"الأعمال المعادية للإسلام والمسلمين" بفرنسا خلال عام 2020

الأحد 01/أغسطس/2021 - 12:21 م
طباعة الأعمال المعادية حسام الحداد
 
يقدم مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من وقت لآخر فراءة في مؤشرات الإسلام في أوروبا ومؤخرا قامت وحدة رصد اللغة الفرنسية بالمرصد بتقديم قراءة مهمة حول الأعمال المعادية للإسلام والمسلمين في فرنسا حيث بات استمرار تصاعد مؤشر "الأعمال المعادية للإسلام والمسلمين"، وأعمال التمييز والعداء للأجانب، للعام الثاني على التوالي في فرنسا مؤشرًا مقلقًا للغاية، وعائقًا أمام السلم المجتمعي. 
علاوة على ذلك فإن المتابع لسجل فرنسا في مجال مكافحة أعمال العنصريَّة والتمييز تلقائيًّا سيجد أنَّ سجلها مسار انتقادات وتساؤلات، لا سيّما مع ارتفاع وتيرة خطاب اليمين المتطرف الذي يسعى جاهدًا إلى أن تمارس الدولة الفرنسية دورًا قمعيًّا تجاه اللاجئين والمهاجرين الذين ترفض تهميشهم مجتمعيًّاز
ومن هنا نجد أنَّ المشهد الفرنسي منقسم بين فئتين: فئة تدافع عن الهوية الفرنسية وترى في الإسلام تهديدًا لها، وفئة أخرى تجد نفسها دائمًا موضع اتهام بجانب شعورهم الدائم بأنهم غرباء حتى وإن ولدوا على التراب الفرنسي؛ ما يجعلها دائمة في حالة دفاع عن حقها في هويتها الدينية والوطنية.
ومن الملاحظ أنَّ هناك عاملًا مشتركًا بين خطابات أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، والتي تدور فحواها حول الهوية الإسلامية ومدى تماشيها مع القيم الأوروبية، وأنَّ غالبية الجاليات المسلمة المهاجرة غير مندمجة مع النسيج الوطني الذي تعيش فيه. كما يزداد الأمر سوءًا عندما تتبنى بعض الحكومات خطابًا يحمل نفس أفكار خطابات اليمين المتطرف؛ بهدف كسب المزيد من الأصوات الانتخابية.
وفي العديد من المحافل الدولية، تدعو "لجنة الأمم المتحدة" جميع الدول أن تجمع وتنشر "بيانات شاملة مصنفة حسب العرق أو الأصل، وأن تُحلل الآثار التراكمية للقوانين والسياسات والممارسات على مجموعات عرقية وإثنية معينة"؛ الأمر الذي دفع مفوَّضة الأمم المتَّحدة السامية لحقوق الإنسان إلى حث فرنسا على كسر أحد المحرمات "التابوهات"، عن طريق البدء في استخدام الإحصائيات العرقية لمكافحة "العنصرية الممنهجة" في البلاد. ولكن للدفاع عن علمانيتها وروحها الجمهورية، لا تسمح فرنسا بإحصائيات عرقية أو دينية أو جنسية. فليس معروفًا عدد الأجناس الموجودة على التراب الفرنسي، وما هو الدين الذي يمارسونه في البلاد.
ولكن المتأمل في المشهد الفرنسي يجد أنَّ أعمال التمييز على سبيل المثال في مجال العمل تضاعفت خلال العشرين عامًا الماضية، وهذا ما خلص إليه استطلاع رأي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام (Ifop)، لصالح موقع "ميتيو جوب" (Meteojob.com)، على قرابة (4000) موظف، والذي نشرته صحيفة (20 Minutes) الفرنسية. 
ووفقًا لنتائج الاستطلاع، فإنَّ نسبة الموظفين الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا لأعمال التمييز عند البحث عن عمل وصلت في الواقع إلى (21%) خلال عام 2021، وقد تضاعف هذا الرقم تقريبًا خلال العشرين عامًا الماضية، منذ أن ظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجرته شركة إبسوس (Ipsos) خلال عام 2001، والتي بلغت فيه نسبة التمييز في مجال العمل (12%).
