جبهة النصرة: "أفغنة" سوريا .. صراعات النفط
الأربعاء 11/سبتمبر/2019 - 11:30 ص
طباعة
- التاريخ والنشأة
- الهيكل التنظيمى
- عمليات مشتركة تم تنفيذها
- المرتكزات الفكرية
- أهم العمليات
- أهم الشخصيات
- الانتقادات الموجهة لجبهة النصرة
التاريخ والنشأة
تنتمي منظمة جبهة النصرة للفكر السلفي الجهادي، وتعود البدايات الأولى لها، إلى ديسمبر 2011 خلال الأزمة السورية، وقد نمت قدراتها بعدها، لتصبح في غضون أشهر من أبرز القوى المعارضة للنظام السوري.
تتكون الجبهة من المجاهدين الإسلاميين السُنّة، الذين كانوا جزءًا من تنظيم القاعدة بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، وكان أبو مصعب يقاتل القوات الأمريكية في العراق، وعقب اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، أرسلت القاعدة هؤلاء المجاهدين إلى سوريا، وتم عقد عدد من الاجتماعات بين أكتوبر 2011 ويناير 2012، في ريف دمشق وحمص بوسط سوريا، بحضور العديد من عناصر التنظيم، الذين قاتلوا في العراق وأفغانستان والشيشان وغيرها.
كذلك ضمت جبهة النصرة مقاتلين عربًا وأتراكًا وأوزبك وشيشانيين وطاجيك وقلة من الأوروبيين، كما التحق بها عددٌ من الأمريكيين ذوي أصول جنوب آسيوية، وانضموا إلى القتال في سوريا، ومنهم "سينه نجوين فينه نغو"، المعروف باسم حسن أبو عمر غنوم، والذى اعتقل في ولاية كاليفورنيا في 11 أكتوبر 2013.
بلغ عدد أعضاء جبهة النصرة عام 2013 ما يقارب الستة آلاف عضو، يتوزعون في هيكل تنظيمى يختلف بحسب المناطق في سوريا، ففي دمشق العاصمة التي يسيطير عليها النظام، يعمل التنظيم من خلال عدد من الخلايا السرية، بينما يختلف الأمر في حلب التى يسيطر على أجزاء منها، وينتظم في شكل مجموعات على أسس عسكرية شبه تقليدية، عبارة عن وحدات مقسمة إلى ألوية، وأفواج وفصائل، بحيث يخضع المجندون في التنظيم لدورة تدريبية لمدة 10 أيام، يليها برنامج للتدريب العسكري لمدة تمتد إلى 20 يومًا.
الهيكل التنظيمى
أبو مصعب الزرقاوي
يتكون تنظيم جبهة النصرة من تسلسل هرمي من الهيئات الدينية، يأتي في قمتها "مجلس الشورى العام للمجاهدين"، وتتفرع منه مجالس شورى أصغر في المناطق كافة، تكون مهمتها اتخاذ القرارات الوطنية نيابة عن المجموعات، يرأسها "الأمير"، وهو شخصية سياسية ودينية في آن، ويخضع له أُمراء محليون في المحافظات والمدن السورية، وهناك أهداف محددة وناشطون ينفذون العمليات، ومنها تجنيد الأموال وامتلاك وسائل القتال وتهريبها إلى سوريا، كما توجد أقسام الشئون الدينية، الإعلام، والعلاقات الخارجية.
يسيطر رجال الدين على التنظيم، حيث يوجد في كل منطقة قائد للمجموعات القتالية، وشيخ يشرف عليه من منظور ديني، بمعنى أنه الضابط الشرعي لعمل المجموعة، وتعد "كتائب الشام" أبرز كتائب النصرة المسلحة.
وللانضمام للجبهة يجب على المتقدم أن يستوفي عدداً من الشروط مثل الالتزام بالفروض الدينية، والحصول على تزكية من شخص موثوق، وإثبات الجدية والانضباط.
تكاد تكون جبهة النصرة الجماعة الوحيدة في سوريا التي لديها أعضاء داخل عدد من المؤسسات الحكومية، بما في ذلك أجهزة الأمن الحكومية والوحدات العسكرية، وبخاصة في دمشق، كما أن لديها عددًا من أنظمة التجسس المتطورة.
