عبد العزيز الحكيم.. رجل إيران وأمريكا في العراق
الجمعة 26/أغسطس/2022 - 11:44 ص
طباعة
عبد العزيز الحكيم، الابن الأصغر للمرجع الديني الشيعي العراقي محسن الحكيم، وأهم دعاة الفيدرالية في العراق، يوصف بأنه رجل إيران أمريكا في العراق.
حياته
ولد السيد عبدالعزيز بن محسن بن مهدي بن صالح بن أحمد بن محمود بن إبراهيم بن علي الحكيم الطبطبائي النجفي، ويرجع نسبه إلى الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، في ١ يناير، ١٩٥٣، بمدينة النجف الأشرف العراقية، المدينة المقدسة لدى الشيعة في العالم.
وهو أصغر أبناء المرجع الديني الأعلى للطائفة الشيعية الراحل آية الله السيد محسن الحكيم العشرة، وشقيق المعارض البارز محمد باقر الحكيم، الذي اغتيل بانفجار سيارة مفخخة عام 2003.
وكان متزوّجًا من ابنة السيّد محمد هادي الصدر، وله أربعة أولاد أشهرهم عمار الحكيم.
تعليمه
منذ صغره توجه نحو الدراسة في الحوزة العلمية في النجف، فدرس المقدمات في (مدرسة العلوم الإسلامية) التي أسسها والده في السنين الأخيرة من مرجعيته والتي كان يشرف عليها أخوه محمد باقر الحكيم، وبعدها تتلمذ على يد مجموعة من الأساتذة الأكفاء في الفقه والأصول مثل محمد باقر الحكيم وعبد الصاحب الحكيم آية الله محمود الهاشمي، وكان ذلك في بداية السبعينيات من القرن العشرين، وبعد ذلك حضر دروس البحث الخارج (فقهاً وأصولاً) لدى محمد باقر الصدر، وذلك عندما شرع بإلقاء دروسه في البحث الخارج علناً في مسجد الطوسي، كما حضر قليلاً لدى المرجع الكبير السيد الخوئي، وكان في هذه المرحلة قد كتب تقرير درس البحث الخارج للسيد الصدر، وفي هذه الفترة كتب تقرير درس البحث الخارج للسيد الصدر سنة ١٩٧٧.
عمل على تأليف (معجم اصطلاحات الفقه) وعمل عليه لمدة سنة كاملة وشجعه الصدر على إكماله، ولكنه توقف عن ذلك بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وانتفاضة رجب وتفرغ للعمل الاجتماعي والسياسي في مواجهة تلك الظروف.
عندما بدأ الصدر بمشروعه في تنظيم الحوزة العلمية لبناء مشروع المرجعية الموضوعية اختاره ليكون عضواً في اللجنة الخاصة بذلك، إلى جانب كل من محمد باقر الحكيم وكاظم الحائري ومحمود الهاشمي، وهي لجنة كانت تسمى لجنة (المشورة) في ذلك المشروع.
المعارضة السياسية
لعب عبدالعزيز الحكيم دورًا قياديًّا في الانتفاضة التي شهدتها مدن جنوب العراقي في 1977 وكان قد سجن من قبل الحكومة العراقية في عام 1972 و1977 و1979.
وذهب إلى المنفى في إيران في عام 1980، حيث كان عضوًا مؤسسًا في 1982 للمجلس للثورة الإسلامية في العراق (شيعي)، وترأس جناحها العسكري "فيلق بدر" عام 1982.
وبعد انتفاضة شعبان "مارس 1991" مجموعة من عدة مظاهر للاضطراب وعدم الاستقرار في مناطق جنوب وشمال العراق وقعت مباشرة بعد حرب الخليج الثانية ضد الرئيس العراقي صدام حسين، ونزوح العراقيين إلى إيران على إثر الأحداث الدامية التي أعقبت الثورة الشعبية آنذاك، ساهمت في دعم المقاتلين الذين يقودهم "الحكيم" ضد النظام الإيراني.
