الاحتفال بشم النسيم.. معركة فتاوى بين الأزهر والسلفيين
السبت 11/أبريل/2015 - 05:28 م
طباعة
أفتت "الدعوة السلفية" في منشور لها بحرمة الاحتفال بيوم شم النسيم، مستندين إلى بعض فتاوى لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف، يؤكد فيها أنه لا توجد حاجة للاحتفال لعدم خلط الحق بالباطل. وتضمن منشور الدعوة السلفية أربعة أقسام، الأول يعرف منشأ عيد شم النسيم، والثاني مظاهر الاحتفال به، والقسم الثالث حكم الاحتفال به، والرابع مواقف المسلم من عيد شم النسيم، واختتمت الدعوة السلفية منشورها بفتوى للجنة الفتوى بالأزهر الشريف في حكم الاحتفال بيوم شم النسيم.
وقال منشور الدعوة السلفية: "لا يجوز الاحتفال بشم النسيم؛ لأنه ليس في الإسلام إلا عيدان وهو ينهى الأنصار عن الاحتفال بأعيادهم في الجاهلية، قال: "كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الأَضْحَى"، مؤكدين في المنشور إلى أن الخروج إلى المنتزهات وأكل الفسيخ والأطعمة والبيض الملون هي عادات فرعونية، مشيرين إلى أن الاحتفال بهذا يعد مخالفة للنبي، كما نشر السلفيون فتوى سابقة أبو إسحاق الحويني، الداعية السلفي، يفتي بحرمانية الاحتفال بشم النسيم وقال: حرم جميع العلماء مشاركة المشركين في أعيادهم، متسائلا: "من الذي يذهب إلى الحدائق في شم النسيم، ومن الذي يملأ الطرقات أليس هؤلاء الغافلون"، متابعا: "وحق من الله عليهم أن يفرض عليهم الذل والعار؛ لأنهم لا يستحقون غير ذلك". وأضاف أن الله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما في أنفسهم، وجميع العلماء يحرمون الاحتفال بهذا اليوم، وعندما أخرج يوم شم النسيم أرى المنتقبات في الشوارع في جولات ويصطحبون أولادهم إلى الحدائق متسائلا: ما الذي يحدث؟ أين أزواجهم؟ وكيف أن تكون المرأة منتقبة وتخرج تشم هواء في هذا اليوم؟ وأفتى الحويني بأنه يحرم على أي بائع أن يبيع في هذا اليوم أي مطعوم يقوم به هذا العيد، فلا يجوز بيع البيض أو الرنجة أو الفسيخ ومن فعل ذلك فهو آثم وكسبه حرام.
فتوى الشيخ عطية صقر
كان الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر في 1997، ومن أشهر فتاواه الحكم بربوية الفوائد البنكية ودفاعه عن ختان الإناث بأنه بين الوجوب والاستحباب، ولقي بسبب بعض فتاواه الكثير من المشاكل حتى جاءت فتواه الشهيرة بتحريم مصافحة المرأة الأجنبية أثناء برنامجه التلفزيوني "فتاوى وأحكام"؛ مما تسبب في حالة من الجدل والخلاف أدت إلى إيقاف البرنامج لفترة وأيضا في تنحيته عن منصب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف عام 2002، وقد قال في فتوى له على موقع دار الإفتاء المصرية "هذا هو عيد شم النسيم، الذي كان قوميا ثم صار دينيا، فما حكم احتفال المسلمين به؟ لا شك أن التمتع بمباهج الحياة من أكل وشرب وتنزه أمر مباح ما دام في الإِطار المشروع، الذي لا ترتكب فيه معصية ولا تنتهك حرمة ولا ينبعث من عقيدة فاسدة. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة: 87، وقال: {قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الأعراف: 32.
لكن هل للتزين والتمتع بالطيبات يوم معين أو موسم خاص لا يجوز في غيره، وهل لا يتحقق ذلك إلا بنوع معين من المأكولات والمشروبات، أو بظواهر خاصة؟ هذا ما نحب أن نلفت الأنظار إليه. إن الإِسلام يريد من المسلم أن يكون في تصرفه على وعي صحيح وبُعد نظر، لا يندفع مع التيار فيسير حيث يسير ويميل حيث يميل، بل لا بد أن تكون له شخصية مستقلة فاهمة، حريصة على الخير بعيدة عن الشر والانزلاق إليه، وعن التقليد الأعمى، لا ينبغي أن يكون كما قال الحديث "إمَّعة"، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن يجب أن يوطِّن نفسه على أن يحسن إن أحسنوا، وألا يسيء إن أساءوا، وذلك حفاظًا على كرامته واستقلال شخصيته، غير مبال بما يوجه إليه من نقد أو استهزاء، والنبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن التقليد الذي من هذا النوع فقال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه". رواه البخاري ومسلم.
