انعكاسات المواقف المؤيدة لإسرائيل في حربها على غزة

الجمعة 29/نوفمبر/2024 - 12:32 ص
طباعة انعكاسات المواقف حسام الحداد
 
شهدت أوروبا خلال السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في التوترات المرتبطة بالصراعات في الشرق الأوسط، حيث باتت مواقف الدول الأوروبية المؤيدة لإسرائيل في حربها على غزة تمثل عاملاً محركاً لتنامي الإرهاب والتطرف على أراضيها. في هذا السياق، يمكن النظر إلى التواجد الأمني المكثف الذي يصاحب مباراة كرة السلة بين ألبا برلين ومكابي تل أبيب كجزء من هذه الظاهرة المتزايدة. فالقلق الأمني لم يعد مقتصراً على مواجهة المخاطر التقليدية، بل امتد ليشمل تهديدات مرتبطة بأبعاد سياسية ودينية عابرة للحدود.
وتتواجد قوة كبيرة من الشرطة قوامها 1500 فرد في الخدمة لتأمين مباراة كرة السلة في الدوري الأوروبي بين ألبا برلين الألماني ومكابي تل أبيب الإسرائيلي.
وذكرت شرطة برلين على حسابها بمنصة (إكس) للتواصل الاجتماعي، يوم الخميس، أن التدابير الوقائية تشمل إغلاق الطرق، وحظر السكاكين في عدد من المناطق من بينها صالة (أوبر أرينا)، التي تجرى عليها المباراة، والفندق الذي يقيم فيه فريق مكابي.
 ويعتبر تواجد الشرطة في الملاعب أمر غير معتاد في مباريات كرة السلة، غير أن تواجدها المكثف يعود لعدم استبعاد أحتجاجات معادية لإسرائيل والسامية وأعمال عنف.
 وقالت إيريس سبرانغر، عضو مجلس الشيوخ في برلين للشؤون الداخلية على منصة (إكس)، إن الأشخاص الذين قد يتسببون في مشاكل خلال المباراة منعوا من دخول ملعب اللقاء.
السياسات الأوروبية والموقف من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
لعبت مواقف الدول الأوروبية المؤيدة لإسرائيل في حربها الأخيرة على غزة دوراً محورياً في تأجيج الغضب الشعبي، ليس فقط بين الجاليات المسلمة والعربية المقيمة في أوروبا، بل أيضاً بين بعض النشطاء الأوروبيين الداعمين للقضية الفلسطينية. هذه المواقف، التي تتسم في كثير من الأحيان بانحياز واضح لإسرائيل، يُنظر إليها على أنها تواطؤ مع عمليات القصف والقتل التي يتعرض لها المدنيون في غزة، ما يؤدي إلى تنامي الشعور بالاضطهاد لدى شرائح واسعة من المجتمع.
الإحباط والتهميش داخل الجاليات المهاجرة
تعاني الجاليات المسلمة والعربية في أوروبا من مشكلات اجتماعية واقتصادية، كالفقر والبطالة، إلى جانب الشعور بالعزلة الثقافية. هذه العوامل تُعتبر أرضاً خصبة لتجنيد الأفراد في حركات متطرفة. عندما تقف الدول الأوروبية علناً إلى جانب إسرائيل، يتعزز الشعور بالاستهداف، مما يدفع البعض إلى اللجوء إلى أساليب احتجاجية قد تتطور إلى أعمال عنف.
ومع العولمة وانتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، أصبح الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أكثر قرباً للجاليات المهاجرة في أوروبا. كل حدث في غزة له صداه في شوارع برلين وباريس ولندن، وهو ما يجعل الأمن الأوروبي في مواجهة تحديات متزايدة.
التداعيات الأمنية في أوروبا
حشد 1500 شرطي لتأمين مباراة كرة سلة ليس مجرد إجراء أمني عابر، بل يعكس مخاوف عميقة من تصاعد موجة العنف والتطرف. الإغلاق الأمني وحظر السكاكين ومنع بعض الأشخاص من دخول الملعب كلها تدابير تشير إلى أن التهديد أصبح واقعاً ملموساً. لكن هذه الإجراءات الأمنية، على الرغم من ضرورتها، تظل حلاً سطحياً للمشكلة.
ومع زيادة الاستقطاب السياسي والديني، ينمو خطر الإرهاب المحلي الذي ينفذه أفراد أو جماعات صغيرة من داخل أوروبا نفسها، مستغلين السياسات الغربية كذريعة لأعمالهم.
كما تؤدي التغطية الإعلامية المنحازة والسياسات التي تُجرّم الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل إلى تعميق الإسلاموفوبيا في المجتمعات الأوروبية. هذا يُنتج دائرة مفرغة من الاستبعاد، مما يدفع الأفراد نحو تبني خطاب متطرف.
الحلول الممكنة
تحتاج الدول الأوروبية إلى تبني سياسات أكثر توازناً تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. الدعم العلني لإسرائيل دون الأخذ بعين الاعتبار الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين يُضعف مصداقية أوروبا في نظر الجاليات المهاجرة.
كما يجب على الحكومات الأوروبية العمل على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للجاليات المهاجرة، وتعزيز الاندماج الثقافي والسياسي، كخطوة أساسية لتقليل الاستقطاب.
كما ان الإعلام والسياسيون الأوروبيون بحاجة إلى التحلي بمسؤولية أكبر في تناول القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، مع تجنب تأجيج المشاعر أو تغذية خطاب الكراهية.
ختاماً
إن ما يحدث في برلين ليس سوى انعكاس لتحديات أكبر تواجه أوروبا، حيث تتشابك السياسة الخارجية مع الأمن الداخلي، وتتحول المواقف من الصراعات الدولية إلى عوامل مُحفزة للتطرف والإرهاب على أرضها. معالجة هذه القضية تتطلب تغييرات جذرية في النهج السياسي والاجتماعي، وإلا فإن أوروبا ستجد نفسها في مواجهة أزمات متفاقمة تمزج بين الانقسامات الداخلية والخطر الخارجي.

شارك