كما نظم "الحكيم" العديد من الفاعليات والتظاهرات ضد الرئيس العراقي صدام حسين في عدد من المدن الأوروبية، وخاصة في لندن والتي قاد فيها اعتصامًا دام 333 يومًا.
ومع محاكمة صدام حسين، عقب الاحتلال الأمريكي نفى عبد العزيز الحكيم، أن يكون راغبًا في إنزال عقوبة الإعدام بالرئيس السابق صدام حسين لأنه قتل 63 شخصًا من عائلة الحكيم بينهم 8 من أشقاء عبد العزيز، وأكد أن بغداد ستشكل محكمة تتوفر فيها كل المعايير الدولية؛ مما يجعلها مؤهلة لمحاكمة صدام.
وشدد الرئيس الحالي لمجلس الحكم العراقي «بعد المحاكمة يجب أن نعمل بما يأمر به القاضي» لجهة العقوبة وكيفية معاملة المتهم، وأوضح أن «المحكمة ستنظر في كل الدعاوى ضد صدام والمتهمين الآخرين من البعثيين، وبالتالي هي التي ستقرر كيفية التعامل مع هذه القضايا وفق المعايير الدولية».
الصراع المسلح
مع اندلاع الحرب "العراقية – الإيرانية"، تبنى السيد عبد العزيز الحكيم الكفاح المسلح ضد نظام العراقي الحاكم برئاسة صدام حسين، وبعد هجرته من العراق أسس مع مجموعة من شيعة عراقيون رفع السلاح ضد الدولة العراقية وعرفوا بـ"حركة المجاهدين العراقيين"؛ وذلك في أول الثمانينيات.
كما شارك في العمل السياسي والتصدي العلني لنظام صدام، فكان من المؤسسين لحركة جماعة العلماء المجاهدين في العراق، وعضوًا في الهيئة الرئاسية للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والذي تأسس في المنفى في إيران بتاريخ 17 نوفمبر 1982 حيث أعلن تأسيسه السيد محمد باقر الحكيم.
وقد كان من أبرز رجاله محمود الهاشمي الذي تولى رئاسة المجلس في فترة الانطلاقة الأولى، ومحمد باقر الحكيم ابن المرجع محسن الحكيم، وعبد العزيز الحكيم أحد زعماء حركة المجاهدين، وكاظم الحائري، ومحمد مهدي الآصفي، ومحمد تقي المدرسي، وحسين الصدر، وجواد الخالصي، وإبراهيم الجعفري، وغيرهم.
كان للحضور الإيراني وضوح لكون أغلب الأصول العرقية للأعضاء المؤسسين هي إيرانية، ويسري هذا حتى على عائلة الحكيم باعتبارهم من مدينة (طباطبا) الإيرانية.!
عين محمد باقر الحكيم ناطقاً رسميًّا باسم المجلس وبعد ستة أشهر أصبح الحكيم رئيساً للمجلس وبدعم مباشر من الخميني ومحمود الهاشمي المقرب إلى السلطة الإيرانية.
يقول السيد الصافي تأسس المجلس، وكان هدفه الأول والأخير هو تفجير الثورة الإسلامية (الشيعية) في العراق وإسقاط النظام البعثي.
يقول عبد العزيز الحكيم: كانت فكرة الاستيلاء على الحكم من أولويات المجلس، حيث تم طرح في الهيئة القيادية فكرة تشكيل حكومة بعد سقوط صدام ومطالبة الحكومة الأمريكية باعتماد هذه الحكومة، لكن الساحة لم تكن مهيأة لهم والشارع الشيعي لم يكن يدعم الحركة بشكل إيجابي.
في أول دورة له ثم مسئولاً للمكتب التنفيذي للمجلس الأعلى في دورته الثالثة، ثم أصبح عضواً في الشورى المركزية للمجلس الأعلى منذ العام ١٩٨٦م وحتى انتخابه رئيساً للمجلس الأعلى بعد استشهاد شهيد المحراب في الأول من رجب عام 1424 هـ/ سبتمبر ٢٠٠٣.
