كادت الجماعات التكفيرية والجهادية أن تتلاشى في عهد مبارك؛ وذلك بسبب طبيعة التضاريس بسيناء ووجود الأسلحة القديمة من أيام الحروب في المنطقة، خاصة ومع تضييق الخناق وإحكام الأمن قبضته على تلك الجماعات وعلى حماس- حتى جاء حكم "الإخوان" وعادوا يتصدرون المشهد بكل وضوح، لدرجة أنهم حضروا اجتماع سد النهضة مع الرئيس مرسي قبل حضورهم جميعا مؤتمر دعم سوريا في أواخر عهد مرسي.
العلاقة بين الجماعتين تشبه الأحجية، التي يجب توضيح بعض التفاصيل والحقائق فيها أولا:
1- في الوقت الذي كانت جماعة أنصار بيت المقدس تنشر فيديوهات لعملياتها داخل إسرائيل، وتعلن أنها جناح عسكري لحركة حماس (وهي فرع الإخوان الفلسطيني)، وبتهليل من بعض مناصري القضية الفلسطينية- إلا أنه بعد ثورة 2011 أصبحت حماس تنكر علاقتها ببيت المقدس وتتنصل منها!!
2- في عهد مرسي قامت الحكومة الإخوانية بمنح الجنسية المصرية لـ 14 ألف فلسطيني أغلبهم من أعضاء حماس.
3- في عام 2012، وبعد تولي مرسي للرئاسة، رصدت قوات الأمن دخول ما يقرب من 3000 جهادي إلى الأراضي المصرية، وبالتحديد (سيناء) من العائدين من أفغانستان.
4- إن أغلب الحراسات الخاصة التي تحمي قيادات جماعة الإخوان من حماس، وتحمل أسلحة غير مرخصة في الأراضي المصرية.
5- من المهم التأكيد أن "القاعدة" لا تكفر الإخوان، وقد قام الظواهري في كتابه "الحصاد المر لجماعة الإخوان المسلمين في سبعين عاما" بتعديل وحذف بعض اتهاماته للإخوان ورموزها، وسبق أن دعا التنظيمات الجهادية في غزة لعدم إنهاك حماس، وكذلك لم يعلن عداءه لمرسي، ولم يكفره!
6- تهديد محمد البلتاجي فور عزل مرسي بقوله: "إن العنف في سيناء سيتوقف فور عودة الرئيس الشرعي للحكم، وانتهاء الانقلاب".
كل تلك الحقائق تجعلنا نربط بين جماعتي "أنصار بيت المقدس" و"الإخوان" من جهة، وبين تصاعد أحداث العنف من جهة أخرى، على الرغم من أنه لا يستطيع أحد إثبات وجود صلات عضوية صارمة وواضحة بينهما، ولكن ما حدث بعد ثورة 30 يونيو، وعزل مرسي جعل "بيت المقدس" تجند أعضاءها لخدمة الأخيرة.
بداية العلاقة رسميا كانت مع العفو الرئاسي الذي قام به المعزول محمد مرسي للسجناء العسكريين، فور توليه الرئاسة، وما تضمنته اللائحة من أغلب أعضاء الجهاديين والتكفيريين في السجون الحربية، كما لا ننكر العلاقة الخاصة لنائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر، بشيوخ التكفير في سيناء، واجتماعه معهم عدة مرات، ودعوته لإنشاء منطقة تجارة حرة بين غزة وسيناء، والصور التي ضبطت لعدد من حراسه أثناء تدريبهم في غزة أو عبورهم الأنفاق بين البلدين.
بعض الخبراء رجحوا أن الأمر لا يعدو كونه شكلا من أشكال تقارب للمصالح بينهما في إسقاط الدولة المصرية- إلا أن حجم عمليات "بيت المقدس" أكبر من قدراتها كتنظيم، ليس فقط في العنصر البشري أو الأسلحة المستخدمة، وإنما هناك مسألة أخرى تتعلق بنقل هذه الأسلحة ورصد أماكن التفجير وتحديد مواعيد العمليات، ومن ثم فإن جماعة أنصار بيت المقدس تحظى بمن يحتضنها ويساعدها في استهداف الأماكن، وهو ما أكده المنشق الإخواني "أحمد بان" في حوار نشر له في جريدة "الشرق الأوسط" السعودية، على وجود تعاون بين "الإخوان" و"أنصار بيت المقدس"، في إطار عملية توزيع الأدوار، مشيرا إلى أن "جماعة الإخوان تعمل على إنهاك الجيش والشرطة من خلال المظاهرات واستنزاف مقدرات الدولة من جانب، بينما تقوم جماعة أنصار بيت المقدس من جانب آخر بالعمليات الإرهابية؛ ليصب كله في النهاية في صالح خطة واحدة؛ لإنهاك وإخضاع الدولة المصرية وجيشها، وهو ليس تنظيما بالمعنى، بل يتكون من مجموعات صغيرة العدد ولا توجد بينها علاقة تنظيمية واضحة بقدر ما يوجد بينها من رابط عقدي وأيديولوجي، وفي الوقت نفسه ينفي "بان" وجود علاقة مؤكدة مع حماس، مشيرا إلى أن "أعضاء بيت المقدس هم ممن انقلبوا على حماس، واعترضوا على التهدئة مع الصهاينة؛ بدليل أن حماس ضربت مسجدا للسلفية الجهادية لتأكيد احترامها لاتفاقها مع إسرائيل".
تعامل "الإخوان" مع الجماعات الجهادية والتكفيرية- ومن ضمنها جماعة أنصار بيت المقدس- على أنها مخزون إستراتيجي يمكن أن يستخدم لصالحهم لو تطلب الأمر، تاركة لهم حرية الحركة من خلال فتح الأبواب والمعابر، وبعد سقوط "الإخوان" والرئيس مرسي، تواصلت قيادات بمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان بمصر مع أنصار بيت المقدس، وقدموا لها دعما ماديا ومعنويا ولوجستيا، وأصبح هناك ما يشبه التنسيق فيما بين "الإخوان" وجماعة بيت المقدس، فهما ليستا جماعة واحدة من الناحية التنظيمية، ولكنهما متقاربتان من حيث التوظيف السياسي.
ولجماعة "أنصار بيت المقدس" شقان، أحدهما شق متواجد في غزة، وشق آخر مصري متواجد في سيناء، وتمويلهما في الفترة الأخيرة يأتي من جماعة "الإخوان" لخدمتها، طبقا لاتفاقية عقدها المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة، بوساطة من المهندس محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم القاعدة، وبمشاركة من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" طبقا للتهدئة التي أجراها الدكتور محمد مرسي أثناء حكمه؛ ليكونوا عونا لـ"الجماعة".