الإرهاب القادم من أفغانستان.. مشاورات باكستانية صينية لمواجهة الخطر

الجمعة 12/ديسمبر/2025 - 06:24 م
طباعة محمد شعت
 

تتصاعد في الآونة الأخيرة التحذيرات الإقليمية والدولية من المخاطر التي تنبع من الأراضي الأفغانية في ظل تنامي نشاط جماعات توصف بالإرهابية واتساع نطاق تهديداتها لدول الجوار.

وبينما تواصل حركة طالبان الحاكمة في كابول نفي وجود أي مجموعات من هذا النوع داخل البلاد وتؤكد التزامها بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية ضد أي دولة، تتزايد الاتهامات من جانب باكستان والصين، اللتين تعدان أكثر الدول ارتباطا بالملف الأمني الأفغاني، بأن الوضع الحالي يشكل خطرا حقيقيا على أمن المنطقة واستقرارها.

وفي هذا السياق، تبرز الاتصالات المكثفة بين إسلام آباد وبكين باعتبارها مؤشرا إلى حجم القلق المتنامي بشأن مستقبل أفغانستان تحت حكم طالبان، خصوصا مع عودة الحديث عن تحول البلاد إلى ملاذ آمن للجماعات المسلحة بعد الانسحاب الأمريكي في أغسطس 2021.

 

ومؤخرا كشف الممثل الخاص لباكستان في أفغانستان محمد صادق عن لقاء جديد جمعه بنظيره الصيني يو شياويونغ في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وهو لقاء وصف بأنه جزء من المشاورات المنتظمة بين البلدين لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب. وجاء في تصريحات صادق التي نشرها عبر منصة X أن النقاش تضمن تقييما مشتركاً للتهديدات الأمنية emanating from Afghanistan، وفي مقدمتها نشاط الجماعات الإرهابية المتمركزة هناك.

 وتأتي هذه اللقاءات المتكررة في وقت تتعرض فيه باكستان لسلسلة هجمات دموية خلال العامين الماضيين، تُتهم جماعات تنشط داخل أفغانستان بالوقوف خلفها، وفي مقدمتها حركة طالبان باكستان، التي تقول إسلام آباد إنها أعادت تجميع صفوفها واتخذت من الأراضي الأفغانية نقطة انطلاق لتصعيد عملياتها.

 

من جهة أخرى، لا تخفي الصين قلقها من تنامي نشاط جماعات متشددة في المناطق القريبة من حدودها، خاصة تلك التي تقول إنها ترتبط بمجموعات انفصالية تهدد الأمن في إقليم شينغيانغ. وتُعد بكين من أكثر الأطراف الداعمة لاستقرار أفغانستان لأسباب سياسية واقتصادية، فهي ترى أن استمرار الفوضى سيعرقل مشاريعها الاستراتيجية على رأسها مبادرة الحزام والطريق، إضافة إلى احتمال انتقال الاضطرابات الأمنية إلى المناطق الحدودية الحساسة.

 لذلك، فإن التواصل المكثف بين بكين وإسلام آباد حول الوضع في أفغانستان يعكس تقاطع مصالح البلدين ورغبتهما في احتواء أي تهديد محتمل قد يتفاقم في ظل غياب حكومة أفغانية معترف بها دولياً أو منظومة أمنية مستقرة.

 

اتهامات باكستانية وطالبان تنفي

 

في سياق الاتهامات الرسمية، أدلى الممثل الدائم لباكستان لدى الأمم المتحدة عاصم افتخار أحمد بتصريحات قوية خلال اجتماع مجلس الأمن، أكد فيها أن الإرهاب المنطلق من الأراضي الأفغانية يمثل أكبر تهديد للأمن القومي والسيادة الباكستانية. وشدد على أن بلاده تواجه واقعا مقلقا يتمثل في تصاعد الهجمات التي تخطط لها جماعات مسلحة تجد في أفغانستان ملاذا آمنا تلتئم فيه وتتدرب وتخطط لعملياتها. ووصف افتخار الوضع بأنه عودة خطيرة إلى مرحلة ما قبل 2001، حين كانت أفغانستان نقطة تجمع رئيسية للمنظمات الإرهابية العابرة للحدود.

 

وأشار المسؤول الباكستاني إلى أن عدم قدرة السلطات الأفغانية الحالية أو عدم رغبتها في تفكيك هذه الجماعات سينعكس سلبا على المنطقة بأسرها، خصوصا الدول التي تشارك أفغانستان حدودا طويلة وصعبة السيطرة. وأضاف أن باكستان تحملت خلال العقود الماضية عبء الصراعات المتواصلة في أفغانستان، سواء من حيث موجات اللجوء أو العمليات المسلحة أو الاضطرابات الاقتصادية، وهي اليوم تجد نفسها أمام تحد أمني أكبر في ظل غياب آليات فعالة للتنسيق الأمني مع حكومة طالبان.