وبعد عامٍ واحدٍ فقط من تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في المنفى، على يد "محمد باقر الحكيم"، تأسست ميليشيا "فيلق بدر" كذراع مسلح للمجلس الأعلى، بمبادرة من الاستخبارات الإيرانية، وبمعاونة بعض المنفيين العراقيين في إيران؛ بغية الاستفادة من أسر المئات من عناصر الجيش العراقي من ضباط وطيارين وجنود وأفراد من قبل القوات الإيرانية، لأهداف دعائية وسياسية وعسكرية واستخبارية تخدم الجانب الإيراني، في حربه ضد الدول العراقية والتي استمرت لثماني سنوات، ثم الحرب الباردة وحتى إسقاط النظام العراقي على يد الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل 2003.
وعهد النظام الحاكم في إيران بقيادة آية الموسوي الخميني إلى "باقر الحكيم" الإشراف على الفيلق، وساعده لسنوات عدة، "آية الله محمود الهاشمي"، أحد أعضاء مجلس القضاء الإيراني حاليًا، وكانت البداية بلواء انضم إليه من ارتضوا طائعين أن يكونوا رأس الحربة في محاربة نظام "صدام حسين" في العراق، ثم تحول إلى فرقة، قبل أن يصل إلى فيلق.
بعد أن أصدر الإمام الصدر فتواه الشهيرة بالتصدي للنظام البعثي واعتماد الكفاح المسلح كوسيلة لمواجهة النظام قام بتبني الكفاح المسلح ضد النظام، وأسس مع مجموعة من المتصدين "حركة المجاهدين العراقيين" وذلك في ثمانينيات القرن العشرين. سافر مع أخيه محمد باقر الحكيم إلى إيران لمواجهة النظام الحاكم في بغداد فاقترح الخميني تشكيل جيش قوامه 100,000 مقاتل ليسمى بفيلق بدر يتبع لحزب الدعوة الإسلامية في العراق، وقد جهز الجيش بأسلحة ثقيلة وخفيفة وطائرات هليكوبتر استولى عليها من بقايا الحرب العراقية الإيرانية، وقد أصبح الجناح العسكري لفيلق بدر..
للمزيد عن منظمة بدر اضغط هنا
تأسيس المركز الوثائقي لحقوق الإنسان
وفي أواسط الثمانينيات تبنى- إلى جانب مهماته ومسئولياته- العمل في مجال حقوق الإنسان في العراق، بعد أن لاحظ وجود فراغ كبير في هذا المجال فأسس "المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق" وهو مركز يُعْنَى بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في العراق من قبل نظام صدام آنذاك، وقد تطور هذا المركز وتوسع حتى أصبح مصدراً رئيسياً لمعلومات لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والمقررّ الخاص لحقوق الإنسان في العراق والمنظمات الوطنية والدولية الحكومية وغير الحكومية، وقد حضر هذا المركز العديد من المؤتمرات الدولية، ووثق عشرات الآلاف من حالات اختفاء العراقيين داخل العراق، وطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء العقيدة والرأي والمحجوزين من أبناء المهجرين العراقيين.
كما عمل في مجال الإغاثة الإنسانية وتقديم الدعم والعون للعراقيين في مخيمات اللاجئين العراقيين في إيران، وعوائل الشهداء العراقيين في داخل العراق، وكانت هذه المساعدات تصل إلى داخل العراق أيام حكم الرئيس العراقي صدام حسين.
بعد 2003
بدأت بوادر العمل العسكري ضد الدولة العراقية في عهد صدام حسين، حيث تولى مسئولية إدارة الملف السياسي لحركة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق فترأس وفد المجلس الأعلى إلى نيويورك، وإدارة العملية السياسية للمجلس الأعلى في اللجنة التحضيرية لمؤتمر لندن ثم مؤتمر لندن، ثم مؤتمر صلاح الدين، ثم في العلمية السياسية بعد سقوط العراقي؛ حيث بادر إلى الدخول إلى العراق في الأيام الأولى بعد سقوط بغداد.
