النيجر تعلن التعبئة العامة.. تصعيد أمني شامل في مواجهة تمدد الإرهاب بالساحل الإفريقي
الثلاثاء 30/ديسمبر/2025 - 10:34 ص
طباعة
محمود البتاكوشي
في تصعيد يعكس حجم التحديات الأمنية المتفاقمة، أعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر فرض حالة «التعبئة العامة» لمواجهة التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل الإفريقي، في خطوة تعد من أكثر القرارات حدة منذ سيطرة العسكريين على الحكم.
وجاء الإعلان عقب اجتماع لمجلس الوزراء، حيث أكدت الحكومة أن إجراءات التعبئة قد تشمل تسخير الأفراد والممتلكات والخدمات، وفقًا للتشريعات والقوانين المعمول بها، للمساهمة المباشرة في «الدفاع عن الوطن».
ووفق البيان الرسمي، تستند هذه الخطوة إلى اعتبارات تتعلق بالحفاظ على وحدة الأراضي الوطنية، وحماية السكان، وتأمين مؤسسات الدولة ومصالحها الحيوية في مواجهة تهديدات داخلية وخارجية متصاعدة.
قرار التعبئة يأتي في سياق أمني بالغ التعقيد، فالنيجر تعاني منذ ما يقرب من عقد من موجات عنف متواصلة تنفذها جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، خاصة في المناطق الحدودية مع مالي وبوركينا فاسو ونيجيريا.
وبحسب تقديرات منظمة «أكليد» غير الحكومية المتخصصة في رصد ضحايا النزاعات، أسفرت هذه الهجمات عن نحو ألفي قتيل منذ بداية العام الجاري فقط، ما يعكس تسارعًا لافتًا في وتيرة العنف.
وتكتسب التطورات الأخيرة بعدًا إضافيًا مع تصاعد استهداف المدنيين على أساس ديني، فالنيجر، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 28 مليون نسمة ويشكل المسلمون أغلبيتهم الساحقة، شهدت خلال الأسبوع الماضي هجومًا إرهابيًا استهدف كنيسة في منطقة دوسو جنوب غربي البلاد، وأسفر عن مقتل رجل وزوجته.
هذا الهجوم أعاد إلى الواجهة المخاوف من اتساع دائرة استهداف المسيحيين في غرب إفريقيا، في نمط بات يقلق العواصم الإقليمية والدولية على حد سواء.
وفي موازاة ذلك، جاءت التطورات الميدانية في نيجيريا لتؤكد اتساع رقعة المواجهة، فقد أعلنت الولايات المتحدة تنفيذ ضربات عسكرية ضد مواقع لتنظيم داعش في شمال غرب نيجيريا، ردًا على هجمات استهدفت مسيحيين.
وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن القوات الأمريكية وجهت «ضربة قوية ومميتة» للتنظيم، مشيرًا إلى أن الهجمات الأخيرة اتسمت بوحشية غير مسبوقة منذ سنوات طويلة.
إقليميًا، لا تتحرك النيجر منفردة في هذا المسار. فقد دخلت «القوة الموحدة لتحالف دول الساحل» مرحلة التشغيل من الأراضي النيجرية، في إطار تنسيق أمني يجمع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهو تحالف أُعلن عنه رسميًا في يوليو/تموز 2024، ويهدف إلى توحيد الجهود العسكرية والاستخباراتية في مواجهة الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
هذا التحرك يعكس إدراكًا متزايدًا لدى الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل بأن المعركة لم تعد محلية أو ظرفية، بل باتت تهديدًا وجوديًا يستدعي استجابات جماعية أكثر تنظيمًا إلا أن هذه المقاربة لا تخلو من تحديات، في ظل ضعف الموارد، واتساع رقعة العمليات، وتعقيد البيئة الاجتماعية والقبلية في مناطق النزاع.
وعلى المستوى الدولي، سبق أن أعربت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، عن قلق بالغ إزاء الوضع الأمني في القارة الإفريقية، ووصفتها بأنها «بؤرة الإرهاب العالمي».
وأشارت إلى أن منطقة الساحل وحدها سجلت ما لا يقل عن 6000 قتيل جراء الهجمات الإرهابية خلال عام 2024، ما يجعلها من أكثر مناطق العالم تضررًا من العنف المسلح.
في المحصلة، تعكس خطوة «التعبئة العامة» في النيجر انتقال الدولة إلى مرحلة مواجهة مفتوحة مع الإرهاب، لكنها في الوقت ذاته تفتح الباب أمام تساؤلات صعبة حول كلفة هذا الخيار على المجتمع، وقدرته على تحقيق الاستقرار في منطقة تتشابك فيها العوامل الأمنية والسياسية والإنسانية بشكل بالغ التعقيد.