تقوم الجبهة بنشاط عسكري مكثّف في منطقة درعا، جنوب سوريا، ويحظى التنظيم بقدر كبير من التأثير على السكان المحليين (بالتعاون مع تنظيمات إسلامية أخرى)، وليس لها أو للتنظيمات الجهادية الأخرى حضور عسكري أو إداريّ يُذكَر في الساحل، حيث يقطن العلويون (طرطوس – اللاذقية)، أو في محافظة السويداء، حيث الطائفة الدرزية حاضرة بقوّة، وتحاول الجبهة الاستقرار في هضبة الجولان أيضًا، غير أنها ليست لديها قوة عسكرية تُذكَر حاليًّا، رغم أنها تمكنت مرةً من تنفيذ تفجير انتحاري، ألحق الضرر برمز حكومي مهم للنظام السوري (تفجير مبنى في بلدة سعسع، كان مقرًّأ لفرع الاستخبارات العسكرية لمحافظة القنيطرة).
البيان الأول لجبهة النصرة
أصدرت جبهة النصرة بيانها الأول في 24 يناير 2012، ودعت فيه السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السور، وأعلن مؤسس الجبهة "أبو محمد الجولاني" عن تشكيل جبهة لنصرة أهل الشام من المجاهدين.
وجاء في البيان الإعلان عن تشكيل كتائب المشرق العربي "كتائب الشام"، لتكون سيفًا لصد هجمات جيش الأسد، وحدد الهدف من إنشاء الجبهة بأنها جاءت سعيًا من مؤسسيها إلى الثأر للأعرضِ المُنتَهَكة في سوريا وتغيير منظومة الحكم في سوريا، إلى الحكم بشرع الله أولًا، وفي البلاد الإسلامية بعد ذلك.
كما هاجم البيان إيران قائلا إنه "لا يخفي على كلِّ عاقلٍ السعيَ الإيرانيَّ الحثيث معَ هذا النظامِ (البعث) منذُ سنين قد خلتْ، لزرعِ الصفوية في هذهِ الأرضِ المُباركةِ لاستعادة الإمبراطورية الفارسية، فالشام لإيران هي الرئتان التي يتنفسُ بها مشروعها البائد".
التكتيك القتالي للجبهة
تستخدم جبهة النصرة العديد من التكتيكات القتالية، والتي تختلف بحسب كل منطقة وطبيعة القتال فيها، ما بين سيارات مفخخة بالمتفجرات، والهجمات الانتحارية، واستهداف وتدمير نقاط التفتيش والحواجز التابعة للجيش السوري وداعش، والاعتداء على القواعد العسكرية، واغتيال شخصيات سياسية وعسكرية وموظفين وإعلاميين من النظام السوري.
وتقوم الجبهة بالعديد من العمليات ضد النظام السوري، ومنها الهجوم على قاعدة الدفاع الجوي، حيث قامت بتدمير مباني القاعدة وتخريب الرادار والصواريخ، بالتعاون مع الحركة الإسلامية "الفجر" ومجموعة من المقاتلين الشيشان.
وفي ديسمبر 2012، أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية جبهة النصرة على لائحة المنظمات الإرهابية، الأمر الذي لقي رفضاً من ممثلي المعارضة السورية، وقادة الجيش الحر وأطياف واسعة من الثوار.
علاقة النصرة بالجيش الحر والائتلاف الوطني والقوى الثورية الأخرى
تؤكد العديد من التقارير أن هناك تعاونًا مشتركًا في مجال العمليات بين جبهة النصرة والجيش السوري الحر، الأمر الذي أكده أبو حيدر، منسق الجيش السوري بحي سيف الدولة في حلب قائلًا: إن مقاتلي النصرة أشبه بالمقاتلين ذوي الخبرة " قوات الكوماندوز " والتى تشارك في العمليات العسكرية مع الجيش السوري الحر .
ووصفها أحد المقاتلين بجبهة الإنقاذ التي تندفع لإنقاذ خطوطنا في أوقات الضغط، ويتميز أعضاؤها بالانضباط مثل القوات الخاصة
وهناك العديد من الأصوات الساخطة داخل الثورة السورية تتهم الجبهة باختطاف الثورة وتحويلها من انتفاضة للمطالبة بنظام ديمقراطي، لجهاد من أجل إسقاط النظام السوري وإقامة دولة إسلامية، وهذا ما أكده أحد زعماء الثورة في مقاطعة إدلب قائلا "نحن لا نحارب بشار الأسد للانتقال من العيش في الأوتوقراطية إلى سجن الدينية".
وحول العلاقة بين جبهة النصرة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فتتميز بالتعاون في مجال العمليات بالداخل السوري وهو ما دعا "معاذ الخطيب" رئيس الائتلاف السابق، إلى مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة النظر في قرارها الخاص بوضع جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
العلاقة مع دولة العراق الإسلامية وداعش
ابي بكر البغدادي
تتشابك العلاقة بين جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية وتنظيم داعش التابعين للقاعدة، فقد تدرجت من مرحلة التحالف إلى الخلاف ثم الصراع الدموي على مناطق النفوذ.