وعقب سقوط نظام صدام حسين، على يد الولايات المتحدة الأمريكية، أصبح الحكيم والمجلس الأعلى للعراق لاعبًا رئيسيًّا في السياسة العراقية.
وعقب عودة الحكيم إلى العراق، بعد ثمانية أيام فقط من سقوط بغداد، تخلى عن رئاسة فيلق بدر لهادي العامري، وتحول فيلق بدر وفقاً لاتفاق مع الأمريكيين لمنظمة مدنية، على الأقل من الناحية الشكلية.
لم يكن عبد العزيز الحكيم معروفاً خارج أوساط المعارضة العراقية قبل الغزو الأمريكي للعراق، إذ طغى عليه نجم أخيه رجل الدين الشهير آية الله محمد باقر الحكيم، الذي اغتيل في النجف الأشرف في أغسطس 2003 بعد عودة آل الحكيم إلى العراق على متن الدبابات الأمريكية.
وبعد اغتيال أخيه محمد باقر الحكيم، ازداد دوره السياسي في العراق بعد توليه قيادة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي.
شغل عدة مناصب منها عضو في مجلس الحكم الانتقالي، وفاز بعدها بمقعد في مجلس النواب العراقي ضمن قائمة الائتلاف العراقي الموحد، والتي اختير رئيساً لها، والتي أعيد تشكيلها في أغسطس 2009 تحت اسم الائتلاف الوطني العراقي. وهو ذو صلة وثيقة بإيران التي كانت منفاه خلال فترة معارضته السياسية، كما أنه من مؤيدي النظام الفيدرالي في العراق وتشكيل إقليم الجنوب.
الحكيم والفيدرالية
يمكن وصف عبد العزيز الحكيم بأنه أبو الفيدرالية العراقية، فإذا كانت مسألة الفيدرالية مقبولة بالنسبة للأكراد حتى في العهود السابقة للغزو الأمريكي للعراق، باعتبارهم قومية مختلفة، فإن فيدرالية الجنوب ذي الغالبية الشيعية تعد اختراعاً جديداً مسجلاً باسم عبد العزيز الحكيم، أحيا بها حلماً إسرائيلياً غربياً قديماً، وقد أثار حماس الحكيم في الدعوة إلى إقامة دولة فيدرالية تتكون من إقليم شيعي في جنوب البلاد وآخر سني في وسطه وثالث كردي في شماله- غضب كثير من القوى العراقية سنية وشيعية، دينية وعلمانية، مثل التيار الصدري وإياد علاوي؛ حيث تتخوف من أن تكون الأقاليم بداية مشروع يهدف إلى تقسيم العراق، ولكن الحكيم الداهية السياسية وضع بذرة الفيدرالية في الدستور العراقي، الذي لعب فيه المجلس الإسلامي الأعلى دوراً كبيراً في صياغته، إذ أعطى الدستور لكل ثلاث محافظات أو أكثر الحق في التوحد وتشكيل إقليم.
الحكيم وحزب الدعوة
كان على علاقة قوية مع حزب الدعوة العراقي باعتباره أحد الفصائل الشيعية، التي تمثل مدرسة الصدر، قبيل انشقاقاته، وقد نعى نوري المالكي رئيس حزب الدعوة، الحكيم قائلا: "كان الحكيم الأخ الأكبر ومؤيدًا قويًّا خلال النضال ضد النظام السابق، وكان لاعبًا رئيسيًّا في عملية بناء العراق الجديد، وَفَاتُه في هذه المرحلة الحساسة التي تمر تمثل خسارة كبيرة للعراق".
وهو من الأحزاب الإسلامية القديمة، تأسس قبل أكثر من أربعين سنة، حيث تقول أدبياته الرسمية إنه تأسس عام 1957، وكان الحزب يرفع شعار استئناف الحياة الإسلامية في العراق، وهو الحزب الحاكم الآن في العراق.
للمزيد عن حزب الدعوة اضغط هنا
الحكيم والسُّنَّة
لم تكن علاقة عبد العزيز الحكيم بالقوى السنية عقب الاحتلال الأمريكي جيدة، وكان ينظر السنة إلى عبد العزيز الحكيم على أنها أداة لإيران الشيعية.
