استنكار الدعوة السلفية زيارة الرئيس للكنيسة يُدحض دعاواها بمشاركة الأقباط سياسيًا
الخميس 08/يناير/2015 - 10:09 م
طباعة
أوردت المواقع الإخبارية والصحفية استنكار سامح عبدالحميد، القيادي بالدعوة السلفية، زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي، أول أمس الثلاثاء، إلى الكنيسة الأرثوذكسية، لحضور قداس عيد الميلاد، وتهنئة المسيحيين، معتبرًا زيارته تغذية للإرهاب والتكفير، خاصة أنه سيتم استغلالها ضد الإسلام، واصفًا في نفس الوقت ذلك بـ"المصيبة".
وأضاف عبدالحميد، يوم الأربعاء، في تصريحات لـجريدة "التحرير"، أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والرئيس الأسبق، حسني مبارك، لم يزورا الكنيسة قط، إنما كانا يرسلان مندوبين عنهما، مشيرًا إلى أنه ليس من الحنكة السياسية ولا الشرعية زيارة الرئيس بنفسه، لأن ذلك يُعطي فرصة للنصارى، للمطالبة ببناء كنائس أكثر، بجانب تضييقه من الناحية الأخرى على مشايخ الدعوة السلفية، في اعتلائهم المنابر، ولم يسع إلى حلها.
ونصح عبدالحميد، الرئيس السيسي، بالتوبة إلى الله عما فعله، وأن يختار كل من، نائب الدعوة السلفية ياسر برهامي، الداعية السلفي محمد حسان، مستشارين يستفتيهما في الأمور الشرعية، لما فيه صالح للبلاد.
وتابع عبدالحميد، الدعوة السلفية لم توقع شيكًا على بياض للرئيس السيسي وليس علينا فواتير لأحد، وسنُعارضه عندما يُخطئ، ونحن أبرياء من تلك الزيارة، لافتًا إلى أنه عندما ذهب الرئيس المعزول محمد مرسي للعزاء في وفاة البابا شنودة، تحدث بكلام فاحش مخالف للعقيدة الإسلامية، وتم معارضته على ذلك.
مواقف سابقة
حينما نقرأ خبرًا كهذا يتبادر إلى الذهن مواقف الدعوة السلفية المتكررة في عدائها للمسيحيين من ناحية ومن ناحية أخرى ردود الأفعال الداخلية والخارجية عن تلك الزيارة، ويتبادر أيضا إلى الذهن سؤال جوهري خاصةً ونحن على أبواب الاستحقاق الديمقراطي الأخير وهو "الانتخابات البرلمانية"، فكيف لحزب سياسي من المفترض أن يخوض انتخابات برلمانية أن يكون طائفيًا ساعيًا لهدم المجتمع والتفرقة بين أبنائه، رغم أن مثل هذه الأحزاب لا يسمح بها الدستور المصري.
الدعوة السلفية ضد الأقباط
الدكتور ياسر برهامى نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية والذي يريد الاستاذ سامح عبد الحميد تعيينه مستشارا للرئيس السيسي، أشار في وقت سابق إلى أن حزب النور يبحث ضم أقباط لقوائم الحزب في الانتخابات البرلمانية القادمة، مما يوقعه في تناقض واضح في رؤيته الشرعية لمسألة مشاركة الأقباط في العملية السياسية، حيث سبق أن أصدر مجموعة من الفتاوى حرم فيها بشكل قاطع تولى الأقباط مجموعة من المناصب بينها عضوية البرلمان، بحسب فتوى صادرة عن برهامي في 24 ديسمبر عام 2011 بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية السابقة أكد أنه لا يجوز للمسيحي الترشح للانتخابات البرلمانية نظرا لأنها سلطة تشريعية ورقابية، وبذلك فإنه سيمكنه عزل رئيس الدولة ومحاسبة الحكومة، وأضاف:” لا يحل للكافر أن يتولاها“، في إشارة للمسيحيين. أكد برهامي في الفتوى التي أصدرها على موقع "صوت السلف" و لازالت موثقة عبر إحدى الصفحات التابعة له على شبكة "الفيسبوك" للتواصل الاجتماعي.
