"فتنة الهندستان".. باكستان تعلن ضبط شبكة إرهابية مرتبطة بالهند

الإثنين 08/ديسمبر/2025 - 06:38 م
طباعة محمد شعت
 

في تطور أمني كبير يكشف عن عمق التحديات التي تواجهها باكستان على جبهتي الأمن الداخلي والتوترات الإقليمية، أعلنت سلطات مكافحة الإرهاب في إقليم البنجاب عن اعتقال اثني عشر عنصراً إرهابياً مشتبهاً بهم. تم وصف هؤلاء بأنهم مرتبطون بشكل مباشر بوكالة الاستخبارات الهندية، جناح البحث والتحليل (راو - RAW).

 هذا التطور، الذي أتى في قلب المدن الباكستانية الكبرى، لا يمثل مجرد ضربة ناجحة لشبكات التطرف. بل إنه يؤكد على التزام إسلام أباد بتصعيد خطابها الرسمي. أصبح هذا الخطاب أكثر صراحة في اتهامه لنيودلهي بدعم العنف والتخريب على الأراضي الباكستانية. هذا التصعيد يرفع من سقف المواجهة الدبلوماسية والاستخباراتية بين الخصمين النوويين.

 كانت الضربة الأمنية، التي نفذتها إدارة مكافحة الإرهاب (CTD)، شاملة ومتزامنة. لقد طالت مدن لاهور وفيصل آباد وبهاوالبور، مؤكدة على الانتشار الجغرافي لهذه الخلايا وعمق اختراقها للأراضي الباكستانية. هذا التوسع الجغرافي يدل على إستراتيجية واسعة تهدف إلى إرباك السلطات الأمنية عبر استهداف عدة نقاط حيوية في وقت واحد.

 وكما أكد المتحدث باسم إدارة مكافحة المخدرات في البنجاب، فإن المعتقلين لم يكونوا مجرد عناصر هامشية أو منفردة. كانوا مسلحين بأدوات حرب شاملة، شملت كميات من الأسلحة والمتفجرات وأجهزة التفجير المعقدة. هذا الحجم من العتاد يؤكد على نية القيام بعمليات واسعة النطاق ذات أثر مدمر على المدن الباكستانية.

 الأهم من ذلك، أن المداهمات كشفت عن مخبأ رقمي خطير. ضم هذا المخبأ صوراً ومقاطع فيديو وتفاصيل دقيقة لمواقع ومنشآت حيوية وحساسة. شملت الأهداف مؤسسات دينية ومهرجانات محلية مزدحمة، مما يشير إلى أن أهدافهم امتدت من التخريب البنيوي إلى استهداف التجمعات المدنية الكبيرة لإحداث أكبر قدر ممكن من الفوضى والضحايا.

 هذا النوع من الاستهداف المتعمد للبنية التحتية والمجتمع المدني يضع العملية الأمنية في سياق مكافحة الإرهاب المدعوم من الخارج. يهدف هذا النوع من الإرهاب إلى زعزعة الاستقرار الداخلي عبر قنوات متعددة. الصراع الآن لم يعد محلياً بل أصبح استخباراتياً إقليمياً يتطلب يقظة أمنية عالية من كافة الأجهزة الباكستانية.

 

التحدي الأمني الداخلي

 

جاءت تفاصيل المعتقلين لترسم صورة معقدة للشبكات الإرهابية التي تعمل في الخفاء. تم تحديد المشتبه بهم المعتقلين في لاهور باسم سوخ ديب سينغ، وعزمت، وفازان، ونبيل، وأبرار، وعثمان، وسرفراز. وفيصل آباد، تم القبض على دانمركي، أما في بهاولبور، فكان المعتقلون هم رجب، وهاشم، وصاقب، وعارف.

 اللافت للنظر هو التسمية التي أطلقتها إدارة مكافحة الإرهاب على هذه المجموعة تحديداً، وهي "فتنة الهندستان". تحمل هذه التسمية دلالات سياسية وتاريخية واضحة ومقلقة. إنها تشير إلى أن نشاطهم لا يقتصر على العنف العشوائي بل يهدف إلى إشعال الفتنة الداخلية وتأجيج الصراعات المجتمعية والطائفية في عمق النسيج الباكستاني.

 وتشير التحقيقات الأولية إلى أن إحدى أبرز قنوات التجنيد والتنسيق كانت عبر منصات التواصل الاجتماعي. وتحديداً من خلال حساب على موقع "فيسبوك" يُدار من الهند بواسطة شخص يُدعى "عادل". يلقي هذا الكشف الضوء على تحول تكتيكي في عمليات التجنيد. يتم استغلال الفضاء الرقمي لربط العملاء المحتملين في الداخل الباكستاني بمشغليهم الخارجيين.

 ومما يزيد الأمر تعقيداً وتشابكاً، هو الإشارة إلى أن أحد المشتبه بهم، سوخ ديب سينغ، كانت له خلفية دينية مسيحية قبل اعتناقه ديانة أخرى منذ فترة. هذا التنوع في الخلفيات يمكن أن يُستغل لإثارة حساسيات دينية وطائفية، يخدم بالتالي أجندة "الفتنة" التي تسعى إليها هذه الجماعة، مما يوسع دائرة التخريب لتشمل الجانب المجتمعي.

 الأهم من كل هذه التفاصيل، هو التأكيد الرسمي من المتحدث باسم إدارة مكافحة الإرهاب بأن المشتبه بهم "تلقوا تمويلاً ضخماً من وكالة راو" بهدف تنظيم وتصعيد الأنشطة الإرهابية في باكستان. إن الإشارة إلى التمويل "الضخم" تؤكد على الاستثمار المالي الكبير الذي تُقدمه الوكالة الأجنبية في زعزعة الاستقرار الباكستاني.

