تريندز: المقاربة الأوروبية الجديدة تجاه الإخوان المسلمين.. النمسا وألمانيا نموذجين
الخميس 15/يوليو/2021 - 08:28 ص
طباعة
حسام الحداد
عقد مركز “تريندز” للبحوث خلال اليومين الماضيين، محاضرة عن بُعد بعنوان “المقاربة الأوروبية الجديدة تجاه الإخوان المسلمين.. النمسا وألمانيا نموذجين”، تحدث فيها الدكتور مهند خورشيد؛ المستشار السابق للحكومة النمساوية، ومدير مركز توثيق الإسلام السياسي في النمسا وأستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة مونستر الألمانية، مستعرضاً تاريخ وحاضر العلاقات بين جماعات الإسلام السياسي والنمسا وألمانيا على وجه الخصوص.
في بداية المحاضرة التي أدارها الدكتور وائل صالح، الباحث بمركز تريندز، حدَّد الدكتور مهند خورشيد، خمس نقاط ومحاور رئيسية؛ لفهم ما يحدث خلال الفترة الحالية، بدأت بلمحة تاريخية عن حضور المسلمين في النمسا وألمانيا بالعصر الحديث، ومراحل تعامل النمسا تحديداً مع الدين الإسلامي؛ والتي بدأت بشكل أكثر بروزاً عام 1908، مع ضم الإمبراطورية النمساوية لبلاد البوسنة التي كان بها نحو 600 ألف مسلم؛ مما دفع للاعتراف بالإسلام كدين رسمي، ثم تبع هذا الاعتراف وضع قانون الإسلام عام 1912، والذي تم بناء عليه عام 1979 إنشاء الهيئة الرسمية لتمثيل المسلمين والمسلمات، وتبعها عام 1982 إدخال تدريس الدين الإسلامي في المدارس النمساوية العامة كمادة إجبارية للطلاب المسلمين، ما لم يرفض ذووهم مشاركتهم في هذه الدروس.
هيمنة تركية
وتطرق المستشار السابق للحكومة النمساوية إلى الهيمنة التركية على معظم المراكز الإسلامية، بنسبة تتراوح بين 60 و65% من المراكز الإسلامية؛ الأمر الذي أرجعه إلى الأعداد الكبيرة من الأتراك التي جاءت إلى ألمانيا والنمسا بعد الحرب العالمية الثانية، من أجل المشاركة في عملية إعادة الإعمار، وبدلاً من العودة إلى بلادهم بعد سنواتٍ قليلة استقروا في هذه البلاد، وأصبحنا اليوم أمام الجيل الثالث وبداية الجيل الرابع من أبنائهم، موضحاً أن وزارة الشؤون الدينية التركية مسؤولة عن نحو 70% من الجمعيات الإسلامية في كل من النمسا وألمانيا، في وقتٍ تحمل فيه هذه المراكز أجندات سياسية معينة على الرغم من افتراض أنها مراكز إسلامية.
تخوض النمسا معركة طويلة الأمد لمكافحة التطرف
وأوضح أن الإخوان المسلمين جاءوا في الستينيات والسبعينيات؛ هرباً من الملاحقات في مصر وسوريا، واستغلتهم أوروبا خلال الحرب الباردة في مواجهة الشيوعية، وتم استقبالهم بشكل رسمي وبترحيب في عدة بلاد؛ من بينها ألمانيا الغربية وفرنسا، لكن ليس حباً في الجماعة، وإنما لتحقيق أهداف محددة؛ خصوصاً مع ما أظهروه من غربة في العودة إلى بلادهم، وهو الوضع الذي تغير مع الجيلَين الثاني والثالث، وأصبحت الأجندات السياسية للجماعة متوجهة نحو أوروبا، وهنا بدأ الإدراك الأوروبي للخطر الذي تواجهه من أنشطتهم.
تجفيف المنابع
في النقطة الثانية، تطرق الدكتور مهند خورشيد إلى الخطوات التي اتخذت لتجفيف منابع الإسلام السياسي في أوروبا؛ خصوصاً أنه منذ أحداث 11 سبتمبر اختزل التطرف على مفهوم العنف فقط، لكن ما أدركته أوروبا لاحقاً هو أن هناك جماعات لا تحمل شعارات العنف لكنها تحمل خطراً كبيراً ليس فقط على أوروبا بل على الإنسانية؛ بسبب سلوكياتها التي تحاول اختراق مؤسسات الدول، وترفض العنف علناً وتظهر إرادة الاندماج في المجتمعات الأوروبية؛ لكنها تتبنى خطاباً عدوانياً للمجتمع وتتهمه بأنه يسيء إلى الإسلام، وهو ما انتبهت إليه النمسا مؤخراً.