وفي باب (فتاوى حول النصارى)، في موقع (صوت السلف) الذي يحرره ياسر برهامي، يمكن العثور ببساطة علي مجموعات من الفتاوي التي تحض علي الكراهية، وتعبر عن قناعات شديدة التطرف تناقض أبسط مبادئ الوحدة الوطنية وأسس التراص المجتمعي.. إذ قال بوجوب عدم حضور حفلات عقد قران الأقباط لأنها تذكر فيها عبارات تخالف العقيدة، لكنه أباح الذهاب للتهنئة بالقران في البيت بشرط (إن كانوا من غير المحاربين لنا في الدين).. وقد وافق على أن النصارى الموجودين اليوم هم أهل كتاب، ولكنه أضاف: (هم أهل كتاب ممن قال فيهم الله: «إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية).. متجاوزا عن الاستثناء الواضح في الآية التي تقول: (إن الذين كفروا من....) ولم تقل كل أهل الكتاب.. وللكفر أحكام واضحة في القرآن تنطبق أيضا علي المسلمين الذين قد يكفرون. وأفتي (برهامي) بأنه يجوز تعزية الأقباط، لكن لا يجوز السير في جنائزهم، إذ يرفع فيها الصليب، وأجاز للطبيب المسلم أن يعالج (نصرانيا) مستندا إلي أن صحابيا رقي (مشركا) بالفاتحة، وأضاف: (فإذا كان الطبيب يعمل في مستشفى حكومي فإن هذا نوع من الإحسان)، وأجاز أن يدعو المسلم للنصراني بشرط أن يكون دعوة بالهداية.. وأن يكون ذلك سرا لا جهرا.. إلا إذا كان المسلم يمارس الدعوة من أجل الإسلام.
وأفتي (برهامي) بأن محاربة التنصير أولي من بناء مسجد، وأن من يقول لمسيحي سيادتك وحضرتك إنما يرتكب إثما لأنه يقول ذلك لمنافق، ونهي عن تهنئة المسيحيين بالأعياد، لأن فيها تعظيم شرك بالله، ما يعني أن كل من يحضرون عيد القيامة في البطريركية يرتكبون إثما، وقد اعتبر أيضا أن من يقول أن المسيحيين أفضل من المسلمين في المعاملة يجب إقامة الحجية عليه قبل تكفيره.
رد الأزهر على السلفيين
هاجم عدد من علماء الأزهر تصريحات القيادي بالدعوى السلفية، سامح عبدالحميد، التى دعا فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالتوبة إلى الله لأنه ارتكب "معصية"، بزيارة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مساء أمس الثلاثاء، لتهنئة الأقباط بعيدهم، وحضوره قداس عيد الميلاد المجيد.
وقال عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، إن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للكنيسة نوع من "الود ولم الشمل"، وليست محرمة كما يدعي قيادات الدعوة السلفية، معتبرا أن البلاد تعيش في ظروف عصيبة، ومثل هذه التصريحات لا تصب في مصلحة الوطن، ويتم استغلالها من قبل العدو، لإظهار أن الدولة بها تفرقة عنصرية ودينية وطائفية.
وانتقد الأطرش في تصريحات لـ"التحرير"، وصف الزيارة بـ"المعصية"، قائلا: إن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ومفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام زارا الكنيسة، قبل زيارة الرئيس وإذا كانوا يعلمون أنها "معصية" لما فعلوها، وحذروا الرئيس من فعلها.
وأشار إلي أنه يجوز تهنئة الأقباط بأعيادهم، و الدين يسر وليس عسر، موضحا أن السلفيين ليسوا متخصصين في شئون الفتوى، وأدعو لهم بالهداية إلي الطريق المستقيم.
من جهته أعتبر الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، تصريحات القيادي السلفي بـ"شاذة"، ومكانها "سلة القمامة"، مضيفا أن الدعوة السلفية تتبع الفكر التكفيري والمتطرف.
