقفها الثابت من الصراع في لبنان وفلسطين لا يتغير، وأن القرار نُشر دون مراجعة نهائية.
ويظهر من مجمل التطورات أن العراق حاول خلال ساعات قليلة احتواء أزمة سياسية كان يمكن أن تتوسع داخلياً وخارجياً، خصوصاً في ظل تصاعد التجاذب بين قوى مرتبطة بإيران وبين ضغوط أمريكية متزايدة، وفي لحظة انتقال سياسي غير مستقرة. 
وبينما شددت الحكومة على أن إدراج "حزب الله" و"الحوثيين" لم يكن مقصوداً، وأنه سيتم حذفه في نسخة مصححة من "الوقائع"، بقيت تساؤلات حاضرة حول طبيعة الخطأ وسرعة التراجع عنه، وانعكاساته على المشهد العراقي المعقّد.
وفي رأي المراقبين، فإن ما جرى لم يكن مجرد خطأ تقني في نشر قائمة رسمية، بل عكس هشاشة التوازنات السياسية في بغداد، وتحولها إلى ساحة ضغط متبادل بين واشنطن وطهران. 
وبرأيهم، فإن إدراج الجماعتين، ولو لساعات، ثم التراجع عنه تحت وابل من الغضب والاتهامات، يدل على أن الحكومة العراقية تسير فوق خطوط تماس دقيقة، وأن أي خطوة غير محسوبة قد تتحول إلى أزمة كبرى. 
ويؤكد هؤلاء أن السوداني لا يزال يحاول تثبيت موقعه بين أطراف متنافسة في الداخل والخارج، وأن الواقعة كشفت حجم الحساسيات المحيطة بملف الميليشيات، كما أنها أظهرت كيف يمكن لقرار إداري واحد أن يتحول إلى اختبار سياسي لشرعية الحكومة واتجاهها.

شارك