الخط الرسالي.. الواجهة الشيعية في المغرب
الخميس 26/فبراير/2015 - 03:06 م
طباعة
عاد الحديث عن الوجود الشيعي في المغرب إلى الواجهة، مع منح السلطات المغربية رخصة لنشاطات مؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والأبحاث"، الشيعية، لتثير حالة من الغضب بين الجماعات السنية المتطرفة في المغرب، وأوقد حربا خفية بين شيعة ودعاة وشيوخ مغاربة، وتبادل الطرفان اتهامات بشأن "التحريض على الفتنة والكراهية والتفرقة بين أفراد المجتمع الواحد".
مؤسسة الخط الرسالي
المجموعة الشيعية "الخط الرسالي للدراسات والنشر" حصلت على الترخيص بالنشر عقب رفض وزارة الداخلية المغربية أكثر من مرة لطلب الترخيص، واستطاعت المؤسسة أن تحصل على الترخيص من المحكمة التجارية؛ من أجل إقامة مؤسسة اقتصادية تخضع لقانون الشركات.
وكان التيار قد لمح بداية سنة 2014 عن توجه للعمل القانوني والتوسع في كافة المدن المغربية، وهو القرار الذي لقي الكثير من الترحاب من قبل أتباع هذا التيار داخل وخارج المغرب، لكن القطيعة الدبلوماسية بين المملكة وإيران، وحرب الداخلية ضد هذا المذهب أَجَّل الخطوة.
وتأسس الخط الرسالي بالمغرب في 19 يناير من سنة 2012 من قبل عصام الحسني أحميدان، الذي تجنب في حوار على موقعه نشر، يوم 31 يناير 2015، الحديث عن "الترخيص" الذي حصلت عليه المؤسسة الجديدة بشكل واضح، رغم تقديمه كأنه "رئيس تحرير موقع الخط الرسالي وعضو مجلس إدارة مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر ومدير مركز الخط الرسالي للدراسات والأبحاث".
وترفع المؤسسة شعار "التنوير، التغيير، التحرير" أي:
- التنوير: من خلال معركة مواجهة التخلف والتطرف.
- التغيير: من خلال معركة مواجهة الفساد والاستبداد.
- التحرير: من خلال معركة استكمال وحدتنا الترابية واستقلالية قرارنا الوطني.
أيديولوجية المؤسسة
يعرف الخط الرسالي وفقا لوثيقة "الميثاق الرسالي" أنه: "خط عقائدي ينتصر لنمط من التدين لأجل تحقيق العبودية لله تعالى في كافة مناحي الحياة"، ويقدم نفسه بالمغرب كـ "تيار وطني مستقل في إمكاناته وقراراته، يستند إلى المرجعية الإسلامية، ويعتبر أن طبيعة الصراع القائم بين الخط الرسالي وباقي الخطوط حضاري ذو جوهر ثقافي، تمثل فيه السياسة والاقتصاد أدوات للهيمنة الثقافية".
ووضع "الخط الرسالي" مبادئ للعمل في الداخل المغربي وهي:
أولا: احترام وحدة المذهب السني المالكي كاختيار عام وعدم الإضرار به والدعوة لحيادية واستقلالية المؤسسة الدينية الرسمية عن كل الحركات والأحزاب والجماعات، وعدم السماح لأفراد التيارات الدينية والسياسية باختراق الحقل الديني الرسمي وتوظيفه لفائدة طرف ضد آخر، ولتكون المؤسسة الدينية الرسمية معبرة عن عموم المغاربة.. لكننا أيضا نؤكد على ضرورة احترام حرية المعتقد وضمانه لكافة المواطنين، لكونه مبدءا أصيلا في ديننا {لا إكراه في الدين}، ومنسجما مع العهود والمواثيق الدولية وكل المرجعيات الكونية لحقوق الإنسان.
ثانيا: المذهب حالة فردية وليس مشروعا مجتمعيا يفتت المجتمع عصبيا وطائفيا، وبالتالي فلا ينبغي تحويل "الدين" و"المذهب" إلى محددات للهوية الجماعية وقاعدة للعمل المدني والسياسي.