وأوضح الاستطلاع أنَّ النساء لا تزال أولى ضحايا التمييز بنسبة (23%) مقابل (19%) للرجال، كما تتأثر أدنى الفئات الاجتماعية بهذه الظاهرة، حيث عانى (21%) من العمال و(24%) من الموظفين من التمييز، في حين عانى (19%) من العاملين بالمهن الوسيطة والمديرين.
كما أن نسبة ضحايا التمييز في مجال التوظيف أعلى بكثير بين الأشخاص "غير البيض" فقد وصلت (42%)، وفيما يتعلق بالطوائف الدينية، بلغت نسبة التمييز (53%) بين المسلمين و(35%) بين البروتستانت، و(19%) بين الكاثوليك، كما بلغت نسبة التمييز بين الموظفين الذين يحملون جنسية أجنبية إلى (50%).
أشكال التمييز:
بالنسبة لأشكال التمييز، فإن (14%) من عينة الاستطلاع أجمعوا على أنَّ التمييز يبدأ بمجرد فحص السيرة الذاتية، ويصبح أكثر واقعية أثناء مقابلة العمل بنسبة (17%)، ليصل إلى (18%) خلال عملية اتخاذ قرار التوظيف بعد المقابلة الشخصية.
بالإضافة إلى ذلك، ما يقرب من (20%) من النساء المشاركات أقررن بأنهنَّ تعرضن للعديد من الملاحظات المهينة خلال اللقاء وجهًا لوجه مع أرباب العمل، وأوضحن أنَّ الحديث غير المرغوب فيه خلال هذه المقابلة يدور بشكل أساسي حول السجل العرقي والثقافي بنسبة (29%)، والمعتقدات الدينية بنسبة (30%)، ولقب العائلة بنسبة (30%) من الموظفين من جنسيات أجنبية، والتلميحات الجنسية بنسبة (19%)، وأشكال التحرش الجنسي بنسبة (5%)، كما يشيع أسئلة متعلقة بالأمومة خلال المقابلة؛ لأن أرباب الأعمال يتمتعون بحرية السؤال عما إذا كان لدى المتقدمين أطفال، وما إذا كانوا يتوقعون أن ينجبوا قريبًا، وهل من المحتمل أن تؤثر المسؤوليات الأسرية على وظيفتهن.
وأوضح الاستطلاع أيضًا أنه على الرغم من أن هناك العديد من إجراءات التوعية والمبادرات التي عملت عليها الجهات المعنيّة منذ سنوات؛ بهدف منع واستئصال "أعمال التمييز"، لا سيّما في مجال التوظيف، فإن مثل هذه الممارسات التمييزيَّة لا تزال لها وجود في أماكن العمل.
فعلى سبيل المثال، لمواجهة ظاهرة العنصرية وأعمال التمييز، وكره الأجانب، شنّت الحكومة الفرنسية حربًا ضد العنصرية بإطلاق حملة توعية عبر موقع رسمي تابع لها يحمل هاشتاج (TousUnisContrelaHaine#)، تقوم فيه ببث مقاطع فيديو على وسائل الإعلام تفضح فيها ما يتعرض له المسلمون واليهود وذوي البشرة السوداء من إهانات لفظية وصولًا إلى اعتداءات جسدية، وتشدد الحكومة الفرنسية خلال تلك الحملة على رفض الأحكام المسبقة التي تستهدف كل الفئات، وتدعو في الوقت نفسه إلى التعبئة الشاملة ضد تلك الظاهرة.
وتؤكد مقاطع الفيديو على أنَّ "العنصرية تبدأ بكلمات وتنتهي بالبصاق والضرب والدم"، وتدعو الجميع إلى ضرورة التحرك ضد كافة أشكال الحقد ورفض الآخر، لا سيّما الأحكام المسبقة التي تستهدف مجموعة معينة بسبب اختلافها في الدين أو العرق أو اللون، وتؤدي في آخر المطاف إلى العنف والاعتداء الجسدي. 