 هذا يرفع بالصراع الأمني من مجرد مواجهة مع جماعات مسلحة محلية إلى مواجهة استخباراتية إقليمية محتدمة ومكلفة للدولة الباكستانية. وتم تسجيل قضايا ضدهم والتحقيق ما يزال جارياً، وهو ما يمهد الطريق لفتح ملف هذه الاتهامات أمام المحافل القانونية الباكستانية.

 هذا الكشف يضع الحكومة الباكستانية تحت ضغط لإثبات هذه المزاعم بالأدلة القاطعة أمام المجتمع الدولي. النجاح في ذلك سيغير نظرة العالم لملف الإرهاب في باكستان من كونه شأناً داخلياً إلى كونه نتيجة لتدخلات خارجية متصاعدة وممولة. الجهود الأمنية الباكستانية في البنجاب تهدف بوضوح إلى قطع هذه الأذرع الخارجية التي تغذي عدم الاستقرار.

 

 

التصعيد الجيوسياسي

 

لا يقتصر التوتر على عمليات الاعتقال الأخيرة فحسب، بل يتجاوزها إلى سياق أوسع من الاتهامات المباشرة بالتجسس والتخريب التي تتبادلها الدولتان النوويتان المتنافستان. ففي تأكيد على نمط متصاعد من التدخلات، جاءت هذه الاعتقالات لتتزامن مع قضية أخرى أُثيرت علناً الشهر الماضي.

 تلك القضية تتعلق بالصياد الباكستاني إعجاز ملاح، الذي تم تجنيده وإجباره على التجسس لصالح وكالات الاستخبارات الهندية. لقد كشفت السلطات الباكستانية، ممثلة في وزير الإعلام عطا تارار ووزير الدولة للشؤون الداخلية تالال شودري، عن تفاصيل دقيقة ومقلقة حول كيفية عمل أجهزة الاستخبارات الهندية.

 

وخلال مؤتمر صحفي عُقد في العاصمة الفيدرالية، أوضح وزير الإعلام عطا الله تارار أن ملاح اُحتجز في سبتمبر من هذا العام من قبل السلطات الهندية. بعد ذلك، تم نقله قسراً إلى مكان مجهول، حيث أُجبر على القيام بمهام تجسسية تحت التهديد والترغيب.

 وتكشف القصة عن استخدام أساليب الإكراه المالي والتهديد بالسجن. عُرضت على ملاح رشوة مالية سخية مقابل التعاون، وفي الوقت ذاته هُدِّد بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات إذا رفض الامتثال. هذا التكتيك يوضح الجمع بين الإغراء المادي والإجبار القانوني لإخضاع الضحايا.

 وبعد إخضاعه للتدريب والتكليف، أطلقت أجهزة الاستخبارات الهندية سراحه، وأُعيد إلى باكستان محملاً بمهام محددة. وتضمنت هذه التكليفات تعليمات واضحة لشراء زي عسكري باكستاني يخص الجيش والبحرية وقوات الرينجرز.

 بالإضافة إلى الزي العسكري، كُلّف ملاح بجمع بطاقات SIM محلية وفواتير الهاتف. هذه كلها أدوات ضرورية لعمليات التجسس والتسلل المعلوماتي، تهدف إلى اختراق الأمن القومي الباكستاني وجمع معلومات استخباراتية حساسة عن القطاعات العسكرية.

 إن الجمع بين قضية "فتنة الهندستان" التي تعمل على التخريب الداخلي باستخدام المتفجرات، وتفاصيل قضية "ملاح" التي تكشف عن التجسس العسكري والمدني، يرسم صورة مقلقة لإستراتيجية هندية متعددة الأوجه. هذه الإستراتيجية تستخدم القوة التخريبية والاستخباراتية لضرب باكستان من الداخل والخارج.

 وترى إسلام أباد أن هذا التصعيد هو جزء من نمط سلوكي مستمر من نيودلهي. يهدف هذا النمط إلى تشتيت الجهود الأمنية الباكستانية، وإبقاء البلاد في حالة من عدم الاستقرار الدائم على الرغم من الجهود المكثفة لمكافحة الإرهاب.

 هذه الاتهامات ليست جديدة، لكن تقديم الأدلة التفصيلية، من صور لمواقع حساسة إلى أسماء مشتبه بهم وعمليات تمويل، يضع باكستان في وضع يسمح لها بتصعيد خطابها السياسي والدفاعي تجاه دور الهند في إذكاء الإرهاب الإقليمي. وتعتبر إسلام أباد أن هذا الكشف يعكس مستوى خطيراً من التورط الاستخباري الأجنبي الذي يهدد استقرارها.

 وتؤكد هذه التطورات مجتمعة أن التحديات الأمنية الباكستانية لم تعد تقتصر على محاربة الخلايا الإرهابية المحلية فحسب. بل اتسعت لتشمل مواجهة شاملة مع ما تصفه بـ"حرب الظل" أو التدخل الاستخباري الخارجي المباشر. إن هذا المشهد يفرض على المنطقة بأسرها واقعاً جديداً من التوتر الجيوسياسي المتصاعد الذي قد يلقي بظلاله على الاستقرار الإقليمي ككل.

 ومن المرجح أن يؤدي هذا التصعيد إلى زيادة الضغط على الحدود المتنازع عليها، وخصوصاً في كشمير. كما سيؤثر على الأروقة الدبلوماسية الدولية، مع سعي إسلام أباد لحشد الدعم الدولي لإدانتها المباشرة للدور المنسوب لوكالة "راو" في دعم الإرهاب على أراضيها، مما يجعل التحديات الأمنية الداخلية مرتبطة بشكل لا ينفصم بالديناميكيات الإقليمية والدولية المعقدة والخطيرة.

 


شارك