الإرهاب العابر للحدود يعيد إشعال الداخل الباكستاني في 2025
في ظل مشهد أمني بالغ التعقيد، تشهد باكستان خلال عام 2025 تصاعداً مقلقاً في وتيرة العمليات الإرهابية، ولا سيما تلك التي تستهدف قوات الأمن، رغم الإجراءات المشددة والحملات العسكرية والاستخباراتية التي تنفذها الدولة لمواجهة الجماعات المسلحة. هذا التصاعد يعكس تحديات عميقة تتجاوز البعد الأمني الداخلي، لترتبط بعوامل إقليمية وحدودية معقدة، في مقدمتها التطورات في أفغانستان منذ سيطرة طالبان على الحكم عام 2021، وما ترتب عليها من تنشيط للجماعات المتشددة العابرة للحدود، وعلى رأسها حركة طالبان باكستان.
ردود الفعل الرسمية على الحادثة عكست
إدراك الدولة لخطورة المرحلة. رئيس الوزراء شهباز شريف دان الهجوم بشدة، معرباً عن
حزنه لاستشهاد عناصر الشرطة، ومشدداً على أن قوات الأمن تخوض معركة متقدمة ضد
الإرهاب دفاعاً عن أمن البلاد. كما أكد عزمه على القضاء على جميع أشكال الإرهاب،
وهي عبارات باتت تتكرر في الخطاب الرسمي مع كل حادثة، ما يعكس في الوقت ذاته حجم
التحدي واستمراريته. من جهته، شدد رئيس وزراء إقليم خيبر بختونخوا على دعم حكومته
الكامل للشرطة، مؤكداً أن هذه الهجمات لن تنال من معنويات الأجهزة الأمنية، وأن
الجناة سيُقدَّمون إلى العدالة.
غير أن هذه التصريحات، على أهميتها
الرمزية، لا تخفي حقيقة أن عام 2025 يشهد استمراراً لنسق تصاعدي في العمليات
الإرهابية، خاصة في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان، اللذين تحولا إلى بؤرتين
رئيسيتين لنشاط الجماعات المسلحة. ففي هذين الإقليمين، تتداخل العوامل القبلية
والجغرافية مع هشاشة الحدود وطولها، ما يمنح المسلحين هامش حركة واسعاً وقدرة على
التخفي والانسحاب إلى مناطق وعرة أو عبر الحدود.
أبرز العمليات الإرهابية في باكستان
خلال 2025
منذ مطلع عام 2025، سجلت باكستان سلسلة
من العمليات الإرهابية النوعية التي استهدفت بالدرجة الأولى قوات الجيش والشرطة،
إضافة إلى منشآت وبعثات أمنية، ما يعكس تركيز الجماعات المسلحة على تقويض هيبة
الدولة واستنزاف قدراتها. في يناير، قُتل عدد من الجنود في هجوم انتحاري استهدف
نقطة تفتيش عسكرية في شمال وزيرستان، وهي منطقة لطالما اعتُبرت معقلاً لنشاط حركة طالبان
باكستان. وفي فبراير، تعرض موكب أمني في إقليم بلوشستان لكمين مسلح أسفر عن سقوط
قتلى وجرحى، في هجوم تبنته جماعة مسلحة انفصالية، ما يسلط الضوء على تعدد مصادر
التهديد بين جماعات دينية متشددة وأخرى ذات طابع قومي.
خلال الأشهر اللاحقة، تكررت الهجمات
على دوريات الشرطة ومرافقي الشركات العاملة في قطاع الطاقة والبنية التحتية، كما
في حادثة كاراك، ما يشير إلى استهداف متعمد للمشاريع الاقتصادية بهدف ضرب
الاستقرار وإرسال رسائل ضغط على الحكومة المركزية. وفي أبريل، هاجم مسلحون مركزاً
للشرطة في إحدى مناطق بيشاور، مستخدمين أسلحة خفيفة وقنابل يدوية، قبل أن ينسحبوا
دون أن تتمكن القوات من اعتقالهم. أما في يونيو، فقد شهدت كويتا تفجيراً استهدف
حافلة تقل عناصر أمن، وأسفر عن عدد من القتلى، في عملية وُصفت بأنها منسقة وعالية
التخطيط.
هذه العمليات، على اختلاف أساليبها،
تشترك في سمات واضحة، أبرزها الجرأة في التنفيذ، والقدرة على اختراق الطوق الأمني،
واستهداف رموز الدولة وأجهزتها. كما تشير التحقيقات الأولية في عدد من هذه الهجمات
إلى وجود صلات لوجستية وتخطيطية عبر الحدود، وهو ما أعاد ملف الإرهاب العابر
للحدود إلى صدارة النقاش السياسي والأمني في إسلام آباد.