وتبدأ جميع الفيديوهات بجملة "مستوحاة من وقائع حقيقية"، محذّرة من كونها "قد تكون صادمة"، وتنتهي بالدعوة إلى الحشد ضد أعمال التمييز والعنصرية، وذلك بعبارة "لنتحرك جميعًا ضد الكراهية".
ويُظهر أحد هذه المقاطع المصورة مسلمًا يتعرض للضرب من قبل ثلاثة أشخاص، بالتزامن مع حديث يسمعه المشاهد بشأن بعض الأحكام المسبقة التي يروجها المعادون للعيش المشترك مع المسلمين. وجاء في الحديث قول شخص: "إنه يخشى من تزايد عدد المسلمين في فرنسا، بسبب أنه يراهم في كل مكان"، ويرد عليه آخر قائلًا: "إن لم نقم بشيء فإن فرنسا ستتحول إلى بلد إسلامي في غضون (20) عامًا، ويتدخل ثالثهم على الخط فيتهم المسلمين بـ"الإرهاب".
ولإيضاح خطورة الموقف، يمكننا تسليط الضوء على التقرير السنوي الخاص بمكافحة العنصرية بكافة أشكالها بفرنسا، والذي نُشر يوم الخميس الموافق 8 يوليو 2021، حيث قدمت "اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان بفرنسا" (CNCDH)، بيانًا خاصًا بأعمال العنصرية ومعاداة السامية والعداء للأجانب خلال عام 2020، وقد شهد هذا العام موجات من تفشي وباء "Covid-19"، واعتمدت اللجنة الوطنية على بيانات من جهاز المخابرات الإقليمي المركزي، الملحق بالشرطة الوطنية ووزارة الداخلية، وخلص التقرير إلى النتائج التالية:
-    خلال عام 2020، تزايد مظاهر التسامح تجاه الجاليات بفرنسا بين الفرنسيين مقارنة بعام 2019.
-    وفقًا لأرقام وزارة الداخلية الفرنسية التي جمعتها "اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان بفرنسا" (CNCDH)، تم تسجيل (1461) حادثة عنصرية خلال عام 2020، مقارنة بـ (1983) حادثة خلال عام 2019.
-    ازدادت الأعمال المعادية للإسلام والمسلمين التي سجلتها قوات الأمن الفرنسية – ولا سيّما التهديدات – للعام الثاني على التوالي بنسبة (52%).
-    أدت جائحة "كوفيد – 19" إلى ارتفاع أعمال العنصرية ضد الآسيويين بفرنسا.
-    "الأحكام المسبقة" لا تزال "حاضرة للغاية"، ولكنها تتراجع.
-    وفقًا لتقرير 2019م، انخفضت أعمال العنصرية بنسبة (26%) بفرنسا، بعد الحجر الصحي الأول. 
ومن خلال هذه النتائج، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على ضرورة التصدي بكل حزم لهذه الظاهرة التي تعمل على تمزيق النسيج المجتمعي، وتعكر صفو التعايش المشترك بين كافة الطوائف على التراب الفرنسي، محذرًا من أية دعوات داخل المجتمع الفرنسي ضد المسلمين أو اعتبارهم خارج منظومة المجتمع؛ لأن ذلك لن يسهم في دعم ترابط عناصر المجتمع الفرنسي الواحد، ولا شك أن المسلمين مكون أساسي داخل هذا المجتمع.
كما يدعو المرصد إلى تعظيم دور المناهج التربوية والتعليمية الشاملة التي تهدف إلى تعليم الطلاب احترام كرامة الإنسان، أيًّا كان دينه أو عرقه أو لونه أو جنسه، وتقبل الاختلاف في الرأي والتسامح، وتعمل على إعلاء قِيمة الحوار؛ حيث إنَّ التعليم هو العامل الرئيس في تحصين النشء والشباب من الأفكار المغلوطة، وغرس قِيم المواطنة والتعايش والوسطية وقبول الآخر ونبذ التعصب والكراهية والتطرف من خلال مناهجه السويَّة، والتي بدورها تغلق الباب أمام عوامل التطرف.

شارك