ليس دفاعا عن البحيري..
الأربعاء 30/ديسمبر/2015 - 05:32 م
طباعة
اثناء متابعتي لقضية اسلام البحيري، وجدت خطابين مختلفين كل الاختلاف حول ماهية الدين ومفهومه فالخطاب الاول وهو بالطبع خطاب المؤسسة الدينية وتلك الجماعات التي تطلق على نفسها "اسلامية" وهو الخطاب الذي يستند الى آراء السلف وأحكامهم لتفسير ومنهجة حياتنا الآنية بغض النظر عن اختلاف الزمن وكذلك الظرف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي نحن فيه، فيريدون تطبيق فتاوى القدماء وفقههم علينا الآن، ومن الجهة المقابلة خطاب العقل وفقه العيش او ما يسمى فقه الواقع الذي يتبناه اسلام البحيري وغيره من الباحثين الجدد والذين يأخذون على عاتقهم تجديد الخطاب الديني، ولان الفريق الاول بيده السلطة كما كانت بيد كفار قريش ويخافون من التجديد ويرفضونه فهم يقولون قول كفار قريش لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "..إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون" تلك هي الآية رقم 22 من سورة الزخرف. يخاطب الله عز وجل كفار قريش بخطاب استنكاري ويستهزئ بهم لانهم يتبعون آباءهم دون تفكير ودون مراجعة لأفكار الآباء مما جعلهم يصمون أذانهم ويغلقون أعينهم وعقولهم عن التعرف على الدين الجديد الذي أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم ومما يدلل على هذا من كتب التفاسير المعتبرة كقول البغوي في تفسيره لهذه الآية: ( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة ) على دين وملة . قال مجاهد : على إمام ( وإنا على آثارهم مهتدون ) جعلوا أنفسهم باتباع آبائهم مهتدين.
ويقول الطبري في تفسيره "عن ابن عباس قوله : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة ) يقول : وجدنا آباءنا على دين. واختلفت القراء في قراءة قوله : ( على أمة ) فقرأته عامة قراء الأمصار ( على أمة ) بضم الألف بالمعنى الذي وصفت من الدين والملة والسنة . وذكر عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز أنهما قرأه " على إمة " بكسر الألف. وقد اختلف في معناها إذا كسرت ألفها ، فكان بعضهم يوجه تأويلها إذا كسرت على أنها الطريقة وأنها مصدر من قول القائل : أممت القوم فأنا أؤمهم إمة . وذكر عن العرب سماعا: ما أحسن عمته وإمته وجلسته إذا كان مصدرا . ووجهه بعضهم إذا كسرت ألفها إلى أنها الإمة التي بمعنى النعيم والملك ، كما قال عدي بن زيد .
ثم بعد الفلاح والملك والإمة وارتهم هناك القبور
وقال : أراد إمامة الملك ونعيمه . وقال بعضهم : ( الأمة بالضم والإمة بالكسر بمعنى واحد ) . والصواب من القراءة في ذلك الذي لا أستجيز غيره : الضم في الألف لإجماع الحجة من قراء الأمصار عليه . وأما الذين كسروها فإني لا أراهم قصدوا بكسرها إلا معنى الطريقة والمنهاج ، على ما ذكرناه قبل ، لا النعمة والملك ، لأنه لا وجه لأن يقال : إنا وجدنا آباءنا على نعمة ونحن لهم متبعون في ذلك ، لأن الاتباع إنما يكون في الملل والأديان وما أشبه ذلك لا في الملك والنعمة ، لأن الاتباع في الملك ليس بالأمر الذي يصل إليه كل من أراده .
وقوله : ( وإنا على آثارهم مهتدون ) يقول : وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه من دينهم مهتدون ، يعني : لهم متبعون على منهاجهم .
ومن التفسير السابق الذي يستند اليه اهل العلم في ايضاح وفهم ما تيسر من القرآن الكريم والذي لا غبار عليه يتضح لنا ان التزام هؤلاء السلفيون والوهابيون وباقي الجماعات التي تنتسب للإسلام ويظنون انهم الفرقة الناجية انما يفعلون ما فعل كفار قريش مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم يستخدمون نفس المنهج "انا وجدنا آباءنا على أمة" بغض النظر عن ان كان آبائهم مخطئين ام مصيبين، ويلتزمون من هؤلاء الآباء بما يروق لهم وينفعهم في الوصول الى سلطة او شهرة او جاه او مال، بغض النظر عن ان كان متوافقا مع كتاب الله عز وجل ام غير متوافق، ففي عصر التدوين بالقرن الثاني الهجري، تم تأطير الإسلام ضمن أطر مازالت موجودة حتى يومنا هذا، وتم تعريف السنة، ووضع أصول الفقه، وحتى أصول اللغة العربية، ضمن أطر نبعت من المعارف السائدة، أي من قبل أناس محكومين بالنظم المعرفية السائدة في ذلك الوقت. ولما كان الله مطلقا، وما عداه نسبي، فكل ما تم وضعه كان من باب تفاعل الناس مع التنزيل منسوبا إلى القرن الثاني الهجري، وبعد وضع هذه الأطر التي لا خروج عنها، اقتصر البحث في الممكنات العقلية، التي يمكن استنباطها ضمن هذه الأطر والنظم، حتى يومنا هذا، إلى أن تم استنفاذها.
ونسمع بين الحين والآخر من يقول: افتحوا باب الاجتهاد! ونحن نقول إن باب الاجتهاد لم يغلق أصلا، حتى نطالب بفتحه، ومجامع الفقه الإسلامي مشرعة لا أحد يمنعها من الاجتهاد، لكن إمكانية الاجتهاد ضمن الأطر التي رسخت منذ القرنين الثاني والثالث الهجري، قد استنفذت، ولم يعد الاجتهاد ممكنا إلا إذا تم تجاوز هذه الأطر، والعودة إلى قراءة التنزيل على أساس معارف اليوم، واعتماد أصول جديدة للفقه الإسلامي، والأهم من ذلك كله، أنهم لم يكتفوا بوضع الأطر وتحديدها، بل تم إغلاق هذه الأطر تماما.
ان الفقه الاسلامي توقف عند القرن الرابع الهجري وما اتى بعده شروح وشروح على الشروح في اطار ما تم انتاجه في هذه القرون الأولى، فليس هناك تجديد الا في اطار ما يسمى بالثوابت والتي أصبحت تضم " الصحابة و التابعين اليهم بإحسان والائمه و الفقهاء والبخاري و كتابه وابن تيميه و افرازاته الفكرية والازهر و رجاله و حوائطه و دورات المياه الخاصة به كل هذا أصبح من ثوابت الدين الذي لا يستطيع باحث الاقتراب منها، بل وتحولت الى مقدسات أي اقتراب منها يهدد الاسلام. ونقول لهؤلاء الذين يخشون من الاجتهاد واعمال العقل ونقد التراث، ان دين يعطي للمجتهد المخطئ أجر لهو دين ثابت في الرسوخ ولا يخشى عليه ولا يستطيع أحد هدمه كما تدَعون وقد وعد الله بحفظه في كتابه العزيز.