الغرب ومواجهات تمدد داعش في افريقيا
الإثنين 05/يوليو/2021 - 01:53 م
طباعة
حسام الحداد
دعا وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، الاثنين الماضي 28 يونيو 2021، إلى تشكيل قوة مهام دولية لمواجهة تهديدات تنظيم داعش الإرهابي في أفريقيا.
وقال دي مايو للصحفيين وهو يقف بجوار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن «بدعم من الولايات المتحدة وشركاء آخرين كثيرين، اقترحت تشكيل قوة مهام لأفريقيا لتحديد ووقف التهديدات المتصلة بداعش في القارة».
وأضاف وزير الخارجية الإيطالي أن الدول الأفريقية، التي لم تكن في البدء جزءاً من التحالف المناهض للتنظيم الإرهابي، ومن بينها بوركينا فاسو وغانا وموزامبيق، تمت دعوتها لاجتماع اليوم وهو أول اجتماع مباشر للتحالف منذ عامين. بدوره، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي كان يتحدث بعد اجتماع في إيطاليا استهدف تجديد جهود محاربة التنظيم الإرهابي، إنه يؤيد المبادرة الإيطالية.
وقال التحالف في بيان إنه يرحب أيضاً بالدول الأعضاء الجدد فيه، وهي جمهورية أفريقيا الوسطى والكونجو وموريتانيا واليمن، التي انضمت إلى الدول الثماني والسبعين وخمس مؤسسات تنتمي إليه.
ولم يدل دي مايو بتفاصيل أخرى حول ما ستفعله قوة الطوارئ المقترحة لأفريقيا.
ومع ذلك، فإن من المرجح أن تواصل القوة العمل الذي أنجزته القوات الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي منذ عام 2013.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الشهر إن العملية الفرنسية ستنتهي في الوقت الذي تعمل فيه القوات الآن في إطار جهود دولية أوسع في المنطقة.
وقال بلينكن «دعوني أقول بوضوح شديد إننا نؤيد المبادرة الإيطالية بشدة لضمان أن ينقل التحالف المناهض لداعش خبرته إلى أفريقيا بينما تبقى عيوننا (مفتوحة) على سوريا والعراق عن قرب».
ويعتقد أن الاجتماع الأخير للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ومحاربة داعش لم يأت ثماره في الوقت القريب خصوصا مع تمدد داعش في الساحل الافريقي الغربي وصراعها مع تنظيم القاعدة في محاولة من التنظيم للسيطرة على أفريقيا.
الأزمات الدولية:
وقبل شهر كامل من هذا الاجتماع كانت قد حذرت مجموعة الأزمات الدولية من إمكانية تنامي قوة تنظيم الدولة (داعش) في معاقل التنظيم بقارة أفريقيا نتيجة لجماعات الأمن الأهلية المحلية، التي تؤجج مظاهر الظلم.
وقالت المجموعة إن صعود المجموعات المناهضة للمتطرفين في منطقة "تيلابري" في شمال النيجر، من شأنه أن يوفر لداعش مزيدا من المقبلين على الانضمام للتنظيم.
وقالت المجموعة غير الربحية، في تقرير لها في 28 مايو 2021، إنه يتعين على النيجر أن تتعلم الدرس من دولتي بوركينا فاسو ومالي، المجاورتين، حيث دفع ظهور مليشيات محلية المدنيين في البلدين إلى الانضمام إلى صفوف المتطرفين، أو جماعات الدفاع عن النفس.
كما يتعين على السلطات في النيجر الحيلولة دون تشكيل جماعات الأمن الأهلية، " التي أثارت العنف، وتتوسط في النزاعات الطائفية التي تؤجج عمليات التجنيد للجماعات المسلحة."
