اقتصاد الفدية في الساحل الأفريقي.. كيف تحوّل الخطف إلى شريان تمويل للإرهاب؟

الثلاثاء 23/ديسمبر/2025 - 11:01 ص
طباعة الإرهاب الإرهاب محمود البتاكوشي
 
يرى خبراء مختصون في شؤون الساحل الأفريقي أن الفدية لم تعد مجرد أداة ضغط عابرة تستخدمها الجماعات المسلحة، بل تحولت إلى ركيزة أساسية في ما يمكن وصفه بـ«اقتصاد الإرهاب» في غرب القارة. 
يعكس هذا التحول تفاعلًا معقدًا بين هشاشة مؤسسات الدولة، وتدهور الأوضاع الأمنية، واتساع نطاق اقتصاديات الصراع، خاصة في دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وتعد عمليات الخطف مقابل الفدية أحد أهم مصادر التمويل المستدامة للتنظيمات الإرهابية والجماعات المتمردة، بل وحتى العصابات الإجرامية المنظمة، في بيئة تتسم بضعف سيطرة الدولة على الأطراف والحدود، وغياب البدائل الاقتصادية المشروعة.
ووفقًا للباحثين، فإن معالجة هذا المصدر المالي لا يمكن أن تتم عبر الحلول الأمنية وحدها، بل تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين تعزيز القدرات الأمنية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المحلية، وتكثيف التعاون الإقليمي والدولي لملاحقة شبكات التمويل غير الشرعية.
اقتصاد الرهائن.. من التكتيك إلى المنظومة
يمتد الساحل الأفريقي عبر دول تعاني هشاشة بنيوية في مؤسسات الحكم، ونزاعات داخلية مزمنة، وضعفًا في ضبط الحدود، وهي عوامل استغلتها الجماعات المسلحة لبناء نفوذها وتوسيع نشاطها.
في هذا السياق، يشير الباحث السياسي الفرنسي برتراند بادي، أستاذ العلاقات الدولية بمعهد الدراسات السياسية في باريس، إلى أن اختطاف الرهائن مقابل الفدية بات من أكثر مصادر التمويل ربحية لتنظيمات التطرف المسلح في المنطقة، ويوضح أن هشاشة الأمن سمحت بتحوّل الخطف من أداة ضغط سياسي إلى آلية تمويل دائمة ضمن اقتصاد الحرب.
ويؤكد بادي أن استمرار انعدام الأمن وارتفاع معدلات الفقر جعلا من الخطف موردًا ماليًا أكثر استدامة من أنشطة غير مشروعة أخرى، لافتًا إلى أن عائدات الفدية تستخدم في شراء الأسلحة، ودفع رواتب المقاتلين، وبناء شبكات ولاء محلية؛ ما يعزز قدرة هذه الجماعات على البقاء والتوسع.
من جانبه، يرى الدكتور فولاهانمي آينا، الباحث المتخصص في قضايا الأمن والسياسات في الساحل الأفريقي، أن الخطف مقابل الفدية أصبح عنصرًا مركزيًا في الاستراتيجيات التشغيلية للجماعات المسلحة. 
ويشير إلى أن هذه العمليات ليست عشوائية، بل تُدار كأنشطة اقتصادية مدروسة تهدف إلى ضمان استمرارية التمويل، خصوصًا في المناطق التي تغيب فيها الدولة تمامًا.
ويضيف آينا أن الابتزاز لا يقتصر على الرهائن الأجانب، بل يمتد إلى السكان المحليين، حيث تفرض مساهمات مالية قسرية على الأسر والمجتمعات، ما يضاعف العائد الاقتصادي للتنظيمات المسلحة ويعمّق معاناة المدنيين.
تداعيات ممتدة تتجاوز البعد الأمني
لا تتوقف آثار اقتصاد الفدية عند تمويل العمليات المسلحة، بل تمتد لتقويض النسيج الاجتماعي والاقتصادي للدول المتضررة، فانتشار الخطف يولّد حالة دائمة من الخوف، ويعيق حركة التجارة والخدمات، ويُضعف الثقة بين المجتمعات المحلية والدولة التي تُنظر إليها باعتبارها عاجزة عن توفير الحماية. 
كما يسهم هذا الواقع في ترسيخ صورة الجماعات المسلحة ليس فقط كقوة عسكرية، بل ككيانات اقتصادية موازية؛ ما يزيد من تعقيد جهود الاستقرار وإعادة بناء الدولة.
وتدعم هذه الرؤية إحصاءات معهد الدراسات الأمنية الأفريقية، التي تُظهر أن الخطف بات جزءًا بنيويًا من «اقتصاد الحرب» في الساحل، مستفيدًا من ضعف الحكومات وتدهور الأمن العام. 
وتشير البيانات إلى أن عمليات الاختطاف تطال الأجانب والمواطنين المحليين على حد سواء، مع اعتماد الفدية كآلية تفاوض أساسية للإفراج عن الضحايا.
أرقام واتجاهات مقلقة
تُظهر البيانات التاريخية أن الخطف لأغراض الفدية يمثل أحد أهم مصادر تمويل التنظيمات المسلحة في الساحل منذ أكثر من عقد، ففي السنوات الأولى من القرن الحالي، قدرت الفديات المدفوعة لتنظيمات مرتبطة بتنظيم القاعدة بعشرات الملايين من الدولارات؛ ما أسهم في تعزيز قدراتها العملياتية واستمرار نشاطها.
وفي عام 2024 وحده، سجل أكثر من 439 حادثة اختطاف أو اختفاء قسري في منطقة الساحل، وفقًا لبيانات مشروع مواقع وأحداث النزاعات المسلحة، نفذتها جماعات من بينها تنظيم داعش في الساحل وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين؛ ما يعكس تصاعدًا لافتًا في استخدام هذا الأسلوب كأداة تمويل منهجية.
أكثر من فدية واحدة
ورغم أن الخطف مقابل الفدية يُعد من أبرز مصادر التمويل، إلا أنه ليس الوحيد. إذ تعتمد الجماعات المسلحة أيضًا على أنشطة موازية مثل نهب الماشية، وتعدين الذهب غير المشروع، والتهريب عبر الحدود. 
وتشير تحليلات متخصصة إلى وجود آليات «تسعير» داخل هذا السوق السوداء، حيث تختلف قيمة الفدية تبعًا لجنسية الرهينة أو وضعه الاجتماعي؛ ما يؤكد أن الأمر لم يعد مجرد جريمة، بل اقتصادًا غير مشروع متكامل الأركان.

شارك