ثالثا: دولة الإسلام مفهوم نسبي ما دامت السلطة غير مقدسة وفهم الدين وتنزيله على الواقع أمر بشري قابل للنقد والتقويم، وبالتالي فدولة الإسلام هي دولة مدنية ذات وظيفة رسالية.. وشعار "دولة الإنسان طريقنا نحو دولة الإسلام"، لا يعني أننا لسنا في دولة إسلامية، بل يقصد أن المشروع الإسلامي اختيار شعبي لا يمكن فرضه بالقوة أو بطريقة انقلابية، وإلا فإنه وإن كان شرعيا فإنه لا يستوفي شرط المشروعية إلا إن حاز على ثقة الجماهير.
رابعا: العمل من داخل المجتمع المدني والسياسي بالمغرب حق دستوري وقانوني لكل مواطن مغربي، وممارسة العمل المدني والسياسي يتم من خلال المشروع المجتمعي على قاعدة المواطنة لا من خلال الهوية الدينية أو العرقية أو القبلية، وهو مثبت في قانون الجمعيات والأحزاب السياسية بالمغرب.
ويقول رئيس تحرير موقع الخط الرسالي وعضو مجلس إدارة المؤسسة: إن مؤسسة الخط الرسالي هي مختصة بالدراسات والابحاث وبالنشر والتوزيع، وهي في خدمة الباحثين جميعا بما ينعش الحركة الثقافية المغربية، إلى جانب غيرنا من المراكز البحثية في هذا الوطن.
ويضيف عصام الحسني أحميدان، المؤسسة لا تتدخل في الشأن الديني والمذهبي وتعمل في المستوى الفكري النخبوي وباعتبارها حركة القراءة والبحث، والدليل على ذلك أن المؤسسة مستعدة للتعاون مع مختلف الباحثين من كل الأطياف الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
ولكنه يعتقد: "أن الخط الرسالي بات اليوم أمل جل أتباع أهل البيت النبوي في المغرب؛ لأنه يدافع عن حرية المعتقد ويناضل من أجلها ويسمع الآخرين صوت الإسلام الأصيل المنفتح، بعيدا عن التحجر العقائدي.. فهذا الخط أنسب لهذا الوطن من جهة انفتاحه واستقلاليته وهما شرطان ضروريان لنجاح أي خط".
وعينت المؤسسة ممثلين لها بعدد من المدن المغربية، ففي مدينة طنجة كان هناك خالد بنتحايكت، ومحسن البقالي، وعصام أحميدان الحسني "عضو مجلس الإدارة"،
وفي مدينة فاس يمثل المؤسسة عبد الحفيظ بلقاضي، وفي مدينة مكناس يمثل المؤسسة عبدو الشكراني، وفي مدينة الرباط يمثل المؤسسة سليمان الهواري، وفي مؤسسة مدينة الدار البيضاء يمثل المؤسسة كل من نور الدين أبو ريحانة، ومحمد محمدي الحموشي، وفي مدينة وادزم يمثل المؤسسة الحبيب الغايثي.
الشيعة في المغرب
أما عن عدد الشيعية في المغرب فلا توجد إمكانية لإحصاء عددهم بالبلاد، فالشيعة المغاربة يتواجدون في معظم المدن بالبلاد، أهمها مدن طنجة ومكناس والرباط وفاس ومكناس.
وتعتبر مدينة طنجة "عاصمة" للشيعة المغاربة، والذين لا يخفون مذهبهم، ولا علاقاتهم بمغاربة بلجيكا، الذين سار عدد لا بأس منهم في هذا الطريق.
وكشفت تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في العالم، أن هناك 8 آلاف مغربي يعتنقون المذهب الشيعي. وكانت تقارير إعلامية تحدثت عن تزايد أعداد المغاربة الذين يتوجهون للعراق لحضور مناسبات دينية شيعية، وهو ما يعني اعتنقاهم للمذهب.
