قرار ترامب ضد الإخوان.. انعكاسات أمريكية على الديناميات الأوروبية للإسلام السياسي

الجمعة 05/ديسمبر/2025 - 01:47 م
طباعة ترامب ترامب محمود البتاكوشي
 
أثار إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية جدلاً واسعًا حول انعكاسات هذا القرار على أنشطة الجماعة في أوروبا. 
يمثل هذا القرار نقطة تحوّل في تعامل الولايات المتحدة مع حركات الإسلام السياسي، ويعكس رؤية سياسية أكثر منها أمنية، لكنه في الوقت ذاته دفع دول الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم علاقتها مع الجماعة، خاصة في ظل النقاشات الأوروبية المتصاعدة منذ 2016 حول مخاطر الإسلام السياسي على الأمن القومي والتماسك الاجتماعي.
الإخوان في الولايات المتحدة وأوروبا: العلاقة التنظيمية والمرجعية الفكرية
 تشير الدراسات الأوروبية والأمريكية إلى أن الجماعة لا تعمل وفق قيادة مركزية أو تنظيم هرمي عالمي، بل تعتمد على شبكة مرنة من العلاقات الفكرية والتنظيمية. 
ففي مراجعة وزارة الخارجية البريطانية عام 2015، لم يُثبت وجود قيادة دولية واحدة توجه الفروع الغربية، بل أشارت الدراسة إلى وجود شبكة فضفاضة من المنظمات المتقاربة فكريًا، تتبنى نفس الخطاب والأيديولوجيا العامة لكنها تعمل وفق بيئة كل دولة وتكيف خطابها بحسب السياق السياسي والقانوني.
وتعتمد هذه الشبكات على المرجعية الفكرية للإخوان مثل كتابات يوسف القرضاوي وسيد قطب، ونموذج “التمكين الاجتماعي” عبر الجمعيات والمراكز الإسلامية. كشفت وثائق استخباراتية فرنسية مثل تقرير جهاز الأمن الداخلي الفرنسي (DGSI) لعام 2018 أن الجماعة تستخدم نموذجًا شبكيًا عابرًا للحدود، يقوم على تبادل الخبرات وبرامج التدريب وتنسيق الأنشطة التعليمية والدعوية، دون قيادة دولية صلبة أو بنية تنفيذية مركزية.
تؤكد تقديرات البرلمان الأوروبي وتقارير الاستخبارات الألمانية (BfV) أن قوة الإخوان في الغرب تأتي من العمل المؤسسي المتنامي وقدرتهم على الاستفادة من الأنظمة الديمقراطية، وليس من هيكل هرمي موحد.
الواجهات القانونية والمنظمات المستقلة
 تعتمد الجماعة في أوروبا والولايات المتحدة على نموذج “الواجهات القانونية”، الذي يوزع الأدوار بين العمل الخيري والثقافي والدعوي والسياسي. هذه الواجهات تعمل بشكل مستقل ظاهريًا، لكنها تتشارك في المرجعية الفكرية ومنهج التكوين وشبكات العلاقات العابرة للحدود:
المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: يمثل المرجعية الفقهية لشبكات الإسلام السياسي في أوروبا، ويوحّد الخطاب الديني ويقدم غطاء شرعي للنشاط المدني والاجتماعي للإخوان.


اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE): يعتبر الإطار التنسيقي الأكبر للجماعة في أوروبا، ويوفر منصات تدريب وتوجيه للعناصر الشابة ويساهم في توحيد الخطاب الدعوي.


رابطة مسلمي بريطانيا (MAB): واجهة تاريخية مرتبطة بالإخوان، تشاركهم المرجعية الفكرية، رغم اعتمادها شكلًا قانونيًا مستقلاً.