قلق مخابراتي:
وفي الأسبوع الماضي نشرت صحيفة التايمز اللندنية تقريرا عن قلق أجهزة المخابرات الغربية من توسع نفوذ الجماعات الإرهابية في أفريقيا جنوب الصحراء ومحاولاتها تجميع قواها لتشكيل كيان إرهابي ربما يتجاوز كثيرا تنظيم داعش. لكن للأسف، لا يبدو هذا الانتباه المتأخر مؤشرا على أي تحرك غربي أو دولي لمواجهة النفوذ الإرهابي في القارة السمراء – على الأقل حتى الآن.
سبب القلق أن مقتل شيكاو، الذي وضعت مكافأة 7 ملايين دولار لمن يرشد عنه، لم يكن على يد الجيش أو قوات الأمن النيجيرية بل على يد جماعة إرهابية أخرى هي "الدولة الاسلامية في إقليم غرب أفريقيا" – داعش جديدة.
ويعمل تنظيم داعش في غرب أفريقيا منذ عام 2017 على تجميع كل الجماعات الإرهابية في قوة واحدة تمتد من ليبيا إلى موزمبيق ومن موريتانيا ومالي إلى الصومال. ويشير تقرير التايمز إلى بروز أبو مصعب البرناوي كقائد جديد لتلك التنظيمات الإرهابية الساعية للسيطرة على مناجم الذهب في الغرب والنفط في الوسط والغاز في جنوب الشرق.
التراجع الغربي:
يأتي كل ذلك في وقت لا يوجد فيه سوى قوة فرنسية قوامها نحو 5 آلاف تساعد دول الساحل والصحراء، موريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، على مواجهة الجماعات الإرهابية. هذا بالإضافة إلى المساعدات الفرنسية لمالي، التي تشهد منذ زمن نشاطا إرهابيا متصاعدا يهدد كل المنطقة بما فيها الجزائر والمغرب. وفشلت فرنسا في الأعوام الأخيرة في اقناع دول الاتحاد الأوروبي بدعم جهودها لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، وبدأت باريس تقلق من زيادة أعداد الضحايا بين قواتها هناك. كما أن الوجود العسكري الأميركي في أفريقيا لمواجهة الإرهاب يتراجع منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. فقد كانت الطائرات الأميركية تساعد في نقل القوات الفرنسية، لكن ذلك لم يعد متاحا الآن. كما أن ترامب قرر قبل مغادرته البيت الأبيض إغلاق قاعدة الطائرات المسيرة التابعة للقيادة العسكرية الأميركية (أفريكوم) في النيجر. وكانت المسيرات من تلك القاعدة تقوم بعمليات في غاية الأهمية باستهداف الجماعات الإرهابية في جنوب وجنوب غرب ليبيا.
يقابل هذا التراجع الغربي عن توفير الدعم والقوات المطلوبة لمحاصرة المخاطر الأمنية الحادة في أفريقيا صعود ملحوظ في أنشطة الجماعات الإرهابية المرتبطة بكل من القاعدة وداعش عبر مختلف الأقاليم الأفريقية. إذ لا يخفى أن تكتيكات الجماعات الإرهابية الخاصة بالتعاون والصراع تفضي في نهاية المطاف إلى استغلال الفراغات الأمنية في مناطق الحدود الهشة والمناطق التي يغيب عنها وجود الدولة الوطنية من أجل تحقيق الهدف المبتغى وهو إقامة دولة الخلافة. تم الإعلان عن مقتل أبوبكر شيكاو زعيم بوكو حرام على يد فرع داعش في غرب أفريقيا بزعامة أبو مصعب البرناوي. ومن المرجح أن يدفع ذلك إلى زيادة التمدد الإرهابي لداعش بحسبانهم "الحصان الأقوى الآن". ربما تتمكن داعش من اكتساب الكثير من الدعم الذي كان موجهاً لبوكو حرام . إذ على الرغم من أن شيكاو قد أقسم على ولائه لزعيم داعش في عام 2015، إلا أن التنظيم المتطرف وجد أن أفعال شيكاو المفرطة في استخدام العنف قد أدت إلى نفور الكثير من الناس في نيجيريا، وهو ما أدى إلى الإطاحة به من قيادة تنظيم داعش في غرب أفريقيا. ارتكبت بوكو حرام العديد من الجرائم الإرهابية بما في ذلك اختطاف ما يقرب من 300 تلميذة نيجيرية في عام 2014 واستخدام الأطفال في عمليات التفجير الانتحارية. ثمة تقديرات استخباراتية وأمنية تعتقد بأن مقتل شيكاو قد يدفع بالعديد من الجماعات الإرهابية المسلحة في خمس دول في منطقة الساحل ، بما في ذلك موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد، إلى الاصطفاف الأيديولوجي والتنظيمي خلف ولاية داعش في غرب أفريقيا.
