"داعش" تتبنى تفجير كاتدرائية "جولو" الفلبينية ردًا على استفتاء قانون "بانجسامورو"
الإثنين 28/يناير/2019 - 12:33 م
طباعة
فاطمة عبدالغني
أعلن تنظيم «داعش» من خلال وكالة أنباء أعماق الناطق باسمه مسؤوليته عن الهجوم المزدوج الذي استهدف كاتدرائية جولو جنوبي الفلبين في المنطقة التي تتمركز فيها جماعة أبو سياف المتمردة أمس الأحد، وأسفر الهجوم عن قتل 27 شخصاً على الأقل وأصيب 77 آخرون، وجاء الهجوم الإرهابي بعد ستة أيام من موافقة المنطقة التي يغلب عليها المسلمون بأغلبية كاسحة على منحها الحكم الذاتي.
وأظهرت صور نشرها الجيش أبواب الكاتدرايية ونوافذها محطمة ومقاعدها مقلوبة وأكد آخرون تناثر عدد كبير من الجثث وتعهدت السلطات الفلبينية، بسحق الإرهابيين، ودان المتحدث باسم رئاسة البلاد التفجيرين معتبرا أنهما "عملاً ارهابياً".
للمزيد حول الإرهاب الأسود يفجر كاتدرائية بالفلبين..اضغط هنا
وقال سالفادور بانيلو المتحدث باسم الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي في بيان "سنلاحق حتى أبعد نقطة في العالم المنفذين القساة لهذه الجريمة الوحشية حتى تقديم كل القتلة إلى العدالة ووضعهم خلف القضبان». وأضاف "سيكون القانون بلا رحمة لهم"، وقبل إعلان التنظيم تبنّيه الاعتداء، كانت السلطات أشارت إلى احتمال تورط جماعة أبو سياف المتشددة في تنفيذه، تلك الجماعة التي بايعت تنظيم (داعش) وتشتهر بتفجيراتها ووحشيتها.
للمزيد حول جماعة أبو سياف.. اضغط هنا
ومن جانبه، قال مستشار الأمن القومي هرموجين اسبيرون الذي عزا الاعتداء إلى "مجرمين متطرفين"، وتابع إن "السلام يجب أن ينتصر على الحرب». وأضاف: "لن نخيب آمال الناس في السلام"..
ولقى الحادث إدانة من شخصيات ومنظمات عالمية، إذ دان البابا فرنسيس بابا الفاتيكان التفجير ووصفه بأنه "هجوم إرهابي"، داعيًا الرب لأن يهدي قلوب منفذيه. وقال البابا: "أندد بشدة بهذا العمل العنيف الذي يسبب مزيداً من الأحزان في المجتمع. أصلي من أجل القتلى والجرحى. وليهد الرب قلوب مرتكبي أعمال العنف"
ودان المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، في بيان رسمي، الاعتداء الإرهابي في الفلبين، وأكد الدكتور علي راشد النعيمي رئيس المجلس، ضرورة مواصلة جهود إحلال السلام والأمن في الفلبين، وعدم السماح للمتطرفين بإعاقتها. وقال النعيمي، إن هذا الفعل الإجرامي جاء بعد إعلان نتيجة الاستفتاء الذي أجرته الحكومة في إقليم منداناو ذي الأغلبية المسلمة، وكانت نتيجته موافقة سكانه على العيش في سلام ضمن الدولة في إقليم حكم ذاتي.
وأشار رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة إلى تصويت أكثر من 1.5 مليون مسلم على خيار السلام والتعايش ضمن الدولة الوطنية الفلبينية. إلا أن حفنة من العقول المريضة الكارهة للحياة، والتي تريد أن تفرض رأيها بالقوة من خلال القتل والتخويف والإرهاب، تسعى لإجهاض عملية السلام، وإفشال الاتفاق.
ودعا رئيس المجلس إلى التسريع بعملية السلام في جنوب الفلبين وتكاتف الدولة والمجتمع لإفشال خطط الإرهابيين، والقضاء عليهم.
