الإخوان المسلمون.. قراءة جيوسياسية
الأربعاء 07/يوليو/2021 - 03:14 م
طباعة
حسام الحداد
خلافاً للسلفية الجهادية التي تعتمد على العنف كخيار استراتيجي، وتُبَرِّرُهُ بدعوى "واجب" الجهاد ضد "الكفار" و"الصليبيين" واليهود؛ يفضّل "الإخوان المسلمون" استراتيجية مغايرة تقوم على الاندساس التدريجي في النسيج المجتمعي والاعتماد على التقيّة كغطاء اجتماعي وروحاني لنشاطاتهم المريبة التي يقومون بها في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية التي يعيشون ويتمدّدون فيها يوماً بعد يوم.
جاء هذا خلال ندوة فكرية بعنوان "الإخوان المسلمون.. قراءة جيوسياسية"، نظمها منتصف الشهر الماضي فريديريك أونسال، أكاديمي مختص في العلوم الجيوسياسية، في مقرّ الجمعية الوطنية الفرنسية، شارك فيها عدد من المختصّين والخبراء الذين أكدوا العلاقة "العضوية" القائمة بين الأوضاع الأمنية والسياسية الحالية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط من جهة، واستراتيجية "الإخوان المسلمين" من جهة أخرى.
وأجمع المشاركون على أن الاستراتيجية الإخوانية القائمة على تجنّب الأضواء الإعلامية والاندساس السلس في المجتمعات والدول التي تحتضنهم، لا تمنع هذا التنظيم السلفي من دعم الإرهاب كوسيلة لتحقيق مآربه السياسية؛ كدفع منطقة الشرق الأوسط إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. فمثل هذه الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة تُمثّل بيئة حاضنة لتنامي الفكر الإخواني وتمدّده في المنطقة.
وقال ميخائيل برازان، كاتب مختص في إنتاج الأشرطة الوثائقية، أحد المشاركين في الندوة، إن "النازيين كانوا مصدر إلهام للإخوان المسلمين وعرفوا، مثلهم، كيفية التعامل مع الأيديولوجية السياسية والإرهاب والمساعدة الاجتماعية، للسيطرة التدريجية على المجتمعات التي يعيشون فيها؛ خصوصاً التأثير على العقول، حتى تُسهّل عليهم استراتيجية الاندساس هذه".
وأضاف أن الاستراتيجية الإخوانية تقوم أيضاً على الظهور بمظهر الضحية؛ خصوصاً في المجتمعات الغربية؛ حيث يستفيد "الإخوان المسلمون" من تواطؤ أحزاب اليسار الأوروبي المتطرّف، وبعض الحركات الثقافية والفكرية المنبثقة عن الجناح اليساري للحزب الديمقراطي الأمريكي.
ويؤكد غبريال مارتينيز-غرو، الباحث الأكاديمي المختصّ في التاريخ الإسلامي، أن استحالة فصل الدين عن السياسة في المجتمعات الإسلامية هي "فكرة خاطئة"، إذ ساهم توحيد الدول بعد قرن ونصف من وفاة الرسول، في كسر هذه الفكرة، مضيفًا أن المجتمعات الإسلامية الحديثة ليس من قَدَرِهَا أن تعيش إلى الأبد في ظلّ "اضطهاد ظلامي"، تحت تأثير التنظيمات الإخوانية والسلفية التي تُبرّر ذلك باسم الدين الإسلامي الذي هو "براء من أفعالها".
أما فريديريك أونسال، الباحث المختصّ في العلوم الجيوسياسية، فيعتبر أن عَدَاءَ الإخوان المسلمين تجاه فرنسا عداء قديم، يقوم على اعتبار هذا البلد الأوروبي "أرض كفر" يجب على المسلمين ترهيبها وأسلمتها. لكن من المفارقات أن الإخوان المسلمين يستفيدون من مناخ الحرية والديمقراطية الذي يميّز المجتمعات الغربية التي يسعى إلى اختراقها والهيمنة عليها.
استشهد أونسال بقرار وزيرة الرياضة روكسانا ماراسينيانوس المؤيد لارتداء الحجاب أثناء الأنشطة الرياضية، على أنه خير مثال على "مدى تغلغل الفكر الإخواني وعمق تأثيره في المجتمع الفرنسي".