ويقول عصام الحسني أحميدان: إن لم نقل إنه من غير الأخلاقي أن يتم التعامل مع مواطنين مغاربة بلغة الأرقام، فالمهم أنهم موجودون في كل المدن المغربية وبمختلف المواقع الاجتماعية والسياسية وبالجالية المغربية في الخارج، وهم لا يطلبون سوى أن يتم التعامل معهم بمنطق المواطنة، وعدم التمييز على أساس المعتقد، وأن يكون الملك بما هو الضامن للحرية الدينية بالمغرب، وبوصفه أميرا لكل المؤمنين وليس فقط للسنيين المالكيين ضامنا لحرياتهم وحقوقهم .
و بخصوص عدد الشيعة المغاربة كما ورد في التقرير الرسمي الأمريكي، والذي حددهم في 8 آلاف شيعي يقيمون بالمغرب خاصة في طنجة ومكناس وغيرهما- أكد الباحث المهتم بحالة الشيعة بالمغرب، محمد بوشيخي، أنه "من الصعب التحقق من العدد الحقيقي للشيعة في المغرب، سواء الأجانب أو المغاربة".
وحول إقامة مساجد شيعية، قال إنه "من حيث المبدأ لا مانع من تأسيس مساجد تقام فيها الصلاة وفقا للمذهب الشيعي، ضمانا لحرية ممارسة الشعائر الدينية، باعتبار أن هذا الوضع ليس فيه إشكال شرعي، لكن المشكل يطرح من الناحية العملية".
ويسترسل الباحث "كيف يمكن إعمال هذا الوضع وتنزيله في إطار حقل ديني يقوم على صيانة المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني"، مردفا أن "الأمر لا يتعلق بمجرد قرار الترخيص بالبناء، بل بتكييف ذلك القرار مع المقتضيات التنظيمية في تدبير الشأن الديني بالمغرب".
الموقف من الإخوان
ترتبط مؤسسة جماعة الخط الرسالي، مع جماعة العدل والإحسان "جماعة الإخوان بالمغرب" بعلاقات قوية وقدم مؤسسة الخط الرسالي التعزية للجماعة في وفاة الشيخ عبد السلام ياسين.
وتحت عنوان التقارب وضيق الهوة بين مختلف الفرقاء داخل الساحة الوطنية، لخلق فضاء يسوده التعايش، كان هناد لقاء مع الدكتور أحمد الزقاقي من قياديي جماعة "العدل والإحسان"، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه الشيخ يوسف القرضاوي.
وعبرت مؤسسة الخط الرسالي عن استعدادها للحوار مع جماعة الإخوان على أرضية (الميثاق) الذي تقدمت به الجماعة؛ كي نعمل على أساس المشتركات، ويحتفظ كل طرف بقناعاته الخاصة .
الموقف السلفي
تعتبر المجموعات السلفية بالمغرب أن وجود مؤسسة شيعية بطنجة "أمر مستفز"، بالإضافة إلى أنه يهدد الأمن الروحي للمغاربة.
واعتبر الشيخ حسن الكتاني، أحد رموز السلفية بالمغرب، أن ترخيص السلطات لمؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والأبحاث" يعد تطورا خطيرا؛ وذلك لأن مؤسسة مثل هذه تقوم على نشر الفكر الشيعي غير الموجود أصلا في المغرب، مؤكدا على أن وجود السنة إلى جانب الشيعة خلق فتنا عظيمة ظل المغرب في منأى عنها.
وأضاف الكتاني، قائلا: "لا يمكن أن نقبل بهذا الفكر الدخيل علينا، فهو فكر منحرف وضال يقوم على سب الصحابة وأئمة الإسلام، معبرا عن خشيته من أن يكون قرار الترخيص للخط الرسالي وراءه إرادة دولية لما وصفه بمواجهة النمو السني، وهذا ليس في مصلحة أحد على كل حال".