ويعتبر السنة أن الحكيم يمثل أداة إيران لتقسيم العراق عبر المطالب الصريحة بوجود الحكم الذاتي للعراق، ويرى أيضًا بعض الشيعة أن هذه الفكرة خطة مستوحاة من إيران لتسليم السيطرة طهران علي قلب العراق الشيعي، موطنًا لمعظم ثروتها النفطية.
وفي 2005 وجهت إلى حكومة الحكيم، اتهامات بارتكاب جرائم ضد السنة، من قبل قوات الأمن، وهو ما أدى إلى تصاعد الحرب الأهلية خلال عامي "2005-2006".
ولكن الحكيم كان يتمتع بعلاقات جيدة مع الحزب الإسلامي في العراق- محسوب على جماعة الإخوان المسلمين- وعند وفاة الحكيم، وصف الحزب وفاته بالخسارة الكبيرة الخسائر وسط مخاوف من أن أولئك الذين يحل محله يمكن اتخاذ موقف أكثر تشددًا. وأضاف في بيان له: "إن غياب الحكيم قد يخلق فراغًا سياسيًّا كبيرًا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ العراق".
وفي فبراير 2005، أشاد عبد العزيز الحكيم بـ"الوعي الكبير" للحزب الإسلامي العراقي (سني) رغم امتناعه عن المشاركة في الانتخابات، وقال إنه أجرى "محادثات غير مباشرة قبل الانتخابات مع هيئة علماء المسلمين" السنية التي قاطعت الانتخابات. وأضاف: "أكن احتراما كبيرًا لهم، لكن يجب أن يشارك الجميع في العملية السياسية وأن نتحاور معهم".. وتطالب الهيئة بانسحاب القوات المتعددة الجنسيات التي تصفها بأنها قوات "احتلال" قبل المشاركة في أية خطوة سياسية.
للمزيد عن الحزب الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين في العراق اضغط هنا
الحكيم والأكراد
مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق
كانت علاقة آل الحكيم بالأكراد قوية وجيدة في ظل مواجهة الاثنين النظام العراقي السابق، عبد العزيز الحكيم، وهو نجل المرجع الشيعي السابق محسن الحكيم، صاحب فتوى "الشيوعيّة كفر وإلحاد" و"تحريم مقاتلة المتمرّدين الكرد في شمال العراق"، الذي توفي عام 1970 قد فارقوا الحياة.
وفي الذكرى الأولى لرحيل عبد العزيز الحكيم، أغسطس 2010، نعى مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، الحكيم قائلا: "نحن نلتقي اليوم في الذكرى الأولى لرحيل أخ كبير ومناضل عزيز على قلوب كل العراقيين المتطلعين، إلى عراق جديد تسوده قيم الحرية والعدالة والمودة والوئام، عراق يعود بالخير والأمن والأمان على كل أبنائه على اختلاف انحداراتهم القومية والدينية والمذهبية".
وأضاف: "نلتقي لنستذكر سيرة مجاهد شجاع عرفته سوح المواجهات مع النظام الدكتاتوري البائد، وخبرناه نحن أصدقاءه ورفاق دربه من قادة المعارضة العراقية ومناضليها، رجل شجاع جسور، اقتفى السيرة الجهادية لوالده الكبير وإخوته الشجعان وأفراد عائلته الذين كرسوا حياتهم لإعلاء القيم الإنسانية السمحاء لديننا الإسلامي الحنيف، قيم الرجولة ونصرة المظلوم ومناهضة الاستبداد ومواجهة الدكتاتورية وإرهابها المنفلت، الإرهاب الذي انتشر كالطاعون الأسود فوق أرض عراقنا الحبيب من ذرى كوردستان الشماء إلى سهول ومدن الوسط والجنوب الرافضة للذلة والهوان والمنتفضة على الطغاة الظلمة".