ففي التاسع من أبريل لعام 2011، ظهر تسجبل صوتي منسوب لأبي بكر البغدادي، يعلن فيه أن جبهة النصرة امتداد لدولة العراق الإسلامية، وأعلن إلغاء اسمي جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية تحت مسمى واحد هو "الدولة الإسلامية في العراق والشام".
غير أن أبو محمد الجولاني مؤسس الجبهة، نفي ذلك في تسجيل صوتي، مؤكدًا أن مبايعته وتنظيم النصرة للقاعدة في أفغانستان وأيمن الظواهري فقط، ليبدأ الصراع بين الجولاني والبغدادي، لرفض الأول إعلان الاندماج، وعلى الرغم من هذا الصراع المحتدم بين التنظيمين عبر مجموعة من الرسائل الصوتية المتبادلة، إلا أن الواقع على الأرض في سوريا لم يسجل أي خلاف ظاهر بين الطرفين، بل إن 'الدولة' و'الجبهة' اشتركتا في جبهات ومعارك عدة ضد نظام بشار، وهو ما يؤكد وجود اتفاق غير معلن بين الطرفين لتحييد الخلاف على التبعية بينهما، عن القتال لإسقاط النظام السوري، وقيامهما معا بالعديد من العمليات العسكرية المشتركة.
ففي مايو عام 2013، ظهر شريط فيديو على الانترنت يظهر رجال ملثمين يقومون بتنفيذ عملية إعدام علنى لثلاثة ضباط علويين في في بلدة شرق الرقة، وحدد الرجال أنفسهم بأنهم أعضاء في الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وذكرت وكالة رويترز أن زعيم دولة العراق الإسلامية أبو بكر البغدادي كان قد سافر من العراق إلى محافظة حلب في سوريا، ويقوم بعدة محاولات لتولي قيادة النصرة.
هذا التخبط أدى إلى معاناة التنظيم من كلا الطرفين من الانقسام بين العديد من المقاتلين الأجانب داخل النصرة بين الجهاد تحت راية داعش أو النصرة، ودفع بعضهم إلى الانضمام إلى ألوية إسلامية أخرى.
في يونيه لعام 2013، ذكرت قناة الجزيرة أنها حصلت على رسالة كتبها زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، يطالب فيها البغدادي والجولانى بالاندماج، وأنه سيرسل مبعوثا من القاعدة للإشراف على العلاقات بينهما ووضع حد للتوترات، ولكن أبي بكر البغدادي رفض مطالب الظواهري وأعلن دمج المنظمتين في الدولة الإسلامية في العراق والشام.
عمليات مشتركة تم تنفيذها
اقتحام معسكر الفاتح شمال سوريا واقتحام مبنى أركان الجيش السوري، ومعركة الفوج 111 ومعركة كتيبة المدفعية بالميادين ومعركة حلب 2012.
اقتحام ثكنة هنانو وقتل 11 جنديًا، بالإضافة إلى قتل 32 جنديًا خلال غارة على قاعدة الرقة، والهجوم على قاعدة النعمان العسكرية في وادي ضيف في أكتوبر 2012.
الهجوم على قاعدة تفتناز الجوية في نوفمبر 2012، وهى قاعدة استراتيجية للجيش السوري، تحوي ما يقرب من 48 طائرة هليكوبتر.
قتل 28 جنديًا سوريًا بعد الاستيلاء على ثلاث نقاط تفتيش تابعة للجيش حول سراقب في نهاية أكتوبر 2012، ما اضطر الجيش السوري للانسحاب من المنطقة في اليوم التالي، وأعدم في هذه المعارك بعض الجنود الأسرى دون محاكمة، واعتبرتها الأمم المتحدة جرائم حرب محتملة.
في 23 ديسمبر 2012 أعلنت جبهة النصرة عن عمل منطقة حظر للطيران في مناطق بحلب، وذلك باستخدام مدافع مضادة للطائرات عيار 23 ملم و 57 ملم.
وحذرت الجبهة جميع الرحلات التجارية والمدنيين، من الصعود في رحلات جوية من الممكن أن يُشتبه في نقلها معدات عسكرية وقوات لدعم النظام السوري.
وفي مايو عام 2013، ألقي القبض على أعضاء تنظيم النصرة في تركيا في وقت لاحق، واتهموا بمحاولة شراء مواد كيميائية لإنتاج السارين، ليقرر مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة بالإجماع إضافة "جبهة النصرة لأهل الشام" إلى قائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعة لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وأستراليا وإنجلترا.