 

على الجانب الآخر، تتمسك حركة طالبان بموقفها الرافض لهذه الاتهامات، مؤكدة أن أراضي أفغانستان لا تُستخدم ضد أي دولة، وأن الحركة ملتزمة بتعهداتها الدولية، خصوصا تلك التي وردت في اتفاق الدوحة. وتنفي طالبان بشكل متكرر وجود جماعات إرهابية داخل البلاد، وتقول إن خصومها الإقليميين يريدون تحميلها مسؤولية مشاكلهم الداخلية. كما تشير إلى أنها بذلت جهودا كبيرة للقضاء على أي نشاط مسلح غير مشروع، وأنها قادرة على فرض السيطرة على كامل الأراضي الأفغانية رغم التحديات الداخلية.

 

وفي الوقت الذي تصر فيه طالبان على خطابها المطمئن، تتساءل العديد من الأطراف الدولية حول قدرة الحركة على ضبط جماعات مسلحة ذات ارتباطات فكرية أو قبلية أو عملياتية مع مقاتليها، إضافة إلى وجود تقارير أممية تتحدث باستمرار عن نشاط تنظيمات مختلفة في مناطق عدة داخل أفغانستان. وبين هذه الروايات المتضاربة، تبقى الحقيقة الغائبة هي غياب طرف محايد يتحقق ميدانيا من الوضع الأمني، خصوصا مع محدودية وصول المنظمات الدولية وغياب أي بعثة رقابية معتمدة داخل البلاد.

 

مخاوف إقليمية من انفجار أمني 

 

المشهد الأمني في المنطقة يشير إلى أن حالة الترقب التي تعيشها الدول المجاورة لأفغانستان ليست نابعة فقط من الهجمات المتزايدة داخل باكستان أو المخاوف الصينية، بل من رؤية إقليمية أوسع تحذر من أن الفراغ الأمني والسياسي في كابول قد يقود إلى انفجار جديد في آسيا الوسطى. فالدول المحيطة بأفغانستان، مثل إيران وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، تتابع هي الأخرى التطورات بقلق، وإن كانت أقل صراحة في تصريحاتها مقارنة بباكستان. غير أن القاسم المشترك بين هذه الدول هو الشعور بأن غياب الاستقرار في أفغانستان يشكل تهديدا مباشرا لها، سواء عبر الحدود أو من خلال حركة اللاجئين أو تجارة المخدرات أو التهريب.

 

وتشير التقارير الأمنية إلى أن الكثير من الجماعات التي كانت متناثرة خلال العقدين الماضيين تبحث اليوم عن مساحات جديدة للانتشار، وهي تجد في التضاريس الجبلية الأفغانية بيئة مناسبة لإعادة تنظيم صفوفها.

 وبالنظر إلى التعقيدات العرقية والقبلية داخل البلاد، فإن أفغانستان تمثل أرضا خصبة لولادة حركات جديدة أو استئناف نشاط جماعات قديمة، الأمر الذي يزيد من المخاطر على المنطقة بأسرها. وفي ظل غياب أي اعتراف دولي بحكومة طالبان، تبدو قدرة المجتمع الدولي على الضغط من أجل ضمانات أمنية محدودة للغاية، وهو ما يترك باكستان والصين في موقع المواجهة المباشرة مع التحديات القادمة من الداخل الأفغاني.

 

وتبرز أهمية التعاون بين بكين وإسلام آباد في هذا التوقيت بالذات، إذ إن الدولتين ترتبطان بمشاريع اقتصادية ضخمة، وعلى رأسها الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يعبر مناطق حساسة أمنياً. وأي تصاعد في نشاط الجماعات المسلحة القادمة من أفغانستان سيعني تهديد هذه المشاريع وربما تعطيلها، مما يخلق خسائر استراتيجية لكل من الصين وباكستان. ولذلك، فإن التعاون الاستخباراتي والأمني بين البلدين بات ضرورة وليس خيارا، في محاولة لضمان عدم امتداد الاضطرابات عبر الحدود.

 

في نهاية المطاف، يكشف المشهد الحالي أن أفغانستان ما تزال تمثل بؤرة توتر محتملة رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على سيطرة طالبان على الحكم. وبينما لا يبدو أن هناك حلا قريبا في الأفق، فإن الدول المجاورة والصين تحديدا ترفع مستوى التنسيق وتكثف جهودها لتجنب سيناريوهات قد تكون أكثر خطورة في المستقبل.

 وفي غياب توافق دولي حول التعامل مع حكومة طالبان، يبدو أن الأزمات الأمنية ستستمر في التفاقم، ما لم تُتخذ إجراءات واضحة لقطع الطريق أمام الجماعات المسلحة ومنعها من استخدام الأراضي الأفغانية قاعدة لانطلاق عمليات تهدد أمن الإقليم واستقرار دوله.

 

شارك