هل تكون أفغانستان ملاذا آمنا للإخوان بعد سيطرة طالبان؟

الإثنين 16/أغسطس/2021 - 03:00 م
طباعة هل تكون أفغانستان حسام الحداد
 
بعد أن سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول أمس الأحد 15 أغسطس 2021، ارتفع سقف توقعات عدد ليس بالقليل من خبراء الحركات الإسلامية والعاملين في مجال الإسلام السياسي، بأن أفغانستان تحت حكم طالبان سوف تكون ملاذا آمنا لعناصر وقيادات جماعة الإخوان الهاربين من مصر في الفترة القادمة خصوصا بعد التضييق على هذه العناصر في تركيا، هذا الطرح يستند لتقديم جماعة الإخوان دعما ماديا وإغاثيا وإنسانيا لطالبان والجهاديين في أفغانستان خلال الحرب ضد السوفييت، فضلا عن وجود فرع للإخوان هناك، وقد  عرضت القيادات الإخوانية هذه الفكرة في وقت سابق على إبراهيم منير القائم بعمل المرشد عبر مؤتمر عقد في يوليو الماضي 2021، في العاصمة البريطانية لندن، ولم يعارضها، لكنه طلب مزيدا من التشاور مع قيادات التنظيم الدولي، ومسؤولي حركة طالبان، والنظام التركي، خاصة في ظل الخلاف الحالي بين طالبان ونظام أنقرة بسبب ما تصفه الحركة للتواجد التركي في أراضي أفغانستان بالاحتلال.
وللإجابة على هذا السؤال لابد من العودة لتاريخ العلاقة بين جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي وحركة طالبان تلك العلاقة التي مرت بمرحلتين مختلفتين من التلاقي والتنافر
التلاقي:
لم تكن كابول بعيدة تماماً عن مصيدة الإخوان، إذ تم استقطاب هارون المجددي مندوب الهيئة العربية عن أفغانستان، واستقباله في مقر المركز العام للجماعة في القاهرة عام 1948، كما لعب "قسم الاتصال" بالعالم الإسلامي والبلاد العربية الذي أسسه حسن البنا عام 1944، دوراً مهماً في استمالة الشباب الأفغان الوافدين للدراسة في جامعة الأزهر، أمثال برهان الدين رباني، وعبد رب الرسول سياف، ومحمد خان نيازي، وقلب الدين حكمتيار، وغيرهم، والذين تمكنوا من نشر المنهجية الفكرية للإخوان بين طلاب الجامعات، وأسسوا حركة "الشباب المسلم"، و"جمعية خدام الفرقان"، و"الجمعية الإسلامية"، لدرجة دفعت حكومة داود خان إلى متابعتهم وملاحقتهم أمنياً.
مع اشتعال الحرب الأفغانية السوفياتية التي استمرت من ديسمبر 1979 حتى فبراير 1989، كانت جماعة الإخوان الداعم الأساسي والمموّل الرئيسي لجبهات المقاتلين الأفغان، تحت مظلة الولايات المتحدة الأميركية، التي أطلقت عليهم "السلاح السري" في حرب الظل ضد الاتحاد السوفياتي، وفقاً لكتاب "النوم مع الشيطان"، لضابط الـCIA المتقاعد، روبرت باير، المسؤول عن عمليات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، كاشفاً توظيف المخابرات الأميركية لجماعة الإخوان، في القيام بأعمال قذرة في كل من اليمن وأفغانستان.
أشرفت جماعة الإخوان مباشرةً على المشهد الأفغاني، وكلّفت كمال السّنانيري (زوج شقيقة سيد قطب)، إدارة ملف الحرب الأفغانية، ومن بعده الدّكتور أحمد الملط، بمساعدة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور كمال الهلباوي، والدكتور مناع القطان، خلال فترة المرشد الرابع للجماعة، محمد حامد أبو النصر، وفقاً لمذكرات عبد المنعم أبو الفتوح المنشورة بعنوان "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر"، فضلاً عن تأسيسهم جبهة موحَّدة للقتال ضد الروس تحت مسمى "الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان"، برئاسة عبد رب الرسول سياف عام 1983.