وأضاف أن العديد من مناصري هذا التنظيم والكيانات الأخرى التي تدور في فلكه لا يترددون في الظهور بمظهر الضحية والتلويح بورقة "الإسلاموفوبيا"، ما أن يشعروا بأن أضواء الإعلام وأعين الأجهزة الأمنية والإدارية بدأت تستهدفهم، متسائلاً عن قدرة التنظيم الإخواني على المضي قدماً في استراتيجيته القائمة على اختراق الدولة والمجتمع الفرنسيين.
بدوره، قال جان-ميشال فوفارك، نائب برلماني عن حزب "الجمهورية إلى الأمام" (حزب الرئيس ماكرون)، إن الإخوان المسلمين نزعوا من الفرنسيين الرغبة في التصدّي للفكر الظلامي؛ حيث يسعى هذا التنظيم السلفي إلى التغلغل التدريجي والسيطرة على العقول والتأثير على طريقة عيش المجتمعات الأوروبية، حتى يتمكّن في نهاية الأمر من مراقبتها والسيطرة عليها كلياً.
وتساءل فرنسوا لونكل، الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية المنبثقة عن الجمعية الوطنية الفرنسية، ما إذا كان الخلاص سيأتي يوماً ما من منطقة الشرق الأوسط؛ ففي هذه المنطقة التي تؤوي ربع مجموع السكان المسلمين في العالم، وُلِدَ مشروع الإسلام السياسي، وفيها ترعرع الفكر الظلامي خلال القرن الماضي. وهذه المنطقة ستبقى "منارة" للفكر السلفي والإخواني، تقود أتباعه وتُلهِمُهُم.
وتشعر الدول الأوروبية بالحيرة من كيفية التعامل مع تركيا الأردوغانية التي يتزعّمها رئيس قريب من "الإخوان المسلمين"، ومعروف عنه عنف تصريحاته الشعبوية والقومية.
فوفقاً لنورا ساني، الأستاذة الجامعية المختصة في الدراسات التركية، يدرك أردوغان، أن الإدارة الأمريكية الحالية ستكون أقل تسامحاً إزاءه مقارنةً بسابقتها، وبالتالي يتعيّن عليه تعديل مواقفه المعادية للغرب حتى لا يجد نفسه في عزلة على الساحتَين الأوروبية والدولية.
لكنها تؤكد أيضًا أن أردوغان لا يزال حريصًا على استمرار نفوذ تركيا في ليبيا الغنية بالثروات النفطية، والتي ستشهد في يوم ما فترة إعادة إعمار يمكن أن يستفيد منها رجال الأعمال الأتراك.
كما أن إيران التي تلقّى كوادر ثورتها في المنفى (أهمهم الخميني الذي كان لاجئاً في فرنسا) تدريباً أيديولوجياً من قبل "الإخوان المسلمين" منذ سبعينيات القرن الماضي، تعيش وضعاً مشابهاً لتركيا من حيث علاقاتها بالغرب؛ لكن دورها في زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط وبثّ الفوضى وسعيها لامتلاك السلاح النووي وتمويلها للإرهاب والصراعات المسلّحة في المنطقة، يفوق بكثير دور تركيا الأردوغانية في المنطقة.
إن استراتيجية "الإخوان المسلمين" القائمة على الاندساس التدريجي في المجتمعات التي يعيشون فيها هي بمثابة سُم أكثر فتكاً من أهوال الحروب؛ ويصعب التخلّص منه بسهولة، على الأقل بدون عنف.
فبعض الدول العربية؛ مثل مصر تركت الإسلام السياسي يترسّخ في نظامها، ووجدت نفسها مُجبرة على استعمال القوة من أجل وقف نزيف هذا السم القاتل. ونوّهت الصحيفة بالإمارات العربية المتحدة التي التي ما إن أدركت خطورة هذه الآفة (المد الإخواني) حتى بدأت في محاربتها في المهد.
لكن الأسئلة الرئيسية هي: ما هو عدد الإخوان المسلمين الذين تسللوا إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن؟ كم من متعاطف مع الإخوان المسلمين نجح في التغلغل في قلب أجهزة الحزب الديمقراطي؛ خصوصاً جناحه اليساري؟.
ينطبق السؤال أيضًا على الديمقراطيات الأوروبية، لكن نظراً إلى أن الولايات المتحدة تلعب دوراً محورياً في العلاقات الدولية؛ فإن الإجابة عن هذه الأسئلة تمنحنا فرصة تقييم خطورة هذه الآفة وتأثيرها على المستوى الدولي، فالمعركة مع الإخوان المسلمين بدأت للتو أو تبدأ من جديد.