في الولايات المتحدة، رغم غياب الاعتراف الرسمي بأي صلة تنظيمية، فإن بعض الكيانات تشترك مع الجماعة في المرجعية والخطاب: مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA)، التي تعمل قانونيًا مستقلة لكنها جزء من البيئة المؤسسية التي يتغذى عليها خطاب الإخوان.
النموذج الشبكي مقابل الهيكل الهرمي
 تؤكد تقارير الاستخبارات الأوروبية أن الإخوان يعتمدون على نموذج شبكي قائم على التنسيق وليس القيادة المركزية، ما يجعل الروابط بين أوروبا والولايات المتحدة تفاعلات ثقافية واستراتيجية أكثر منها ارتباطًا تنظيميًا مباشرًا.
انعكاسات القرار الأمريكي على أوروبا
زيادة التدقيق الأمني والاستخباري: أدى القرار الأمريكي إلى ضغوط إضافية على أجهزة الأمن الأوروبية لتعزيز مراقبة الروابط المالية والكيانات المؤسسية، بما يشمل مراجعة التمويل الرقمي والشراكات العابرة للحدود.


الإحراج السياسي للجماعة: أفرز القرار الأوروبي ردود فعل حزبية ووسائل إعلامية، وفتح نقاشًا حول دور الجماعات ذات المرجعية الإخوانية، مما دفع بعض الأحزاب الأوروبية إلى الحذر في علاقاتها مع الجمعيات الإسلامية.


تأثير على مصادر التمويل: أدى الضغط والمراجعات الأمنية إلى تراجع بعض قنوات التمويل غير الشفافة أو إعادة توجيهها، وزيادة متطلبات الإفصاح والحوكمة المالية للكيانات المرتبطة بالجماعة.


تأثير على العلاقات مع الأحزاب الأوروبية: أظهرت مراقبة الساحة السياسية أن أحزاب الوسط واليسار باتت أكثر حذرًا في علاقاتها العلنية مع منظمات محتملة الصلة بالإخوان، لتجنب الحملات الإعلامية والسياسية.


القيود القانونية والسياسية في أوروبا
 تواجه الحكومات الأوروبية تحديًا في حظر الجماعة، إذ تركز المعايير القانونية على إثبات المشاركة المباشرة في أعمال عنف أو التحريض، ما يميز بين الخطاب الأيديولوجي والنشاط العنيف. كما تُعتبر بعض الكيانات قناة شرعية للتواصل مع الجاليات المسلمة، وحظرها قد يخلق فراغًا لمزيد من التطرف أو تداعيات اجتماعية معقدة. لذلك، تتجه أوروبا نحو إجراءات أكثر منهجية، مثل تشديد الشفافية في التمويل، ومراجعة الشراكات التعليمية والدينية، وفرض ضوابط على دعم المساجد والمدارس من الخارج.
الاتجاهات المستقبلية في أوروبا
 تشير التقديرات إلى أن القارة ستتبنى نهجًا مزدوجًا يجمع بين الرقابة الأمنية والسياسات المجتمعية الوقائية. يشمل ذلك:
تعزيز الرقابة على التمويل الخارجي والمراكز التعليمية والدينية.


دعم البدائل الدينية المحلية غير المسيسة.


إطلاق برامج تدريب للأئمة بما يعكس قيم الانسجام والتعددية.


التركيز على ضبط النفوذ عبر التمويل والتعبئة بدل الاعتماد فقط على المكوّن الفكري.


قراءة تحليلية مستقبلية
القرار الأمريكي أعاد وضع الإخوان تحت المجهر الأوروبي، ورفع مستوى الرقابة على التمويل والأنشطة الدينية والسياسية.


التشابكات الفكرية والشبكات التنظيمية تجعل التأثير الأميركي غير مباشر ولكنه ملموس.


أوروبا تتجه نحو تشديد الرقابة التنظيمية والمالية دون حظر شامل، اعتمادًا على أدوات وقائية ومؤسساتية متوازنة.


يساهم القرار في خلق بيئة أوروبية أكثر حذرًا تجاه الإخوان وتعزيز النقاش حول مستقبل الإسلام السياسي ضمن المجتمعات الأوروبية.


شارك