حصيلة عقد من الانتهاكات الحوثية... نحو 161 ألف جريمة موثقة ضد المدنيين في اليمن

الجمعة 12/ديسمبر/2025 - 12:47 م
طباعة حصيلة عقد من الانتهاكات إعداد: فاطمة عبدالغني
 
تسلّط الأرقام الصادمة التي كشفت عنها الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، في تقريرها السنوي حول حالة حقوق الإنسان في اليمن، الضوء على حقيقة الواقع المأساوي الذي يعيشه المدنيون منذ سقوط العاصمة صنعاء بأيدي مليشيات الحوثي في 21 سبتمبر 2014. 
فالتقرير، الذي يغطي ما يقرب من أحد عشر عامًا وصولًا إلى النصف الأول من 2025، يقدم صورة دامغة لحجم الانتهاكات الواسعة والممنهجة التي ترتكبها المليشيات بحق اليمنيين من مختلف الفئات، بصورة تعكس استخفافًا غير مسبوق بالقانون الدولي الإنساني، وتكشف مسارًا منظمًا يرقى في كثير من جوانبه إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وبحسب التقرير التي حصلت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" على نسخة منه، فقد سجّل 160 ألفًا و955 واقعة انتهاك جسيم طالت المدنيين خلال هذه الفترة، كان أبرزها مقتل 21,946 مدنيًا عبر القصف العشوائي، والقنص، والألغام، وعمليات الاغتيال والتصفية، بينهم 3,897 طفلًا منهم 512 رضيعًا، و4,123 امرأة، إضافة إلى 189 شخصية اجتماعية وزعماء قبائل، في سياسة تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وإضعاف أي مقاومة مجتمعية لسلطة المليشيات. 
كما وثّق التقرير مقتل 3,769 مدنيًا جراء الألغام الأرضية التي زرعتها المليشيات بكثافة في المناطق السكنية والطرقات والقرى، وهو نمط انتهاك ما يزال يحصد الأرواح ويصيب المئات بإعاقات دائمة.
وفي جانب الإصابات، رصدت الشبكة 33,456 حالة إصابة بين المدنيين، بينهم 5,962 امرأة و2,983 طفلًا، نتيجة القصف والقنص والانفجارات، فيما أصيب 3,189 مدنيًا آخرون بسبب الألغام، منهم 654 طفلًا و392 امرأة، وهي أرقام تعكس توسع دائرة الخطر حتى في الأماكن التي من المفترض أن تكون آمنة. 
وبيّن التقرير أن أكثر من 812 مدنيًا، بينهم 411 طفلًا وامرأة، يعانون من إعاقات دائمة بعد تعرضهم لانفجارات الألغام في المدارس والمزارع والطرقات والمنازل، ما يوضح حجم الأثر طويل المدى لهذه الجرائم على المجتمع اليمني بأسره.
كما كشفت الشبكة عن أرقام مروعة تتعلق بالاعتقال والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب، حيث وثّقت 21,731 حالة اختطاف واعتقال تعسفي طالت سياسيين وصحفيين وأطباء وأكاديميين ونساء وأطفالًا ولاجئين أفارقة وحتى موظفين في الأمم المتحدة ومنظمات دولية. ومن بين هؤلاء، سجل التقرير 2,678 حالة إخفاء قسري ما تزال أسرهم تجهل مصيرهم، إضافة إلى 1,937 مختطفًا تعرضوا للتعذيب، و476 ضحية قضوا تحت التعذيب أو بعد الإفراج نتيجة الإهمال الطبي والتعنيف الجسدي المستمر. 
وتؤكد هذه الأرقام أن الاعتقال التعسفي والتعذيب جزء أصيل من منظومة القمع الحوثية وليس مجرد تجاوزات فردية.
أما على مستوى البنية التحتية للسجون، فأشار التقرير إلى أن المليشيات تدير نحو 778 سجنًا ومعتقلًا، بينها مئات السجون السرية داخل مبانٍ رسمية وشقق سكنية، في خرق سافر لكل المعايير الوطنية والدولية. 
وفي موازاة ذلك، وثّق التقرير آلاف الانتهاكات بحق المساجد ودور العبادة، بما في ذلك القتل والإصابة والاختطاف والتعذيب، إضافة إلى التفجير والإحراق وتحويل عشرات المساجد إلى ثكنات عسكرية ومراكز تعبئة طائفية تُستهدف فيها فئة الأطفال واليافعين تحديدًا.
كما سجّل التقرير تفجير 1,232 منزلًا ومنشأة عامة وخاصة، و56,287 انتهاكًا ضد الأعيان المدنية من منازل ومزارع ومحلات تجارية ومركبات ومؤسسات أهلية. 
وشملت الانتهاكات الصحية 4,121 واقعة طالت مستشفيات ومرافق طبية وعاملين في القطاع الصحي، من بينها القتل والاعتقال والإخفاء ونهب الأدوية والمستلزمات الطبية وتحويلها إلى مجهود حربي أو بيعها في السوق السوداء. 
وفي الجانب الإعلامي، وثّقت الشبكة مئات الانتهاكات بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، ضمن سياسة ممنهجة لإسكات الأصوات المستقلة، وإحكام السيطرة على تدفق المعلومات.
وخلصت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات إلى أن هذه الانتهاكات، بحجمها وطبيعتها وتوزعها الجغرافي، تمثل نمطًا واضحًا وواسع النطاق من الجرائم الجسيمة التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. 
ودعت المجتمع الدولي إلى ممارسة ضغط جدي ومنسق على مليشيات الحوثي لوقف هذه الجرائم فورًا، والإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسريًا، وفرض توصيف قانوني دقيق للجماعة باعتبارها مليشيا مسلحة تمارس الإرهاب والانتهاكات الممنهجة، واتخاذ إجراءات دولية رادعة تمنع استمرار هذه الممارسات.
ويرى المراقبون أن التقرير يعزز القناعة الدولية المتزايدة بأن سلوك مليشيات الحوثي لم يعد قابلًا للتفسير كتصرفات عشوائية أو تجاوزات محدودة، بل كجزء من سياسة منظمة تستهدف تفكيك المجتمع وإخضاعه عبر العنف والترهيب، ويعتقدون أن حجم الانتهاكات الموثقة يجب أن يدفع المجتمع الدولي إلى تحرك أكثر صرامة، يتجاوز بيانات الإدانة إلى إجراءات عملية رادعة، تشمل المساءلة الدولية وفرض قيود إضافية على قيادات المليشيات وشبكات تمويلها، كما يؤكد المراقبون أن استمرار الصمت أو الاكتفاء بردود فعل شكلية يمنح المليشيات مساحة لمواصلة الانتهاكات، ما يعني أن حماية المدنيين في اليمن تتطلب إرادة دولية جادة، وخطوات ملموسة تُلزم الحوثيين باحترام القانون الدولي، وتضع حدًا لمعاناة فئات واسعة من الشعب اليمني التي دفعت الثمن الأكبر منذ بداية هذا الصراع.

شارك