وحسب دراسة د. حمدي عبد الرحمن والمنشورة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بتاريخ 21 يونيو 2021، يبدو أن تنظيم داعش يحاول، بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها في كل من سوريا والعراق، أن يثبت أنه باقٍ ويتمدد عبر بوابة أفريقيا. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن القوات التي هزمت بوكو حرام بزعامة شيكاو لم تكن تقاتل تحت العلم الوطني النيجيري، بل كانت تقاتل تحت أعلام داعش السوداء لعلمنا مدى قدرة هذا التنظيم الارهابي على التمدد والانتشار. لقد جاء مقتل شيكاو تتويجاً لحملة داعش في ولاية غرب أفريقيا للقضاء على جماعة يعتبرها منافساً وتهديداً محتملاً. بالانتقال من القواعد إلى الشرق، حول بحيرة تشاد، اجتاحت قوات أبو مصعب البرناوي الأشجار الكثيفة لغابة سامبيسا الشاسعة وحاصرت شيكاو حتى قضى نحبه. كان هذا شىء لا يمكن تصديقه، حيث لم تتمكن القوات النيجيرية بكل عددها وعتادها من القيام به خلال 12 عاماً من القتال، على الرغم من إرسال فرق العمل متعددة الجنسيات التي شكلتها الحكومات الغربية والمبالغ الهائلة من المساعدات المخصصة للقضاء على بوكوحرام.أفادت بعض المصادر أن مقاتلي بوكو حرام انضموا إلى فريق داعش المنتصر. ومن المرجح على المستوى الاستراتيجي أن يؤدي الاستيلاء على أراضي بوكو حرام في شمال شرق البلاد إلى إرساء منطقة تمتد آلاف الأميال عبر الأراضي النيجيرية على طول الطريق عبر النقاط الملتهبة مثل مالي إلى الحدود الليبية حيث تسيطر الجماعات التابعة لداعش.
ومن جهة أخرى، أضحت القوات الديمقراطية المتحالفة بزعامة سيكا موسى بالوكو بمثابة فرع داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتعرف هذه الجماعة في هذه المنطقة بعنفها الوحشي ضد المواطنين الكونغوليين والقوات العسكرية الإقليمية، حيث أسفرت هجماتها عن مقتل أكثر من 849 مدنياً في عام 2020 وحده وفقًا لأرقام الأمم المتحدة. وفي عام 2019، أضحت الجماعة تشكل "مقاطعة وسط أفريقيا" التابعة لداعش، وتنشط في الغالب في مقاطعتى شمال كيفو وإيتوري على طول حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية مع رواندا وأوغندا. كما تمثل ميليشيا أخرى منفصلة في موزمبيق، تُعرف باسم أنصار السنة أو حركة الشباب، الجناح الثاني لخلافة داعش في أفريقيا الوسطى. ومنذ أكتوبر 2017، تمكنت داعش - موزمبيق، بقيادة أبو ياسر حسن، من قتل أكثر من 1300 مدني. ولاشك أن اختلاف السياق وطبيعة هذين الفصيلين يعكسان تحولاً في تكتيكات داعش من حيث معايير العضوية والانتساب إليها. ربما يعكس ذلك رغبة داعش المركزية في إثبات قدرتها على البقاء والتمدد.