ويأتي الهجوم المزدوج في أعقاب موافقة الغالبية في جنوب الفلبين الجمعة 25 يناير على إقامة منطقة "حكم ذاتي" للمسلمين، بعد أن تم التصويت في استفتاء على قانون "بانجسامورو" الأساسي، الذي جرى على يومين كان أولهما 21 يناير الماضي، والثاني سيتم في 6 فبراير القادم، لتحديد المناطق التي سيشملها الحكم الذاتي لبانجسامورو المسلمة، حيث أعلنت لجنة الانتخابات في مدينة كوتاباتو؛ أن 36 ألفاً و682 ناخباً صوّتوا لصالح منح مسلمي مورو حكماً ذاتياً، مقابل 24 ألفاً و994 صوّتوا بالرفض.
كما أعلنت لجنة الانتخابات أن حوالي 83% من أكثر من 1.84 مليون شخص صوتوا الاثنين الماضي في خمس مقاطعات، فيما يعرف حالياً بإقليم مينداناو المسلم ذي الحكم الذاتي.
وأضافت لجنة الانتخابات أن مدينة كوتاباتو بجنوب البلاد التي لم يتم تضمينها في الإقليم الحالي الذي يتمتع بحكم ذاتي، قد صوتت لصالح الانضمام للكيان الجديد، يشار إلى أن إقامة منطقة بانجسامورو ذات الحكم الذاتي بنداً رئيسياً من اتفاق سلام تم التوقيع عليه عام 2014 بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو.
وفي هذا الإطار صرح عبدالوهاب علماء كويلان، مندوب جبهة تحرير مورو الإسلامية في القاهرة: إن القانون يؤسس لتشكيل برلمان لشعب مورو يضم 80 عضواً، نصفهم من ممثلي الأحزاب، ومن بين تلك الأحزاب حزب "العدالة لبانجسامورو المتحدة" الذي شكلته جبهة تحرير مورو وأحزاب أخرى، و40% من ممثلي البلديات، و10% من ممثلي القوميات غير الموروية والسكان غير المسلمين، وينبثق عن البرلمان رئيس وزراء ونائبان.
وتابع كويلان أنه من المقرر أن تقود "جبهة تحرير مورو الإسلامية"، سلطة بنجسامورو خلال المرحلة الانتقالية، وسيخول لها إدارة مناطق الجنوب حتى انعقاد الانتخابات عام 2022م، ومن المقرر أن تخصص لها موازنة من الحكومة باعتبارها هيئة تنفيذية وتشريعية مؤقتة أو انتقالية خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وأشاد كويلان بالخطوة التي وصفها بالإيجابية خلال هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها مسلمو الفلبين ويترقبون مستقبلهم، وهي أن كلاً من جبهتي تحرير مورو الإسلامية، وتحرير مورو الوطنية اتفقتا على العمل معاً لتحقيق وضع أفضل للمسلمين، وبذل كل الجهود الممكنة من أجل الاستفتاء وتعريف المواطنين بضرورة المشاركة وليكون التصويت بنعم من أجل واقع جديد أفضل لمسلمي البلاد، ودعا المسلمين حول العالم إلى مساندة مسلمي الفلبين لا سيما في الجنوب، والتعريف بواقعهم وقضاياهم ومساندتهم إعلامياً.
كما قال زعيم "جبهة مورو الإسلامية للتحرير"، مراد إبراهيم: "نحن سعداء جدا بالتأييد الشعبي الجارف"، مضيفا "إنه فوز ساحق لا مثيل له".
ووفق القانون، سيكون للمنطقة نظامها القضائي المستمد من الشريعة الإسلامية من خلال إنشاء محاكم تطبق أحكام الشريعة، مع عدم معارضة الدستور الفلبيني، بالتوازي مع المحاكم المدنية، وباستثناء الحالات التي ترتبط بغير المسلمين الذين يخيرون بين النظام القضائي الإسلامي أو الوطني.
وسيمنح القانون الجديد 75% من إيرادات المنطقة لشعب مورو، والبقية للحكومة المركزية، مقارنة بنسبة 70% ممنوحة للحكم الذاتي الحالي، إضافة إلى تخصيص 5% من إيرادات الحكومة المركزية للحكم الذاتي الجديد من دون شروط مسبقة، وموازنة تنموية أخرى قيمتها خمسة مليارات بيسو فلبيني سنوياً ولمدة عشر سنوات.
ويستثنى من حقوق وصلاحيات الحكم الذاتي الجديد الجيش والشرطة، حيث ستظل المنظومة الأمنية والدفاعية تابعة للحكومة المركزية، كما ستبقى موارد الطاقة المتجددة والطاقة الكهربائية المولدة مائياً تحت إدارة مشتركة مع الهيئات المركزية.