وقال كريمة في تصريحات لـبعض الصحف إن تهنئة الأقباط بأعياد ميلادهم نوع من البر الذي أوصى به رسول الله نحو الأقباط، مشيرا إلي أن رسول الله شارك يهود المدينة في احتفالاتهم بالصيام لنجاة سيدنا موسي المعروفة بـ"عاشوراء"، وأصبحت سُنة متبعة إلي يوم القيامة.
وأكد كريمة، أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للكنيسة تعتبر موقفا وطنيا، يدل على فهمه الواعي للمواطن، وعدم التفرقة بين المواطنين في دولة مدنية حديثة، معتبرا أن الزيارة يتشرف بها المسلمون قبل المسحيين، وتجسد روح التسامح والإنسانية والوسطية في واقعة غير مسبوقة من رؤساء الدولة من قبل.
وطالب أستاذ الشريعة بالأزهر، الجهات المعنية برفع دعوى قضائية ضد مثيري الفتن الطائفية من مشايخ الدعوة السلفية، الذين يحتقرون "الشريعة المسيحية".
المعركة بن الافتاء والسلفيين
ومعركة الفتاوى بين قيادات الدعوة السلفية وذراعها السياسي حزب النور من ناحية، والمؤسسات الدينية والمجتمع المصري من ناحية أخرى وعلى رأسها دار الإفتاء، حول مشاركة الأقباط في احتفالات عيد الميلاد وتهنئتهم لا تنتهي.
والبداية كانت مع تصريح الدكتور طارق السهري، القيادي بجماعة الدعوة السلفية، والذي أكد أن السلفيين لن يشاركوا في أي احتفالات خاصة بالأقباط، مؤكدا أن الدولة "لن تقف أمام تهنئة المسلمين للمسيحيين بمناسبة العيد من عدمه".
وتداول نشطاء علي "فيسبوك"، فتاوى قديمة لقيادات سلفية، تحرم فيها تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، معتبرين أنها "بدعة واعتراف من المسلمين بدينهم وذلك مخالف للشريعة الإسلامية".
في المقابل، أجازت دار الإفتاء المصرية، تهنئة المسيحيين ومشاركتهم في الاحتفالات بأعيادهم، معتبرين أن ذلك "بر وإحسان أمر به الإسلام في التعامل مع غير المسلمين".
وقالت الإفتاء في بيان رسمي لها صباح يوم الثلاثاء الماضي: "أنه من الجائز تهنئة الأقباط بأعيادهم»، موضحة أن "هذا الفعل يندرج تحت باب الإحسان الذي أمرنا الله عز وجل به مع الناس جميعا دون تفريق"
وأضافت الأوقاف في الرد على بعض الفتاوى التي وصفتها الدار بـ"الشاذة" التي تحرم تهنئة "شركاء الوطن" أن الإهداء وقبول الهدية من غير المسلم جائز، مؤكدة أن النبي محمد كان يقبل الهدايا من غير المسلمين، موضحة أن علماء الإسلام فهموا من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مشروعة أو مستحبة لأنها من باب الإحسان، وإنما لأنها سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يأتي هذا الجدل والخلاف الذي تثيره الدعوة السلفية حول زيارة الرئيس السيسي للكاتدرائية وتهنئة المسيحيين بأعيادهم، في ظل اجماع شعبي حول هذا الزيارة ليس فقط بل اشادة واسعة من المجتمع الدولي.
فهل تسبح الدعوة السلفية ضد تيار المواطنة والالتزام بحقوق وحريات الأخر؟ أم انها سوف تتخذ موقف عدائي من الأخر ملتزمة بمنهجها الفكري المعادي للأخر أيا كان بسبب الجنس أو المعتقد ؟ وكيف تستعد للانتخابات البرلمانية وهي تقوم بنفي فصيل وطني مهم في المجتمع المصري؟ وسؤال أخير يطرحه مثل هذا الموقف المعادي للأقباط في مصر من قبل الدعوة السلفية ألا وهو: هل حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية حزب ديني أم حزب سياسي؟ والاجابة على هذا السؤال قد تحدد بدرجة كبيرة موقف حزب النور والدعوة السلفية من الحياة السياسية في مصر.