المعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية: مسيحيو سوريا بين مطرقة الاستبداد وسندان الإرهاب
السبت 07/يونيو/2014 - 02:33 م
طباعة
نشرت هذه الدراسة في مايو 2014 على موقع المعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية، وهو أهم مركز بحثي من نوعه في جمهورية ألمانيا الاتحادية، وهو المعهد المقرب من دوائر صناعي القرار في ألمانيا.
بيترا بيكر- المعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية
وقد قدمت الدراسة الباحثة "بيترا بيكر" المتخصصة في شئون الشرق الأوسط بالمعهد ذاته.
يوضح الحوار المستمر منذ مارس 2013 من قبل مسيحيي سوريا أنهم عزفوا عن الثورة السورية، بينما كانوا متعاطفين ومشاركين فيها منذ البداية، ويرجع سبب تراجع المسيحيين عن دعم الثورة ليس عن قناعة منهم بنظام الأسد، ولكن لفقدان الثورة لسلميتها، وتصدر المتطرفين للمشهد؛ الأمر الذي أفزعهم، فضلاً عن أن المعارضة بعد مرور ثلاث أعوام على بدء الثورة السورية عجزت عن تقديم بديل له مصداقية لنظام الأسد.
يعتبر مسيحيو سوريا مكونًا رئيسيًا من السكان في سوريا، ويمثلون 8% إلى 10% من تعداد السكان، وينقسم مسيحيو سوريا إلى أحد عشر مذهبًا، ولكن أكبر المذاهب هم الأرثوذكسية اليونانية، والأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك، ويعتبر مسيحيو سوريا من السكان الأصليين في سوريا، باستثناء الأرمن والآشوريين والكلدانيين، حيث إن كثيرا من مسلمي سوريا على علم بجذورهم المسيحية، قبل أن يسلموا وما زالوا يذكرون جذورهم حتى اليوم، وهذا ما أثبته الواقع، حيث ندرت جرائم العنف الطائفي خلال ثلاث سنوات من الصراع في سوريا. وطبقًا لتقارير من عدة مناطق مختلفة في سوريا قام السكان المسلمون بحماية المسيحيين، وقدموا ملاذًا آمنًا لهم عند تعرضهم للاعتداء من قبل المجاهدين الأجانب.
ويأمل الكثير من المسيحيين باستقرار الأوضاع في وطنهم سوريا؛ كي يستطيعوا استئناف حياتهم القديمة ما قبل الحرب الأهلية، ويظل الاستثناء هم الأرمن الذين ينظرون إلى الوضع بتشاؤم شديد، وهذا يرجع في المقام الأول إلى ذكرياتهم السيئة "عن مذابح الأرمن" أثناء الحرب العالمية الأولى في مناطق تخضع الآن في دولة تركيا، والمترسخة في ذاكرتهم الجماعية.
النزوح الجماعي مرتبط بالإقليم
ينتشر مسيحيو سوريا في جميع أنحاء سوريا ولكن خريطة تواجدهم الآن تختلف اختلافًا واضحًا، فقد نزحوا مثلهم مثل مجموعات السكان الأخرى من مناطقهم الأصلية؛ ولذلك يختلف توزيع السكان في سوريا على حسب القوى المسيطرة على الأرض.
الشمال الشرقي ذو الأغلبية الكردية
بيد أن الشمال الشرقي ظل هادئًا بشكل كبير منذ بداية الثورة 2011؛ وذلك لأن النظام قد اشترى تبعية قطاع واسع من المعارضة الكردية؛ ليحافظ على هدوء الإقليم، فقد قام النظام بمجرد اندلاع الثورة بتقديم تنازلات للأقلية العرقية الأكثر تهميشًا في سوريا، حيث فوض النظام السوري حزب الوحدة الديمقراطية الكردية، والذي يعتبر الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا؛ ليكون ممثل الدولة في المناطق ذات الأغلبية الكردية.
لقد دفعت الذاكرة الجماعية للأرمن والكلدانيين (المذابح التي تعرضوا لها على يد الأكراد) للهجرة من شمال شرق سوريا الذي تصدر به الأكراد المشهد الثورة، وقد ساعد وجود جاليات أرمينية وآشورية كبيرة منتشرة في الدول الإسكندنافية وفي هولندا، وكذلك ألمانيا- الأرمن والآشوريين والكلدانيين الموجودين في سوريا على اللجوء إلى تلك الدول.
ولكن المشهد اختلف في الإقليم الكردي منذ عام 2013 عندما أصبح الإقليم مهددا من قبل ميليشيات "الدولة الإسلامية في العراق والشام": "داعش"، حيث أدى هذا التهديد إلى تقارب الكثير من المسيحيين وحزب الوحدة الكردي الديمقراطي اليساري العلماني.
مناطق المعارضة
هاجر معظم المسيحيين من المناطق التي فقد النظام سيطرته عليها مثل محافظات حلب وإدلب والرقة ودير الزور، مثلهم مثل بقية السكان المسلمين هناك، والسبب يرجع في المقام الأول إلى تحول هذه المناطق إلى ساحات قتال مفتوحة وتعرضها للقصف، فضلاً عن أن مصادر الرزق قد انقطعت في هذه المناطق، ويعد المسيحيون الموجودون في المناطق التي يسيطر عليها داعش هم أكثر المسيحيين تعرضًا للخطر في سوريا.
وقد ذكرت بعض التقارير كيف أن "داعش" تجبر المسيحيين المتواجدين في المناطق الخاضعة لهم إلى دفع الجزية وهي الضريبة التي كانت تدفعها الأقليات الدينية في ظل الدولة العثمانية. أما بخصوص الإعدامات العلنية للمسيحيين فإنها تتعلق في المقام الأول بالنشطاء السياسيين الذين يقاومون "داعش".
الخلاصة والتوصيات
التهديدات التي يتعرض لها مسيحيو سوريا حتى الآن ليس لها علاقة بديانتهم، ولكن بسبب تواجدهم في مناطق القتال، ولكن إذا ما استمر الوضع القائم لفترة طويلة دون حلول سياسية فسوف تتفاقم المذهبية والطائفية والتطرف.
يجب أن تعمل السياسة الألمانية والأوروبية على إيجاد حل سياسي وأن تمنع دعم جماعات دينية أو عرقية على حساب جماعات أخرى؛ لأن مسيحيي سوريا مثلهم مثل جميع السوريين الذين يعانون الحرب في وطنهم باستثناء المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون الأجانب؛ لذلك من الخطأ إعطاء الأولوية ولو "الضمنية" للمسيحيين في حق اللجوء إلى الغرب، وهو ما يعطي الانطباع أن المسيحيين "الطفل المُدَلَّل للغرب"، والذي يؤدي بدوره إلى ضعف موقفهم في وطنهم سوريا.