فلماذا نحرص على شم النسيم في هذا اليوم بعينه والنسيم موجود في كل يوم؟ إنه لا يعدو أن يكون يوما عاديًّا من أيام الله حكمه كحكم سائرها، بل إن فيه شائبة تحمل على اليقظة والتبصر والحذر، وهي ارتباطه بعقائد لا يقرها الدين، حيث كان الزعم أن المسيح قام من قبره وشم نسيم الحياة بعد الموت.
ولماذا نحرص على طعام بعينه في هذا اليوم، وقد رأينا ارتباطه بخرافات أو عقائد غير صحيحة، مع أن الحلال كثير وهو موجود في كل وقت، وقد يكون في هذا اليوم أردأ منه في غيره أو أغلى ثمنا؟
إن هذا الحرص يبرر لنا أن ننصح بعدم المشاركة في الاحتفال به مع مراعاة أن المجاملة على حساب الدين والخلق والكرامة ممنوعة لا يقرها دين ولا عقل سليم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مئونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكَّله الله إلى الناس". رواه الترمذي ورواه بمعناه ابن حبان في صحيحه.
الشيخ علي جمعة وعلماء الأزهر
أعرب الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، وعدد من علماء الأزهر عن رفضهم الفتاوى التي انتشرت عبر مواقع الإنترنت والفيس بوك، والتي تحرم مشاركة المسلمين لإخوانهم الأقباط في الاحتفال بشم النسيم، مطالبين المسلمين بالخروج إلى المتنزهات والأماكن العامة بشرط الالتزام بآداب الإسلام.
وقال الدكتور على جمعة: إن الإسلام لا يعرف سوى عيدين هما عيد الفطر وعيد الأضحي، مشيرا إلى أن المشاركة في يوم شم النسيم والخروج للحدائق العامة والمتنزهات وشم الزهور والورود التي تتفتح، هو أمر مباح، مضيفا أن هذه الأمور تأتي من باب العادة، ويجوز المشاركة فيها بشرط الالتزام بالضوابط والآداب العامة، كما استنكر الدكتور علي جمعة الفتاوى التي تحرم أكل الرنجة، مؤكدا أن أكلها حلال.
من جانبه، قال الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن الاحتفال بشم النسيم، هو احتفال بالمناظر الطبيعية الجميلة، التي تجيء بعد فصل الشتاء، فتزهر الأشجار والورود، وليس لهذا اليوم أي معنى ديني إطلاقا، حتى يقول البعض إنه بدعة أو محرم أو مكروه، وإنما هو فكرة اخترعها المصريون القدامى إظهارا للابتهاج والسرور بالطبيعة التي خلقها المولى عز وجل، وأوضح عثمان أن القواعد الشرعية تقول: إن الأصل في الأمور الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم، كما أن الأمور لا تكون من البدع إلا إذا اتخذت صبغة دينية.
وانتقد الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، فتاوى تحريم الاحتفال بشم النسيم، وقال: إن هذا الرأي يخضع لفكر متشدد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رمزا للتسامح مع غير المسلمين، فكان يزور جاره النصراني في أثناء مرضه، وقام لجنازة يهودي حينما مرت عليه، وكل هذه التصرفات من الرسول- عليه الصلاة والسلام- تجعلنا نرفض كل الآراء المتشددة، خاصة إذا ترتب عليها إحداث فتنة وشقاق بين طوائف الأمة، وأشار عاشور إلى أن مشاركة المسلمين في مثل هذه المناسبات لإخوانهم الأقباط يأتي من باب الإحسان والمروءة بأن نجاملهم في مناسباتهم، ونتبادل معهم التهنئة في أعيادنا وأعيادهم.
ولا تزال فتاوى التحريم تلك بين الأزهر والسلفيين، مما يصيب المصريين بحالة من حالات التشوش وعدم المعرفة، هذا بجانب الفتنة الطائفية التي كثيرا ما تنشأ بسبب هذه الفتاوى، فهل آن الأوان حتى تتوحد الفتوى؟ وسؤال آخر نريد الاجابة عليه: من الذي يحق له الفتوى؟