وسيتمتّع مسلمو مورو بحرية في إدارة شؤونهم الداخلية، لكنهم سيتبعون الحكومة المركزية في الشؤون الخارجية، مع منحهم بعض التسهيلات.
وستسلّم "جبهة تحرير مورو الإسلامية" أسلحتها تدريجياً، بالتزامن مع إنجاز خطوات اتفاق الحكم الذاتي، لتكتمل العملية في 2022، وتتحول الجبهة إلى كيان سياسي خاضع لقانون الأحزاب.
ومن أبرز الملفات التي ستظهر مع تأسيس الحكم الذاتي هي كيفية التعامل مع المجموعات المعارضة لعملية السلام.
وبحسب تقارير صحفية يعتبر الاستفتاء الذي بدأ أول أيامه 21 يناير، تتويجاً لإقرار "قانون بانجسامورو الأساسي" في 18 يوليو 2018م، عندما أقرته اللجنة المشتركة من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، تبعها التصديق على القانون في أواخر نفس الشهر من قبل الرئيس رودريجو دوتيرتي.
وجاء إقرار القانون بعد نحو 42 سنة من أول اتفاق سلام تم توقيعه في 23 ديسمبر 1976م بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الوطنية، في ليبيا، كان يقضي بإقامة حكم ذاتي في إقليم منداناو، لكن تقلصت المساحة المخصصة لهذا الحكم إلى حوالي 30% من مساحة منداناو البالغة 117 ألف كم، وهو الحكم الذاتي القائم منذ عام 1990م.
وفي عام 1997 حدثت العلامة الفارقة في تاريخ الصراع، حيث انطلقت سلسلة من اللقاءات، وتوجت بمفاوضات سلام ووقف إطلاق النار عام 2012، وتوقيع الاتفاق الإطاري حول بانجسامورو بين جبهة تحرير مورو الإسلامية والحكومة الفلبينية في أكتوبر 2012م،
وفي 27 مارس 2014 وقع رئيس الفلبين وزعيم جبهة مورو اتفاقية سلام تاريخية طوت صفحة الصراع، وهذه الاتفاقات تقضي بإقامة "كيان بانجسامورو السياسي" الجديد، على أنقاض "الحكم الذاتي" لإقليم منداناو القائم منذ عام 1990م.
وفي عام 2018 سلم رئيس الفلبين نسخة رمزية من قانون الحكم الذاتي للمسلمين في جنوب البلاد إلى قائد المورو، ثم انفرجت الأزمة في عام 2019 حيث أجرت الفلبين استفتاء أيد إقامة منطقة حكم ذاتي للمسلمين، وبهذا تحل الفلبين أحد أعنف النزاعات في آسيا.
يشار إلى أن"جبهة تحرير مورو الوطنية" تأسست في 1962م، مجموعة من الطلاب، وبعد مواجهات مسلحة وتفاوض، تم توقيع اتفاق للسلام في 23 ديسمبر 1976 بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الوطنية في طرابلس ليبيا، يقضي بإقامة حكم ذاتي في إقليم منداناو، وفي عام 1978م انسحب الشيخ سلامات هاشم (نائب رئيس جبهة مورو الوطنية) وقتها، من الجبهة حيث رأى أن الاتفاق الذي جرى توقيعه لا يكفل حقوق المسلمين، وأسس وآخرين جبهة تحرير مورو الإسلامية، والتي بدورها دخلت في مواجهات جديدة مع الحكومة الفلبينية، إلى أن بدأت المفاوضات بينهما في عام 1997م، حتى تم توقيع الاتفاق الإطاري حول بانجسامورو في أكتوبر 2012.
وبحسب المراقبون فإن وقوع الهجوم المزدوج في أعقاب موافقة الغالبية في جنوب الفلبين على إقامة منطقة "حكم ذاتي" للمسلمين، يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل المنطقة التي تتمركز فيها جماعة أبو سياف المتمردة، وكيفية التعامل مع المجموعات المعارضة لعملية السلام والتي تريد أن تفرض رأيها بالقوة من خلال القتل والتخويف والإرهاب، في مسعى منها لإجهاض عملية السلام، وإفشال الاتفاق، وهو الأمر الذي ينبغي التصدي له بتكاتف الدولة والمجتمع لإفشال خطط الإرهابيين والقضاء عليهم.