من جهة أخرى، كان للإخواني الفلسطيني عبد الله عزام دور بالغ في تأسيس مكتب "خدمات المجاهدين العرب" في بيشاور عام 1984، بالتعاون مع "معسكر مأسدة الأنصار"، و"بيت الأنصار" 1984، اللذين أسسهما أسامة بن لادن، وكانت تلك المكوّنات المسلحة النواة الأولى لتنظيم القاعدة في ما بعد.
عمل مكتب الخدمات على جمع التبرعات من العديد من البلدان الغربية، والولايات المتحدة، من خلال فروعه المنتشرة في أكثر من 33 مدينة أميركية، الى جانب عدد من الدول الأوروبية من أجل دعم المقاتلين الأفغان، فضلاً عن تأسيس منظمة الإغاثة العالمية Global Relief Foundation، عام 1992، ومقرها بريدج فيو، في ولاية إلينوي، وهي ثاني أكبر مؤسسة خيرية إسلامية في الولايات المتحدة، وارتبطت بعلاقات مباشرة مع مكتب "خدمات المجاهدين"، وأسهمت هذه الفروع في تجنيد الشباب وتمويلهم وتدريبهم وإلحاقهم بمعسكرات القتال الأفغاني. 
 التنافر:
سقوط حركة "طالبان" عام 2001، كان بمثابة بداية ملهمة لقيادات الإخوان في إعادة تموضعهم التنظيمي في العمق الأفغاني، والتغلغل في مفاصل المؤسسات الثقافية والفكرية الاجتماعية والسيادية، إبان حكم الرئيس حامد كرزاي، كبديل لـ"طالبان" التي دخلت في منافسة شرسة مع جماعة الإخوان نهاية التسعينات من القرن الماضي، رغم المظلة الفكرية الجامعة بين أدبياتهما في مفاهيم أسلمة المجتمعات والسيطرة على الحكم، إذ وقعت المؤسسات السيادية الأفغانية، تحت هيمنة جماعة الإخوان، في مقدمتها جهاز المخابرات المركزية، الذي ظل تحت سيطرتهم لفترة طويلة، ويتولى رئاسته حالياً أسد الله خالد، أحد رجال عبد رب الرسول سياف، فضلاً عن احتفاظهم بمنصب رئيس أركان الجيش الأفغاني، وسيطرتهم على جهاز الأمن الداخلي والمؤسسات القضائية، وامتلاكهم مجموعة من شركات الحراسات الخاصة والخدمات الأمنية.
في يونيوعام 2002، أعلنت 30 قيادة أصولية تأسيس كيان سياسي يمثل جماعة الإخوان في أفغانستان، تحت مسمى "الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية"، في منطقة تيمني في العاصمة كابول، بعد الحصول على الموافقة الرسمية من وزارة العدل، وضمّت 35 فرعاً، ووضعت في مقدمة أهدافها التأثير في الطبقات الاجتماعية المتعددة، بما يحقق للجماعة نشر أدبياتها الفكرية.
يتبع جمعية "الإصلاح الأفغانية"، عدد كبير من المدارس التعليمية الخاصة، وأكثر من 4 معاهد لتعليم الفتيات، و8 مدارس لتدريس العلوم الشرعية، و7 معاهد متخصصة في تأهيل المعلمين، منها على سبيل المثال معهد "الإصلاح لإعداد وتأهيل المعلمات"، أنشئت عام 2008؛ معنية بدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، و"إصلاح النموذجية"، أُسست عام 2006 في مدينة جلال آباد، و"دار العلوم الإسلامية" أُنشئت عام 2008، ومدرسة "الفلاح" للبنات، أُنشئت عام 2009 بمدينة جلال آباد، وتخصصت في إعداد الكوادر القيادية في المجالات الفكرية والعلمية والمهنية.