وتعد عملية خطف 13 من الراهبات من دير مسيحي في بلدة معلولا في ديسمبر عام 2013، من أهم العمليات التي أثارت الجدل حول جبهة النصرة، حيث تم احتجازهن حتى 9 مارس 2014، وقيل إن الحكومة القطرية دفعت 4000000 دولار فدية لهم، وقد أكدت الراهبات أنهن لم يتعرضن للمضايقة، وتلقين معاملة حسنة من مقاتلي النصرة.
مناطق السيطرة
تسيطر الجبهة منذ أول يوليو 2013، على مدينة الرمادي ذات الموقع الاستراتيجى المهم، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 16 ألف نسمة، وسرعان ما تحولت مناطق في شمال سوريا وشرقها، إلى مناطق نفوذ ودعم ليوجيستى للجبهة، من خلال السيطرة على البُنى التحتية الحكومية الحيوية بها مثل المطارات، وأنابيب النفط والغاز والسدود ومحطات الطاقة لإنتاج الكهرباء، ومخازن المحاصيل وتستفيد جبهة النصرة منها بفرض النفوذ، وتوفّر الأرباح المالية الناتجة دخلًا شهريًّا لتمويل دفع الرواتب، وشراء وسائل القتال، وتقديم الدعم للسكّان لوضع الأسس لبديل حكومي في هذه المناطق، غير الخاضعة حاليًّا لسيادة النظام السوري، من خلال هيئات ذات أهداف محدّدة، تعمل في المحافظات المختلفة، تقوم بتوزيع الطعام، الملابس، ومنتجات استهلاكية أخرى، وتفعيل أنظمة قضاء، شرطة، تربية، وصحة.
وتم توجيه انتقادات بارزة من جانب السكان، بسبب تطبيق قواعد سلوك متشدّدة، وأنماط عنيفة مثل التحكم بالموارد، إعدام الأسرى، وإساءة معاملة أبناء الأقليات الدينية.
مناطق التمركز والعمليات
تعد مدينة حمص مركزًا لجبهة النصرة، وتتركز أهم مناطق عمليات الجبهة بمحافظات أدلب وحلب ودير الزور والغوطة ففي خان شيخون الواقعة على بعد 65 كيلومترًا جنوب مدينة إدلب، تدور معارك طاحنة منذ 19 فبراير الماضي بين جيش النظام السوري وجبهة النصرة، وتحالف الجبهة الإسلامية الممثل في "صقور الشام"، و"أحرار الشام"، و"جيش الإسلام"، بالإضافة إلى تشكيلات مسلحة أخرى مثل "هيئة دروع الثورة"، و"هيئة حماية المدنيين"، و"لواء الأمة"، و"جند الأقصى"، و"مجاهدو الشام".
وتمثل "خان شيخون" أهمية خاصة للجبهة وقوات المعارضة المسلحة في سوريا، حيث إن الاستيلاء عليها يفتح المجال للسيطرة على الجزء من الطريق الدولي الذي يمر بها، وبالتالي قطع الإمدادات عن معسكري "الحامدية" و"وادي الضيف"، القريبين من معرة النعمان، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستنقل المعارك من محافظة إدلب التي تسيطر المعارضة المسلحة على معظمها، إلى محافظة حماة التي ما زالت معظم مساحتها تحت سيطرة النظام السوري، وتسيطرالجبهة مع عناصر من المعارضة على مواقع في بلدة مورك في ريف حماة، الواقعة على بعد سبعة كيلومترات فقط جنوب خان شيخون.
الصراع مع "داعش"
تسبب التطلع لبسط النفوذ إلى انقسام بين أعضاء النصرة وداعش، وحدوث عمليات قتالية بين الطرفين، كان أبرزها معارك دير الزور، ويتسابق الفريقان في تبادل الضربات الموجعة، مع أفضلية لـ"داعش" حتى الآن.
وتنقلت المعارك بين بلدة الصور، وكباجب، والحريجية، وغريبة شرقية، وتمكنت مجموعة تابعة لـ"داعش" يقودها "عمر الشيشاني" من السيطرة على "الصور" التى تقع على مسافة 30 كم شمال دير الزور، وحوالى 10 كم عن الشحيل، بعد معارك طاحنة سقط خلالها 40 قتيلاً على الأقل، بالتزامن مع تفجير "داعش" جسر بلدة الحريجية القريبة. وشنّت "النصرة" وحلفاؤها هجوماً معاكساً في محاولة لاستعادة الصور.
كذلك احتدمت المعارك بين الطرفين على مشارف بلدة كباجب في الريف الجنوبي الغربي، التي تتمتع بموقع استراتيجي، إذ تمثل بوابة إلى بادية الشام الممتدة نحو حمص وحماه، ما يُفسر المعارك الكثيرة حولها خلال الشهور الأخيرة.
