لم يفعلها داعش سرقة 90% من أملاك المسيحيين في بغداد

الأربعاء 31/ديسمبر/2025 - 03:57 م
طباعة لم يفعلها داعش سرقة روبير الفارس
 
رغم أن تنظيم داعش الإرهابي لم يحتل العاصمة العراقية بغداد. إلا أن سرقة بيوت المسيحيين فيها .فاق ما فعله التنظيم في نينوي .
السياسي المسيحي البارز، يونادم كنا، فجّر قنبلة سياسية حين كشف عن مفارقة صادمة؛ مؤكداً بتصريحات متلفزة، أن بغداد التي لم يطأها تنظيم "داعش" عسكرياً شهدت مصادرة نحو 90% من أملاك المسيحيين فيها على يد جهات مسلحة ومجاميع استغلت فوضى السلاح وتراخي قبضة الدولة في الحقب الماضية. هذه النسبة المرعبة تعكس حجم الانهيار في المنظومة الحمائية للممتلكات الخاصة، حيث لم تكن الحاجة لغزو عسكري لإحداث تغيير ديموغرافي، بل كانت "البيروقراطية المخترقة" وسلطة السلاح كفيلة بتحقيق ذلك.
كما  أشار إلى أن "أملاك اليهود في العراق مؤمنة أكثر من أملاك المسيحيين". ومن الناحية التحليلية، تفتح هذه المقارنة الباب على ثغرة قانونية كبرى؛ فأملاك الطائفة اليهودية التي خضعت لـ "الجمود القانوني" وسجلات "الأموال المجمدة" القديمة، بقيت تحت وصاية سيادية مباشرة تجعل من التلاعب بها مخاطرة كبرى أمام الدولة، بينما ظلت عقارات المسيحيين في مناطق الكرادة، والغدير، والدورة "مكشوفة" لأنها أملاك حية لمواطنين، مما جعلها هدفاً سهلاً لـ "مافيات العقارات" المحمية سياسياً.
هذه المافيات لم تكتفِ بالتهديد المباشر، بل عمدت إلى هندسة عمليات تزوير معقدة داخل دوائر التسجيل العقاري، مستغلة غياب أصحاب الأملاك في المهجر أو عجزهم عن المواجهة القضائية. إن هذا الواقع حوّل السكن في أحياء بغداد العريقة إلى "مخاطرة وجودية" للمكون المسيحي، مما سرّع من وتيرة "الهجرة القسرية" التي لم تكن خياراً، بل كانت نتيجة حتمية لضياع المأوى وانسداد أفق الحماية القانونية، الأمر الذي أفرغ العاصمة من أحد أهم أركانها التاريخية وأحال مدنها التعددية إلى كتل إسمنتية تخضع لسطوة الأمر الواقع.
وفي تشخيص استراتيجي لهذا الملف، يرى الخبير في الشؤون الاستراتيجية، علي ناصر،  أن ما شهدته البلاد بعد عام 2003 كان نتاجاً طبيعياً لبيئة أفرزها انتشار السلاح المنفلت وغياب فرض القانون، وهي ظروف خلقت مناخاً خصباً لمجاميع "امتهنت التخويف" كأداة للسيطرة، وعمدت إلى سرقة الممتلكات عبر تزوير المستندات الرسمية وتطويع الأوراق الثبوتية لصالح قوى الأمر الواقع. هذا التوصيف يعكس مرحلة "الانكشاف الأمني" التي حولت العقارات إلى غنائم حرب بعيداً عن الرقابة المؤسساتية.
إلا أن ناصر يطرح رؤية "متفائلة" تستند إلى قراءة المتغيرات الحالية في بنية السلطة، مؤكداً أن "قوة الدولة بدأت تغلب قوة السلاح" في مرحلة التعافي الراهنة. ويستند هذا التفاؤل إلى حالة الاستقرار الأمني الملحوظة التي تعيشها بغداد، والتي وفرت غطاءً آمناً لتحرك المؤسسات القضائية بعيداً عن ضغوط الفصائل أو المافيات المحلية. ويرى ناصر أن هذا التحول، المدعوم بنزاهة القضاء، فتح نافذة أمل حقيقية لاستعادة الحقوق المسلوبة؛ حيث انتقل الملف من "مواجهة في الشارع" إلى "صراع في المحاكم"، وهو ما يمنح المواطن المسيحي القدرة على إبراز وثائقه الثبوتية والمطالبة باسترداد أملاكه عبر قنوات قانونية بدأت تستعيد هيبتها وقدرتها على التنفيذ.
إن الانتقال من مرحلة "سيادة السطوة" إلى مرحلة "بسط النفوذ القضائي" يمثل جوهر التغيير الذي يراه ناصر؛ فالمعادلة التي كانت تميل كفتها لصالح الجماعات المسلحة في سنوات الفوضى، بدأت تميل اليوم لصالح "سلطة القانون". هذا التحول يضع الدولة أمام مسؤولية حماية المشتكين وتأمين إجراءات استرجاع العقارات، لضمان ألا تبقى "قوة الدولة" شعاراً نظرياً، بل واقعاً ملموساً يلمسه المواطن الذي هُجر وصودر منزله في ذروة الانفلات، مما يجعل من "مطرقة القضاء" الأداة الوحيدة لترميم التصدعات الاجتماعية العميقة.

شارك