وتابع: " لقد واصل الفقيد الراحل سماحة السيد عبد العزيز الحكيم مسيرته النضالية الجهادية بعد سقوط النظام الدكتاتوري حيث انخرط مع إخوته الآخرين في مجلس الحكم، وساهم المجلس الأعلى الإسلامي في ظل قيادة شقيقه الراحل وبعد ذلك في ظل قيادته مساهمة فاعلة في مواجهة الريح الصفراء لقوى الإرهاب الأسود وكل قوى الردة والجريمة، ومن أجل ترسيخ البنيان الجديد للعراق الديمقراطي الفدرالي الذي نصبو إليه ونعمل جميعًا من أجله."
العلاقة بإيران
تمثل علاقة عبد العزيز الحكيم و"آل الحكيم" علاقة قوية بل تحالفًا مذهبيًّا سياسيًّا، فقد كان إيران المنفى لـ"آل الحكيم" وبدءوا من إيران الصراع المسلح ضد الدولة العراقية في بداية الثمانينيات.
كما أسهمت إيران في حماية ووصل آل الحكيم إلى السلطة، عبر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والذي أصبح المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، عقب الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003.
يتميز تيار آل الحكيم بمولاته الواضحة للنظام الإيراني واعتناقه نظرية ولاية الفقيه (على خلاف جمهور شيعة العراق كما بينا).
ويرى الكاتب العراقي نبيل الحيدري، أنه: "سيطر على علاقة عائلة الحكيم الطاغوتية مع نظام رجال الدين الحاكم في إيران، التبعية الإيرانية إلى درجة العمالة؛ خصوصًا وأن عائلة الحكيم الطاغوتية النرجسية من أخطر العوائل على العراق ومستقبله، كما ثبت بالمراحل السابقة وهي عائلة إيرانية الأصل طباطبائية أصفهانية من مدينة أصفهان الإيرانية، وكذلك الولاء والطاعة الإيرانية، وهي تكره العرب والعراقيين وقد عملت أقذر القذارات ضد العراقيين في إيران".
ويضيف:" آل الحكيم الطباطبائي الأصفهاني يعتمدون على جدهم محسن الحكيم الذي كان متحالفًا مع الإقطاع وشاه إيران وفتاواه القذرة منها ضد الشيوعية (الشيوعية كفر وإلحاد) لمصلحة الإقطاعيين والخمس الذي يجنيه منهم وكذلك فتاواه ضد الأكراد (الأكراد قوم من الجن يكره الزواج بهم والتعامل معهم) وهي فتوى عنصرية يحاكم عليها ضمن الدول الديمقراطية المانعة للعنصرية، وعشرات الفتاوى الغريبة العجيبة الأخرى".
ورأى الحيدري، أن "آل الحكيم" سعوا في مخطط الأقاليم العراقية، وهو مخطط إيراني أمريكي لتقسيم العراق، فقد طالب عبد العزيز الحكيم بإقليم الوسط والجنوب كإقليم شيعي ليكون تبعًا كاملًا للمشروع الإيراني (الصفوي) وبداية تقسيم العراق.
وفي 2005، نادى بها الزعيم الشيعي عبد العزيز الحكيم، الذي سعى إلى تشكيل إقليم يضم المناطق الشيعية في الوسط والجنوب، مما واجه رفضاً كبيراً من القوى السنية في وقتها، لكن الحكيم لم يتراجع عن هذه الفكرة حتى مماته. ثم طفت المطالبات بالأقاليم على السطح مرة أخرى عام 2011، وهذه المرة من القوى السياسية السنية، بسبب التهميش والإقصاء والاعتقالات العشوائية إبان فترة ولاية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ولا تزال تلك المطالب قائمة، لكن ليس بالقوة التي ظهرت بها أول مرة.