وشهدت المعارك سقوط عدد من قادة حلف "النصرة ــــ الجبهة الإسلامية" البارزين، وعلى رأسهم أسامة محمد الرمضان المزعل. الملقب بأبو الخطاب، وهو أبرز وجوه "جيش الإسلام" في دير الزور. وقد سقط مع مجموعة تضم حوالى 20 مقاتلاً خلال معركة الصور.
ويبدو "داعش" مصمماً على بسط نفوذه على أكبر مساحة ممكنة من ريف دير الزور، ويحاول في سبيل ذلك السيطرة على نقاط استراتيجية أساسية، تؤمّن له لاحقاً منطلقات لربط مناطق نفوذه داخل الحدود العراقية، بنظيرتها في الرقة.
وتؤكد مصادر التنظيم أنّ الدولة ستتمكن قريباً من السيطرة على كل القرى الواقعة على ضفاف الفرات، وفي المقابل تحاول النصرة وحلفاؤها استعادة التوازن في المنطقة، التي تمثل السيطرة على نفطها أكبر أهداف الصراع فيها.
وكانت "النصرة" تحاول حتى وقت قريب السيطرة على حوض الخابور، إلا أنّ المعارك الجديدة نقلتها إلى موقع المدافع، وباتت العشائر الحصان الأسود الذي يتسابق طرفا الصراع على الفوز به، حيث يراهن داعش على تقوية حضوره العسكري في المنطقة، عبر استقطاب المزيد من العشائر إلى صفوفه، وبطريقة تتناسب طرداً مع توسع مناطق النفوذ، وكان قد عمد في سبيل ذلك إلى إنشاء «جيش الأنصار» في الرقة، وهو جيش عشائري بامتياز
التمويل والدعم الخارجي
تعد قضية تمويل جبهة النصرة من أكثر القضايا تعقيدًا، بسبب توجهات الجبهة وعدم وضوح أهدافها خارجيًا على الأقل، فعلى حسب نائب رئيس الوزراء التركي السابق عبد اللطيف سينير، الذي أكد أن تركيا قدمت دعما للنصرة تمثل في "كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة"، وأن المخابرات المركزية الأمريكي CIA، هي التي سهَّلت تقديم هذا الدعم من الحكومة التركية، بالإضافة إلى أن الاتهامات مازالت تلاحق قطر، وهى الدولة العربية الوحيدة على الأقل التى تقدم مساعدات إلى جبهة النصرة.
وأكدت تقارير استخباراتية عسكرية فرنسية وأردنية، أن النصرة حصلت على صواريخ طويلة المدى ومواد كيميائية، بعد استيلائها على مستودع للأسلحة الكيميائية في حلب ووحدة صواريخ بدرعا
وفي 30 مايو الماضي، ذكرت الصحف التركية أن قوات الأمن التركية اعتقلت مقاتلين من النصرة في المحافظات الجنوبية مرسين وأضنة القريبة من الحدود السورية، ووجدت معهم 2 كيلو من غاز السارين، قامت بمصادرتها .
وقال السفير التركي في موسكو، إن الاختبارات أظهرت أن هذه المادة الكيميائية ليست السارين وفي سبتمبر الماضى ذكرت لائحة الاتهام الموجهة إلى المقبوض عليهم أنها "محاولة للحصول على المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها لإنتاج السارين" وأنه "من الممكن إنتاج غاز السارين من خلال الجمع بين المواد في ظروف مناسبة .
كما انضم للجبهة عدد كبير من المقاتلين الأجانب، كنوع من الدعم المادي في الكوادر القتالية، ومعظمهم من أوروبا والشرق الأوسط، وكان منهم على الأقل 6 من المواطنين الأمريكيين المقيمين الدائمين
المرتكزات الفكرية
يتبنى تنظيم جبهة النصرة الأفكار الجهادية ذاتها التي تقوم على الجهاد، استنادًا إلى أفكار سيد قطب، القيادي والمفكر الإخواني ومن هذه الأفكار.
- إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة.
ـ تغيير منظومة الحكم في سوريا إلى الحكم بشرع الله أولًا وفي البلاد الإسلامية بعد ذلك.
- إسقاط حكومة الأسد من خلال الجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري.
ـ تشجع جميع السوريين للمشاركة في الحرب ضد الحكومة السورية.
ـ إقامة الدولة الإسلامية على أي أرض يتم تحريرها، ثم الانتقال لأرض إسلامية أخرى توجد بها ظروف مشابهة، حتى الوصول إلى تحرير جميع الأراضي الإسلامية.