التوتر مع كابول وتأثيره على المشهد
الأمني
لا يمكن فهم تصاعد الإرهاب في باكستان
خلال 2025 بمعزل عن التوتر المتزايد مع أفغانستان. فمنذ سيطرة طالبان على الحكم في
كابول، تتهم إسلام آباد السلطات الأفغانية بغض الطرف، أو حتى تقديم تسهيلات،
لعناصر حركة طالبان باكستان، التي تنشط انطلاقاً من الأراضي الأفغانية. هذا
الاتهام تكرر رسمياً في بيانات وزارة الخارجية الباكستانية، وكان آخره عقب استشهاد
أربعة جنود في هجوم إرهابي في شمال وزيرستان، ما دفع إسلام آباد إلى استدعاء نائب
رئيس البعثة الأفغانية وتقديم مذكرة احتجاج رسمية.
التصعيد لم يقتصر على الجانب
الدبلوماسي، إذ شهد أكتوبر الماضي اشتباكات حدودية استمرت لأسبوع كامل بين
البلدين، في مؤشر خطير على انتقال التوتر من المستوى السياسي إلى الميدان العسكري.
باكستان أكدت في أكثر من مناسبة احتفاظها بحقها في الدفاع عن سيادتها، واتخاذ جميع
التدابير اللازمة للرد على التهديدات القادمة من الأراضي الأفغانية، وهو موقف يعكس
حالة الإحباط من غياب تعاون أمني فعال مع كابول.
هذا الوضع الإقليمي المضطرب يوفر بيئة
خصبة لنشاط الجماعات المسلحة، التي تستفيد من الملاذات الآمنة، ومن تعقيدات المشهد
السياسي في أفغانستان، لتعيد تنظيم صفوفها وتكثيف عملياتها داخل الأراضي
الباكستانية. كما أن غياب آلية تنسيق واضحة بين البلدين يحد من فعالية أي جهود
مشتركة لمكافحة الإرهاب، ويترك القوات الباكستانية في مواجهة تحديات معقدة على طول
حدود تمتد لأكثر من ألفي كيلومتر.
مؤشرات الإرهاب في باكستان خلال 2025
تشير المؤشرات الأمنية خلال عام 2025
إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الهجمات مقارنة بالعام السابق، سواء من حيث العدد أو
مستوى العنف. تقارير أمنية غير رسمية تفيد بزيادة الهجمات التي تستهدف قوات الأمن
بنسبة لافتة، مع تركيز واضح على المناطق الحدودية والمراكز الحضرية الكبرى في
الشمال الغربي. كما ارتفع عدد الضحايا في صفوف الشرطة والجيش، ما يعكس تحولهم إلى
الهدف الأول للجماعات الإرهابية، في محاولة لإضعاف القبضة الأمنية وخلق حالة من
الإرباك.
في المقابل، ورغم تنفيذ القوات المسلحة
والشرطة لعمليات أمنية واسعة النطاق، تشمل مداهمات واعتقالات واستهداف معاقل
مسلحة، إلا أن النتائج على الأرض تبدو محدودة مقارنة بحجم التهديد. هذا التناقض
يسلط الضوء على تحديات تتعلق بجمع المعلومات الاستخباراتية، وبالقدرة على تفكيك
الشبكات الإرهابية بشكل كامل، لا سيما في المناطق الوعرة والقبلية.
اقتصادياً، ترك تصاعد الإرهاب أثره على
الاستثمارات، خاصة في مشاريع الطاقة والبنية التحتية في خيبر بختونخوا وبلوشستان،
حيث باتت الشركات الخاصة تعتمد بشكل متزايد على مرافقة أمنية، كما في حادثة كاراك،
ما يرفع كلفة التشغيل ويزيد من المخاوف بشأن الاستقرار طويل الأمد. اجتماعياً،
يعمق استمرار العنف من مشاعر القلق وعدم الثقة، ويضع ضغوطاً إضافية على الحكومة في
ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
في المحصلة، يكشف عام 2025 عن صورة معقدة
للمشهد الأمني في باكستان، حيث يتداخل الإرهاب المحلي مع العوامل الإقليمية،
وتواجه الدولة اختباراً صعباً في قدرتها على تحقيق توازن بين الرد الأمني الحاسم
والمعالجة السياسية والدبلوماسية للأسباب الجذرية. حادثة كاراك ليست سوى حلقة في
سلسلة طويلة من العنف، لكنها تعكس بوضوح أن الحرب ضد الإرهاب في باكستان لم تصل
بعد إلى نهايتها، وأن الطريق نحو الاستقرار ما زال محفوفاً بتحديات جسيمة تتطلب
مقاربة شاملة تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية.