وبعد تولي عبد العزيز الحكيم، رئاسته الدورية لمجلس الحكم، وفي أثناء زيارته لمدينة النجف الأشرف في الأول من ديسمبر 2003م، صرح قائلاً: "إن على العراق أن يدفع لإيران تعويضات عما تكبدته من خسائر، عندما غزا صدام تلك البلاد" فعلاقة المجلس الأعلى مع إيران علاقة واضحة ومعروفة ومكشوفة، وفي أثناء مقابلة أجراها الصحفي المصري (محمد الأنور) مع السيد عبد العزيز الحكيم عقب الاحتلال الأمريكي، وسؤاله عن علاقته بإيران"، رد قائلاً: "نحن كنا في إيران بعد أن أغلقت الأبواب في وجوهنا، ولم تكن هناك أية دولة عربية أو إسلامية، على استعداد لاستقبالنا".
الحكيم والأمريكان
بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، كان الحكيم على مقربة من الأمريكيين حتى مع الحفاظ على تحالفه مع طهران، ورأى أن الجيش الأمريكي كان أساسيًّا في وصول الشيعة للحكم.
وكانت علاقة الحيكم بالقيادة الأمريكية قوية، وكان ضيفًا على مراكز القرار في واشنطن ونيويورك، منذ البوادر الأولى للعمل العسكري الدولي بقيادة الولايات المتحدة، للإطاحة بنظام صدام، كلفه أخوه محمد باقر الحكيم بمسئولية إدارة الملف السياسي للمجلس الأعلى، إذ فضل الابتعاد عن هذا الملف المشبوه وتركه لأخيه، أما عبد العزيز الحكيم، الذي قضى أغلب عمره في إيران، فإنه لم يخجل يوماً من علاقته الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يجد أي تناقض بين هذه العلاقة وبين العلاقة غير العادية بطهران؛ ولهذا لم يكن غريباً أنه عندما اكتشف إصابته بسرطان الدم أن يتنقل في علاجه بين طهران وواشنطن، بل يقال: إن نائب الرئيس الأمريكي وقطب المحافظين ديك تشيني هو الذي تولى ترتيب رحلة علاجه لواشنطن، والتي تضمنت تخصيص الحكومة الأمريكية لطائرة خاصة لنقله، في الوقت الذي كان فيه أمين حزب الله حسن نصر الله ومرشد الثورة آية الله علي خامنئي من أوائل من نعى الحكيم، ليستحق لقب "صديق العدوين أمريكا وإيران".
علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية أسهمت كثيرًا، في لعب دور رئيسي بعد الاحتلال في هيئة الحكم وأصبح اللاعب الرئيسي في السياسية العراقية.
في 4 ديسمبر 2006، التقى الحكيم مع الرئيس الأمريكي وقتها جورج دبليو بوش "بوش الابن" لبحث الأوضاع في العرق، بعد 3 سنوات من الاحتلال.
ونال شكراً خاصًّا من الرئيس الأمريكي جورج بوش، على دوره في التخلص من نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وخلال زيارة بوش الأخيرة للعراق كان بين الرجلين سلاماً حاراً لفت انتباه الحاضرين.
علاقته بالدول العربية
رغم جولات الحكيم بعد 2003، المتعددة في أرجاء العالم، فإنه نادراً ما كان يزور دولاً عربية، فلم يزر سوريا بعد الغزو الأمريكي للعراق سوى مرة واحدة عندما كان رئيساً لمجلس الحكم الانتقالي، كما زار مصر مرة واحدة للمشاركة في مؤتمر الوفاق العراقي، الذي استضافته الجامعة العربية بالقاهرة عام 2005، حيث كانت أول مرة يجلس فيها على مائدة واحدة مع رئيس هيئة علماء المسلمين السنية الشيخ حارث الضاري، وجمعهما الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى على مأدبة طعام واحدة، ودار بينهما حوار شهير حول مشروعية المقاومة وتوقيتها الصحيح.
وفاته
توفي عبد العزيز الحيكم في 26 أغسطس 2009 في مستشفى مسيح دانشوري في العاصمة الإيرانية طهران بعد 5 أيام من دخوله المستشفى التي أودع فيها بعد سوء حالته الصحية. وكان قد شخص بأنه مصاب بسرطان الرئة عندما عاينه أطباء عسكريون أمريكيون في بغداد، ثم سافر بعدها إلى هيوستن للمزيد من العلاج. وقد كان مدخناً شرهاً.