مستقبل الاسلام السياسى فى الجزائر : هبوط شعبية الاحزاب الدينية بسبب الربيع العربى، وكراهية الشباب للعنف
الإثنين 17/فبراير/2014 - 08:05 م
طباعة
اندماج الاحزاب الاسلامية بالجزائر يثير الاهتمام
بعد عقد من الزمن على انتهاء تجربة العشرية السوداء بالجزائر يصبح السؤال المحورى أكثر الحاحا حول مدى تغلغل قوى الاسلام السياسى فى الشارع الجزائرى وقدرة تلك القوى على بسط سيطرتها على خريطة السياسة بجزائر المستقبل .
وفى ظل اهتزاز واضح لقوى الاسلام السياسى فى المنطقة العربية بعد ما يعرف بالربيع العربى ، فإن قراءة المشهد الجزائرى بخوصيته يمثل أهمية قصوى لرصد التغييرات المنتظرة فى خارطة قوى الاسلام السياسى بشكل عام .
عباس مدني
إن الجزائر لها تجربتها المريرة فى التعامل مع الاسلام السياسى بطبقاته الفكرية والراديكالية بعد السماح بالتعددية الحزبية نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم ، وهى التجربة التى دفعت ضريبتها نحو مائتى ألف قتيل ، وانهيار تام للاقتصاد ، وعشر سنوات من الاضطراب والفوضى والمذابح المتبادلة .
ولاشك أن تلك التجربة صنعت قناعة لدى الشعب الجزائرى بأن الأمن والاستقرار مقدم على الديمقراطية ، وبأن الحريات الشخصية للأفراد سابقة على الحريات العامة ، وهو ما يتمثل فى الشعبية الحقيقية التى يتمتع بها الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة حيث يثّمن الجزائريون تحقيقه للاستقرار رغم كراهيتهم وانتقادهم المتكرر لظاهرة الفساد المتسع الذى تتسرّب حكاياته كل يوم .
عبدالله جاب الله
إن الدكتور عبد العال رزاقى استاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر يرى أن واقع ومستقبل الاسلام السياسى فى الجزائر فى اضمحلال لأنه ارتبط في أذهان الجزائريين بمرحلة سوداء،وعلى حد قوله " ربما كانت الجزائر تخفى إسلامها السياسي المحلي، لكنها الآن مطمئنة منه لأنها أنهكته وأضعفته إلى درجة. ولا يتصور الرجل أن الصعود الذى صاحب ما يعرف بثورات الربيع العربى فى مصر وتونس واليمن للتيارات الدينية يمكن أن يلقى بظلاله على الجزائر لأن النظام السياسي الجزائرى لا يزال متمسكا بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة باعتباره ضامنا لاستقرار البلاد وأمنها.
ويمكن اعتبار نتائج الانتخابات التشريعية خلال عام 2012 بمثابة مرآة حقيقية لضعف الشعبية للاحزاب الاسلامية فى الجزائر خاصة والتى نشأت من فلول متناثرة ومجموعات منشقة لحركات سابقة مثل " الفيس " و" حمس " .
لقد كانت الحاضنة الكبرى للحركة الاسلامية فى الجزائر هى " الفيس " أو جبهة الانقاذ الاسلامية التى تأسست مطلع 1989 بعد السماح بالتعددية الحزبية وخاضت الانتخابات المحلية وحققت نتائج ايجابية قبل أن تصطدم بالمؤسسة العسكرية لتندلع أكبر عملية مصادمات انتهت بدخول كافة قيادات الجبهة إلى السجون وحظر أنشطتها تماما .
والواقع أن " الفيس " تشكلت من خليط من التيارات التى غلب عليها التشدد والتوجهات السلفية وتمثلت فى قيادة على بلحاج والذى استمد أفكاره من ابن تيمية وسيد قطب ، وإن كان اتحاده مع الدكتور عباس مدنى قد هذّب تلك التصورات وجعلها قابلة للتعاطى الديمقراطى المرحلى .