إنشاء منطقة نفوذ تمتد من محافظة الأنبار في العراق والمناطق الشرقية الصحراوية في سوريا، ووضع الأراضي الإسلامية تحت إدارتها في نهاية المطاف.
أهم العمليات
تشن جبهة النصرة هجماتها، على أهداف تابعة أو داعمة للحكومة السورية، ومنذ يونيه لعام 2013، أعلنت الجبهة مسئوليتها عن 57 من الهجمات الانتحارية في سوريا ومنها:
1- تفجير واقتحام مبنى قيادة الأركان في العاصمة دمشق في أوائل أكتوبر ٢٠١٢.
2- تفجير مبنى المخابرات الجوية في حرستا
3- السيطرة على الفوج 46 ومعارك الغوطة ومعركة التوحيد والإخلاص وغيرها من العمليات.
4- تفجيرات المنشآت أمنية في دمشق اول مايو 2012.
5- تفجير فرع الأمن الجوّي وإدارة الأمن الجنائي بدمشق".
6- الهجوم على مقر جهاز الأمن في إدلب.
7- القيام بتفجيرات دمشق الانتحارية التى وقعت في حي الميدان في يناير 2012، ونفذها مقاتل يدعى أبو البراء الشامي
8- قتل 13 رجلا في دير الزور رميا بالرصاص، من مسافة قريبة في29 مايو 2012، وذلك بعد أن تم اكتشاف عملية إعدام جماعية وجثث مجهولة الهوية بالقرب من الجزء الشرقي من المدينة.
9- مهاجمة محطة تليفزيونية للحكومة السورية في بلدة دروشا، إلى الجنوب مباشرة من العاصمة دمشق، ودمرت استوديوهات المحطة بالمتفجرات، وتم قتل 7 أشخاص بينهم 4 حراس وثلاثة صحفيين، وأعلنت مسئوليتها عن الهجوم، ونشرت صورًا لـ11 موظفًا بالمحطة تم اختطافهم بعد الغارة.
10- تفجير ثلاث سيارات ملغومة في 3 أكتوبر 2012 بساحة سعد الله الجابري في حلب، قادها انتحاريون في الركن الشرقي من مدينة دمشق وقتل فيها 48 شخصًا، وأصيب 122 شخصًا، واستهدفت القنابل نادي الضباط و المباني القريبة من فندق سياحي، وتلقى الفندق أضرار كبيرة في حين دمر المقهى تماما.
11- القيام بعدد من التفجيرات الانتحارية في مدينتى دمشق وحمص
12- اختطاف الصحفي والاعلامى محمد السعيد في منتصف شهر يوليو 2012 والاعلان في أغسطس 2012عن مقتله
13- أعلنت الجبهة مسؤوليتها عن مهاجمة العديد من القواعد العسكرية السورية، بما في ذلك : قاعدة الدفاع الجوي في حي حلب في 12 أكتوبر 2012و ثكنة هنانو في مدينة حلب المدينة ثكنة الرقة العسكرية وقاعدة النعمان عسكرية والهجوم على قاعدة تفتناز الجوية في نوفمبر 2012، وهى قاعدة ذات موقع استراتيجى هام للجيش السوري، وتحتوي على ما يصل إلى 48 طائرات هليكوبتر
أهم الشخصيات
أبو محمد الجولاني
الجولاني
يعد أبو محمد الجولاني البالغ من العمر 39 عامًا، المؤسس الأول والفعلي لجبهة النصرة، ويلقب بـ"الفاتح"، ويتولى موقع الأمين العام لجبهة النصرة، وتعود بدايات الجولاني إلى مرتفعات الجولان التي ينسب إليها عندما كان معلمًا للغة العربية، وتم اعتقاله في سجون الأسد قبل أن يطلق سراحه عام 2008، توجه بعدها إلى العراق للقتال، وهناك انضم إلى صفوف "القاعدة"، وتعرّف على أبو مصعب الزرقاوي، لينضم إلى نشاط القاعدة الجهادي مع أبو بكر البغدادي قبل أن يحمل السلاح ضد نظام الحكم في سوريا وينضم الى الثورة السورية، وعقب عودته من العراق إلى سوريا بعد اندلاع الثورة أنشأ "جبهة النصرة" التي سُمع بها للمرة الأولى في يناير 2012، ليبرز كقائد لأقوى فصيل مسلح في الجبهة.
تتضارب المعلومات حول مكان تواجد زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني، فهناك من يؤكد جوده في سوريا، والبعض يقول إنه انتقل أخيراً إلى داخل الأراضي التركية، بحثاً عن ملاذٍ آمن.