لما للإعلام من تأثير قوي وفاعل، اتجهت جماعة الإخوان إلى تأسيس كيانات إعلامية تدافع عن توجهاتها وأفكارها، منها قناة "الإصلاح"، كأول قناة فضائية أفغانية، وإذاعة "صوت الإصلاح"، تأسست عام 2008، الى جانب إصدار المجلات والصحف والمواقع الإلكترونية، مثل "إصلاح مللي" وتصدر أسبوعياً بالفارسية والبشتو، ومجلة "معرفة" وتصدر شهرياً باللغة الفارسية، ومجلة "جوان" وتصدر بالبشتو، ومجلة "رسالة الإصلاح"، (نصف شهرية)، ويطبع منها أكثر من 100 ألف نسخة، ولها تأثير بالغ في الشارع الأفغاني.
أسس إخوان أفغانستان "جمعية المساعدات الإنسانية"، كمنظمة عاملة في المجال الخيري، وتوسعت في إنشاء المستشفيات والعيادات الطبية، كنوع من تحقيق استراتيجية "الدولة البديلة"، أو "الدولة الموازية" للنظام السياسي القائم،  والسيطرة على الطبقات الفقيرة، بما يخدم أهدافها السياسية.
تمتلك جماعة الإخوان داخل أفغانستان مؤسسات اقتصادية كبيرة، فضلاً عن الدعم المالي المقدم من قيادات التنظيم الدولي، إذ إن معظم المشاريع التي تنفذها الجماعة، سواء الدعوية أم التعليمية، تطرح بصورة مجانية أو رمزية، خاصة المعنية بعمليات الاستقطاب والتجنيد الفكري والتنظيمي، بهدف خلق دوائر تعاطفية مع أطروحات الجماعة ومستقبلها في الداخل الأفغاني.
يأتي في مقدمة العناصر الأصولية المحسوبة على جماعة الإخوان، والفاعلة في إدارة المكوّن التنظيمي، الدكتور عبد الصبور فخري، أستاذ اللغة العربية في جامعة كابول، ومحمد صهیب رؤوف، وأمين معتصم، ونصیر أحمد نویدي، ومحمد نعیم جلیلي، وصفت الله قانت.
انتفض إخوان أفغانستان تزامناً مع ثورة 30 يونيو 2013، وسقوط حكم الإخوان في مصر، وأعلنوا رفضهم لإطاحة محمد مرسي، من خلال مؤتمر جماهيري عُقد بفندق "همسفر" بالعاصمة كابول، تحت عنوان "مؤتمر التضامن الأفغاني مع الشرعية في مصر"، بحضور رئيس الوزراء الأفغاني الأسبق المهندس أحمد شاه أحمد زاي، والمنظّر الإخواني محمد زمان، والكاتب والمحلل السياسي وحيد مجده، والدكتور فضل الهادي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (مؤسسه يوسف القرضاوي، ومقره قطر)، فضلاً عن تنظيمهم عدداً من التظاهرات في كبريات المدن الأفغانية، مثل مدينة هرات في الغرب، ومزار شريف في الشمال، وقنذر في شمال الشرق، وجلال آباد في الشرق، للمطالبة بعودة الجماعة إلى سدة الحكم في القاهرة.
ما تقدم يجعل الإجابة على سؤال العنوان "هل تكون أفغانستان ملاذا آمنا للإخوان بعد سيطرة طالبان؟" أقرب إلى النفي، فالجماعة لم تكن في الفترات الأخيرة حليفة لطالبان بل عملت على احتلال مكانها في الواقع الأفغاني وحققت مكاسب عديدة بتعاونها مع الحكومات المختلفة القريبة من العدو الرئيسي للحركة – الأمريكان – وتتمتع جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي بعلاقات قوية مع أعداء الحركة بشكل عام، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الاختلافات الأيديولوجية بين جماعة الاخوان وتنظيمها الدولي وحركة طالبان سواء على المستوى النظري او على مستوى الممارسة، خصوصا في مسائل الحريات ووضع المرأة والموقف من الأخر الديني او السياسي، ورغم ذلك فان ما يرجح التقارب بين الحركتين احتياج طالبان للأموال لإعادة الإعمار والتمكين وفي هذه الحالة ربما تلعب قطر دورا مهما مع طالبان للسماح باستقبال العناصر الاخوانية، وكذلك على التنظيم الدولي أن يقوم بضخ أموال كافية ولو في هيئة استثمارات لتسهيل وجود عناصره هناك.

شارك