علي بلحاج
ومع اصطدام الجبهة بالديمقراطية وانخراط مجموعات منها فى العمل المسلح تلاشت الشعبية الضخمة لعناصرها التى وصمت بالارهاب والعنف والخطاب التكفيرى . وربما كان ذلك بمثابة ضوء أخضر لحركة أخرى كانت أكثر اعتدالا ومثلت امتداد لجماعة الاخوان المسلمين فى الاراضى الجزائرية . وقد تأسس حزب مجتمع السلم " حمس " "على يد “محفوظ نحناح” طارحة خيار المشاركة السياسية كنهج أكثر تقدم من جماعة الاخوان فى مصر ، الا أن تكرر الانشقاقات أضعف الحركة وإن ظلت تشارك بانتظام فى الانتخابات التشريعية لتحصل على نسب تقترب من 10 % ، بعد تحالفها مع حزب النهضة ، وهو حزب اسلامى آخر أسسه عبد الله جاب الله عام 1990 فى ذروة تنامى شعبية الاسلاميين فى الشارع الجزائرى ، الا أنه تعرض للانشقاقات هو الآخر والتى انتهت بخروج " جاب الله " نفسه ليؤسس حزبا جديدا بعنوان " العدالة والتنمية " . كما تأسست فى العامين الماضيين بعض الاحزاب الاسلامية الاخرى الصغيرة مثل جبهة التغيير ، والحرية والعدالة .
والواضح أن قانون الاحزاب الجزائرى مازال يسمح بانشاء احزاب على اساس دينى خاصة أن الطبيعة السكانية للمجتمع الجزائرى تسمح بذلك لعدم وجود اقليات أو تجمعات دينية مخالفة سوى مجوعة الأباضيين " وهم بدون اى توجهات او اهتمامات سياسية . وظل الحظر القائم والمفروض من الدولة قاصرا على جبهة الانقاذ " الفيس " وهو ما دفع أعضائها إلى ثلاث وجهات هى إما اعتزال السياسة تماما والاكتفاء بالقاء تصريحات اعلامية بين الحين والآخر ، أو العمل السياسى تحت لواء أحزاب وحركات أخرى تحظى بالمشروعية والقبول من الدولة، او الانضمام لجماعات راديكالية مسلحة وهم قلة بسبب ضعف وتفكك معظم تلك الجماعات بعد مبادرات التصالح واسقاط الاحكام القضائية الصادرة ضد الارهابيين مقابل القائهم للسلاح .
ورغم وجود حركات راديكالية مسلحة فى بعض المناطق النائية بالجزائر مثل منطقة تزو ويزو ، فإن وصف الحالة الجزائرية بالاستقرار هو الأقرب للحقيقة بالمقارنة مع حوادث سنوات العشرية . وما يقوله صالح بلغيث الكاتب والمحلل السياسى الجزائرى يمثل تقييما واضحا لتلك الجماعات التى يعتبرها شرذمات وأفراد غير مرتبطين بفكر ، وليس لديهم رؤى موحدة ، ويفتقدون لأدوات الاتصال المباشر مع الجماهير . فضلا عن أن جيل الشباب فى الجزائر ينظر بكثير من الكراهية لاولئك بسبب اتصاله بالانترنيت ومتابعته لتوابع صعود التيارات الاسلامية فى دول الربيع العربى . وحتى أولئك السلفيين الذين يكتفون بالنشاط الدعوى ويجوبون الشوارع بالمدن الجزائرية داعين الشباب غلى الصلاة والفتيات إلى الحجاب أصبحوا محط سخرية شباب " الفيس بوك " الذين يولون وجوههم صوب أوروبا ويتبنون اندماجا أكبر بالقارة المتقدمة .
لقد كانت نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى الجزائر دليلا قويا على أن شعبية الاسلام السياسى تعرضت لانهيار كبير فى دولة كانت قبل عقدين من الزمن أكبر معقل للاسلام السياسى فى شمال افريقيا . ومن بين 492 مقعد فى الانتخابات حصل التحالف الرئاسى الداعم للرئيس وهما جزبا التحرير والتجمع الوطنى الديمقراطى على 290 مقعدا ، بينما حصل تجمع رئيس الوزراء أحمد أويحيى على 70 مقعدا وحصل تجمع الأحزاب الاسلامية المسمى ب" الجزائر الخضراء " والذى ضم كافة الاحزاب الرسمية على 48 مقعدا فقط . لقد وصفت وسائل الاعلام تلك النتائج بـ" النكسة " غير المتوقعة وتباينت التفسيرات بين الخطاب الاعلامى المعادى للاسلاميين أو التأثير السلبى لثورات الربيع العربى ، وإن كان هناك اتفاق واضح على نزاهة العملية الانتخابية خاصة فى ظل مراقبة مؤسسات عربية ودولية وأمريكية .