وشددت مصادر من داعش العدو اللدود للنصرة، على أنه بات معروفاً أنّ الجولاني كان يتخذ من بلدة الشحيل مقرّاً آمناً له، لكن تزايد حدة المعارك في المنطقة، وخسارة النصرة نفوذها الذي كان مستقرّاً حتى وقت قريب، جعلا انتقال الجولاني منها ضرورة حتمية".
وأضاف "تلقينا معلومات تفيد بانتقاله إلى بلاد (رئيس الوزراء التركي رجب طيب) أردوغان، ونعمل على التأكد من ذلك، وأن القضاء على الجولاني سيقود بالضرورة إلى انهيار النصرة".
في يوم 18 ديسمبر عام 2013، قام مراسل قناة الجزيرة تيسير علوني السورى الجنسية بإجراء أول مقابلة تليفزيونية مع الجولاني دون أن يظهر وجهه، وسمع صوته فقط من خلال الشاشة، حيث كانت الكاميرا على الصحفي فقط وكان يضع فوق رأسه كوفية تخفي وجهه حتى لا يتم التعرف على هويته، وذكرت مجلة التايم الأمريكية في إحدى تقاريرها، أنه في إحدى الاجتماعات التي ضمت الجماعات المسلحة البارزة وحضره قادة كتائب أحرار الشام ولواء صقور الشام ولواء الإسلام وغيرها من الكتائب، أن أبا محمد الجولاني جلس متلثما رافضًا الكشف عن هويته، وجرى تقديمه إلى الحضور بمعرفة أمراء الجبهة في حلب وإدلب، والجبهة عمومًا مصبوغة بهذا النوع من التكتم والسرية، وترفض التصوير والتصريح لأحد إلا بإذن مسبق من الأمير، كما ترفض الإدلاء بأي معلومة تخص أسماء القيادات أو أعداد المقاتلين أو مصادر التمويل.وتظل هوية أبو محمد الجولاني سرًا خافيًا لا يعرفه حتى أكبر قادة الجماعات الإسلامية المجاهدة.
أبو ماريا القحطاني
القحطاني
أبو ماريا القحطاني، أو "ميسرة هراري" أو "ميسر علي موسى عبد الله الجبوري"، كلها أسماء لشخص واحد، برز في جبهة النصرة باعتباره المسئول الشرعي في جبهة النصرة، وتؤكد المصادر أنه عراقي أو سوري الأصل، وهو ليس مجرد شيخ يقضي وقته في الإفتاء لجماعته، بل هو أيضاً قائد عسكري محنك، له تجربة طويلة في الجهاد بالعراق، وهذا ما أهله ليستلم أيضاً منصب أمير المنطقة الشرقية بكاملها التى تضم " الحسكة وديرالزور"، علاوة على قيادته للكثير من المعارك.
بقيت شخصية أبو ماريا القحطاني سرية ومحاطة بسور من الغموض، كشخصية أغلب قيادات جبهة النصرة مثل زعيمها الفاتح أبو محمد الجولاني، وقائدها العسكري العام أبو سمير الأردني، حتى أن الكثيرين شككوا بوجود هذه الشخصيات، واعتبرها البعض مجرد شخصيات وهمية لا حقيقة لها على أرض الواقع وأنها ليست أكثر من ديكور لضباط مخابرات، لكن السرية والغموض التي تلف هذه الشخصيات بدأت بالتآكل، وبشكل خاص بعد الخلاف الذي نشب بين قيادة جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، حيث بدأت تسريبات كثيرة تظهر إلى العلن بخصوص ملامح ومعالم بعض الشخصيات القيادية في التنظيمين.
وأبو ماريا القحطاني هو المسئول الشرعي في جبهة النصرة، في دلالة أكيدة على أن هوية الرجل أصبحت مكشوفة ومعروفة،
وبحسب مصدر جهادي، فإن أبو ماريا القحطاني أو ميسرة هراري هو قيادي كبير في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، لكنه انشق عنها قبل بدء الأزمة السورية.
وقالت المصادر الجهادية، إن أبو ماريا القحطاني ما هو سوى "ميسر جبوري"، وهو من القيادات الجهادية المعروفة في العراق.
يؤكد ما ذكرته المصادر أن الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت عبر وزارة المالية في كانون الأول من عام 2012، قراراً يقضي بمعاقبة شخصين عراقيين لعملهما نيابة عن تنظيم القاعدة وكونهما من قيادات جبهة النصرة، وأحد هذين الرجلين هو "ميسر علي موسى عبدالله الجبوري".