الهجوم السلفي لاقى استكارا من قيادات مؤسسة "الخط الرسالي للدراسات والأبحاث"، في بيان لها، ما وصفته بحملات التكفير والتحريض التي طالتها من طرف بعض الشيوخ المغاربة، وكل الخطابات التي تدعو إلى الكراهية، وزرع بذور الفتنة والتفرقة بين المواطنين، مضيفة في بيانها أن "خطابات الكراهية والعنف لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة، ولا تتماشى ومقتضيات الدستور، وتناقض القانون"، موجهة سهام نقدها لمن أسمتهم بالشيوخ دون ذكر أسمائهم في ما نعتته بـ "تحريضات" يقومون بها تعتبر تجاوزا لحدودهم، وتحريضا على فئة من المواطنين بتكفيرهم، والدعوة لحرمانهم من حقوقهم المدنية".
التقارب مع إيران
ويرجح عدد من المحللين أن يكون التقارب المغربي الإيراني سببا في هذا القرار، بعد تجاوز الأزمة واستئناف العلاقات الثنائية التي قطعتها الرباط سنة 2009، إذ تبادل البلدان مؤخرا السفراء، كما بعث الملك محمد السادس قبل أيام برقية تهنئة إلى رئيس جمهورية إيران الإسلامية، حسن روحاني، بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني.
ويرى المراقبون أن عودة التقارب، ستنعكس بمكاسب سياسية قد يحصل عليها الشيعة في المغرب، من خلال سماح سلطاتها للشيعة المغاربة بالعمل وعبر ترخيص إحدى المؤسسات الفكرية.
إلا أن عصام الحسيني رئيس تحرير موقع الخط الرسالي ومدير مركز الخط الرسالي للدراسات والأبحاث يقول: إن مؤسسة الخط الرسالي حصلت على ترخيصها في مارس 2014 كمؤسسة بحثية، غير أن انشغالاتنا بالأمور اللوجستية وتغيير المقر من فاس إلى طنجة تطلب منا وقتا وبالتالي فالربط بين المؤسسة وعودة العلاقات بين المغرب وإيران هو وهم؛ لأننا موجودون قبل عودة العلاقات بسنة.
ويضيف: ما الجمهورية الإسلامية في إيران؟ فإننا نعتبرها تجربة إسلامية رائدة في مجال التحرر والأصالة الإسلامية والاستقلال الحضاري عن الشرق والغرب وهو الشعار الذي رفعته الثورة الإسلامية بإيران (لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية)؛ وبناء على ذلك فإننا ننظر بكثير من الاحترام لهذه التجربة التي تمثل سندا للحركات التحررية ولقضيتنا المركزية (القضية الفلسطينية)، ولا يمكن إلا أن نحترم هذه الدولة، لكننا في الوقت ذاته لسنا إيرانيين ولا تابعين لإيران، بل نحن مواطنون مغاربة نتقيد بالثوابت الدستورية والوطنية، ولا نستنسخ تجارب الآخرين، ونعمل لأن تكون لنا تجربتنا الخاصة ضمن السياق السياسي الوطني.. أيضا أكدنا في الميثاق الرسالي، على أننا مع أن يكون المغرب منفتحا على كل المحاور وخاصة القوى الآسيوية الصاعدة بما فيها (إيران، روسيا، الصين..)؛ كي لا يرتهن لمحور ضد آخر ويفقد استقلاليته.
ويعتبر المراقبون أن هناك تقاطعا بين الوجود الشيعي بالمغرب، وبين علاقة هذا الأخير بإيران، حتى سلطات المغرب تتعامل بنوع من المرونة مع الشيعة في المغرب؛ لكي تقدم لإيران مؤشرات إيجابية من شأنها توطيد العلاقة بين البلدين.
المشهد المغربي
دخلت المغرب بمنحة ترخيص لمؤسسة الخط الرسالي دائرة الاصطفاف المذهبي، وإما تنجح في التعايش بين المذاهب وتقدم نموذجا قويا في التعايش بين الأطياف والمذاهب، أو أن تجر إلى صراع مذهبي خلال السنوات المقبلة.