اختراق أوفيرا يغير معادلة الشرق الكونغولي.. تقدم «إم 23» يهدد توازن القوى ويكشف هشاشة مسار السلام

الخميس 11/ديسمبر/2025 - 01:34 م
طباعة  اختراق أوفيرا يغير محمود البتاكوشي
 
دخلت الأزمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية مرحلة نوعية جديدة بعد تمكن متمردي حركة 23 مارس من كسر الخطوط الدفاعية الحكومية والوصول إلى بلدة أوفيرا، في تطور ميداني اعتبرته مصادر مطلعة نقطة تحوّل خطيرة في مسار الصراع.
تمثل أوفيرا، الواقعة على ضفاف بحيرة تنجانيقا، مركز الثقل الحكومي في إقليم ساوث كيفو وقاعدة عسكرية متقدمة اعتمدت عليها كينشاسا منذ سقوط بوكافو في فبراير الماضي. 
وسيطرة «إم 23» على هذه البلدة تفتح أمامها طريقًا استراتيجيًا يؤهلها للتوغل أعمق داخل الإقليم والاقتراب من مناطق أكثر حساسية، فضلًا عن اقترابها من الحدود مع بوروندي، وهو عامل قد يطلق سلسلة ارتدادات إقليمية واسعة.
وتشير التقديرات إلى أن سقوط أوفيرا سيضع الجيش الكونغولي في موقع دفاعي هش، خاصة مع صعوبة وصول الإمدادات عبر الطرق الجبلية الضيقة المطلة على البحيرة، بما يعقد أي محاولة لتثبيت الجبهات أو شن هجوم مضاد. 
ويأتي ذلك في وقت يتعرض فيه اتفاق السلام، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة مؤخرًا، لتآكل سريع وسط تبادل الاتهامات بين كينشاسا وكيغالي بانتهاكه.
ويكتسب التصعيد أهمية إضافية لأنه جاء بعد أقل من أسبوع على لقاء جمع الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي والرئيس الرواندي بول كاغامي في واشنطن بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو لقاء أعاد فيه الطرفان التعهد بالالتزام بمسار السلام، إلا أن التطورات اللاحقة كشفت محدودية أثر هذه التعهدات على الأرض، بل وعمقت الشكوك حول قدرة الوساطة الأمريكية على احتواء الصراع.
في هذا السياق، طالبت الحكومة الكونغولية واشنطن بتوسيع العقوبات على رواندا لـ«استعادة مصداقية» جهود الوساطة، بينما تواصل كيغالي نفي دعمها للحركة المتمردة، متهمة في المقابل قوات الكونغو وبوروندي بالمسؤولية عن تفجير الوضع الميداني.
على الجانب العسكري، تستمر «إم 23» في تعزيز مكاسبها منذ هجوم يناير الماضي الذي مكّنها من السيطرة على مساحات غير مسبوقة شملت غوما وبوكافو. 
ورغم مشاركة الحركة في محادثات السلام التي استضافتها الدوحة سابقًا، فإن المفاوضات لم تثمر أي تقدم ملموس، وبحسب رويترز، توسع نفوذ الحركة الأسبوع الجاري بعد سيطرتها على لوفونجي واحتدام المواجهات حول سانجي وكيليبا، على الطريق المؤدي مباشرة إلى أوفيرا.
قلق المجتمع الدولي تصاعد بدوره، إذ أعربت الولايات المتحدة وتسعة أعضاء من مجموعة الاتصال الدولية للبحيرات العظمى عن «قلق عميق» من تجدد العنف في ساوث كيفو، محذرين من أن اتساع نطاق القتال يهدد استقرار المنطقة بأكملها.
أما رواندا، فتتمسك بروايتها القائلة بأن وجود قواتها في شرق الكونغو «دفاعي»، فيما تؤكد واشنطن والأمم المتحدة امتلاكهما أدلة على دعمها للمتمردين. 
وترى كيغالي أن العقوبات لن توقف القتال، وتتهم كينشاسا بعدم تنفيذ بنود السلام، بما في ذلك وقف الغارات الجوية المتفق عليه.
كما حملت رواندا بوروندي مسؤولية دعم عمليات الجيش الكونغولي، مشيرة إلى حشد ما يقرب من 20 ألف جندي بوروندي داخل ساوث كيفو، في حين لم تصدر بوجمبورا أي تعليق رسمي حتى الآن.
التطورات الأخيرة توضح أن المشهد في الشرق الكونغولي يتحرك نحو مزيد من التعقيد، مع اقتراب الصراع من حدود دولية حساسة وتهاوي الاتفاقات السياسية بوتيرة أسرع من قدرة الوسطاء على ضبطها.
وفي ظل هذا السياق، يبدو أن السيطرة على أوفيرا ليست مجرد انتصار ميداني للمتمردين، بل مؤشر واضح على اهتزاز ميزان القوى وتراجع قدرة الدولة الكونغولية على حماية مراكز نفوذها في شرق البلاد.

شارك