وقال القرار الصادر عن وزارة المالية الأميركية، إن ميسر علي موسى عبد الله الجبوري انتقل من الموصل بالعراق إلى سوريا، في أواخر عام ٢٠١١ لاستغلال البيئة الأمنية السورية السانحة لنقل أيديولوجية تنظيم القاعدة إلى سوريا وتشكيل مجموعات إرهابية ذات تفكير مماثل، واعتبارًا من منتصف عام 2012، أصبح الجبوري القائد الديني والعسكري لجبهة النصرة في شرق سوريا، كما تولى إدارة معسكر تدريب لأفراد الشبكة.
أبو همام الشامي
ابي همام الشامي
أبو همام الشامي أو السوري، والذي يعرف أيضاً باسم فاروق السوري، القائد العسكري العام في جبهة النصرة.
تعود البدايات الجهادية لأبو همام السوري، عندما سافر إلى أفغانستان أواخر تسعينيات القرن الماضي بين عامي 1998، 1999، حيث التحق بمعسكر الغرباء التابع لأبي مصعب السوري لمدة عام، ثم انتقل بعدها إلى معسكر الفاروق ومن ثم معسكر المطار لتدريب القوات الخاصة، وتخرج من المعسكر بالمرتبة الثانية، بعد أبي العباس الزهراني، أحد منفذي هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة عام 2001.
وبايع السوري أسامة بن لادن مصافحةً، الأمر الذي يعتبر من المآثر ودليل ثقة بالشخص الذي يرشح لنيل هذه الحظوة، وعُيّن مسئولاً عن السوريين في أفغانستان، وشارك في معظم معارك تنظيم القاعدة في تلك المرحلة.
وبعد احتلال أفغانستان من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، كلّفه مصطفي أبو اليزيد بالعمل في العراق قبيل سقوط بغداد، حيث مكث فيها لمدة أربعة أشهر بتكليف رسمي من قيادة تنظيم القاعدة في خراسان، والتقى خلال هذه الفترة بكل من أبي حمزة المهاجر (أمير القاعدة في العراق قبل تأسيس دولة العراق الإسلامية)، وأبي مصعب الزقاوي.
اعتقل أبو همام الشامي في لبنان لمدة خمس سنوات، وبعد الإفراج عنه التحق بتنظيم "القاعدة في بلاد الشام"، ويشغل حالياً منصب المسئول العسكري العام للنصرة.
الانتقادات الموجهة لجبهة النصرة
ـ تتهم الجبهة بأن أعضاءها يهاجمون المعتقدات الدينية لغير أهل السنة في سوريا بما في ذلك العلويين.
ـ تظهر دائما بأنها أقل تركيزا على إسقاط حكومة الأسد من التركيز على إنشاء منطقة نفوذ لدولة إسلامية
ـ تُتهم بأنها مستخدمة من قبل الحكومة السورية، في هجمات ضد المدنيين، وأن النظام السوري يستغلها لإلقاء اللوم على الثوار السوريين.
ـ هناك العديد من الأصوات الساخطة داخل الثورة السورية، تتهم الجبهة باختطاف الثورة وتحويلها من انتفاضة للمطالبة بنظام ديمقراطي، لجهاد من أجل إسقاط النظام السوري وإقامة دولة إسلامية.
ـ الجبهة وداعش حوّلت سوريا إلى مركز جذب للجهاديين الذين أنشأوا أطرًا عسكريّة جهاديّة تنتهي في أغلب الأحيان بحرب أهلية.
تخلق هذه التنظيمات بدون شك موجة من الاضطراب الإقليمي في مصر وليبيا وباقى الدول العربية.
ـ على المدى المتوسط والبعيد، يُتوقّع أن تحاول جبهة النصرة وتنظيمات جهادية سلفية أخرى الاستيلاء على الثورة السورية حال نجاحها، لتحقيق حلم الخلافة الإسلامية في سوريا الكبرى، وإن كانت تحول دونه صعوبات عديدة، كالطابع السياسي والاجتماعي لسوريا كدولة متعددة المذاهب والأديان.
ـ التخوف من أن تتحول الى مجموعات قتالية إرهابية ضد الدولة ونظام الحكم الجديد في سوريا مثل النموذج الليبي، بعد استيلائها على مخزون السلاح لدى النظام السوري.
ـ الخشية من أن تتحول الى مركز لتصدير الإرهاب للدول الغربية بعد اكتسابها خبرة عملياتية ومهارات قتالية في سوريا
ـ يمكن أن ينشئ الناشطون الجهاديون بها بنى تحتية لعمليّات إرهابية في مواطنهم، ويمكن أن يجري ذلك بمبادرتهم أو بتوجيه من جبهة النصرة وتنظيمات جهاديّة أخرى، مثل النموذج الأفغاني في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.