وأضاف أن سياسة هذه الجماعات تركز على كل ما هو سلبي، وتقوم بتضخيمه؛ بما في ذلك ما يصدر عن اليمين المتطرف، وتحاول إظهار المجتمعات الأوروبية بأنها معادية للمسلمين والإسلام، مشيراً إلى أن هذه السياسة تقف خلفها جماعة الإخوان المسلمين بشكل واضح، مؤكداً أن ألمانيا والنمسا بدأتا بالفعل اتخاذ إجراءات قانونية لبحث وتفكيك تيارات الإسلام السياسي وإجراء تغييرات قانونية تتيح ملاحقة هذه الجماعات.
المحور الثالث من نقاشات ندوة مدير مركز توثيق الإسلام السياسي في النمسا تناول ردود فعل جماعات الإسلام السياسي على التحركات الأوروبية لمواجهتها، وأكد مهند خورشيد أن هذه الجماعات تعتمد استراتيجية لمواجهة هذه التحركات قائمة على تزييف الحقائق والتلاعب بالعواطف ومحاولة تضليل الرأي العام، من خلال التواصل مع سياسيي المعارضة والادعاء بأن القرارات الحكومية بمثابة محاولة لتكميم أفواه المسلمين ومنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي، وفي المقابل تعمل على تصدير هذه الصورة إلى الخارج؛ لإحداث شرخ كبير بين المسلمين والغرب بشكل عام، وهو ما يلقى قبولاً من المعارضة؛ ليس قناعةً بما يقولونه بل اعتراض على قرارات الحكومة وتوجهاتها.
وأوضح أن هذه التحركات تأتي مدعومة من قِبل وسائل إعلام تتبنى سياستهم؛ مثل وكالة الأناضول للأنباء التي تصف ما يحدث بأنه حرب على الإسلام والمسلمين، وهو ما يجري بالتزامن مع استخدام لغة خطاب مختلفة بعيدة عن اللغة الدينية للوصول إلى فئات مختلفة بالمجتمعات الأوروبية، مع تعزيز استخدام لغة الضحية في الخطابات التي تظهرهم وكأنهم يرغبون في الحياة بشكل اعتيادي.
ادعاء المظلومية
وتطرق مهند خورشيد في المحور الرابع إلى مشكلة تعاطف بعض التيارات في أوروبا مع جماعات الإسلام السياسي؛ ومن بينها معارضون لرئيس الوزراء النمساوي الذي يؤكد دائماً، في حديثه، التفرقة بين الإسلام والإسلام السياسي، بالإضافة إلى أعضاء من اليسار الأوروبي؛ وهو تعاطف يخدم أجندتهم ضد الحداثة وليس حباً في الإسلام السياسي، بجانب بعض التعاطف الممزوج بنوع من السذاجة لبعض الأشخاص الذين يتأثرون بخطاب العاطفة المستخدم باعتبارهم ضحايا للعنصرية.
واختتم المستشار السابق للحكومة النمساوية حديثه بالتطرق إلى مستقبل الإسلام السياسي في أوروبا، والذي يتطلب توعية المسلمين أنفسهم؛ لعدم التأثر بلغة العاطفة وسردية الضحية التي يتم استخدامها من قِبل هذه التيارات، بالإضافة إلى وضع قوانين للتضييق على ممارسات الإسلام السياسي، مع التركيز على إيجاد بديل لخطابات النقد والتفكيك لهذه الحركات؛ لعدم إحداث حالة من الفراغ لدى الشباب.
وأكد خورشيد أن ثمة اجتماعات مغلقة جرَت في الشهور الماضية، على مستوى الدول الأوروبية، ظهر فيها واضحاً حالة الترقب لمتابعة التطورات في النمسا وألمانيا وفرنسا، مشيراً إلى أن هناك تبادلاً للخبرات وتعاوناً بين الدول الأوروبية في هذا الملف بشكل وثيق.