أسئلة التصوف وإجابات شيخ العشيرة المحمدية في عدد نادر من مجلة المسلم

الأربعاء 26/نوفمبر/2014 - 10:28 م
طباعة أسئلة التصوف وإجابات
 
• هل الإسلام في حاجة إلى التصوف؟
• هل مورس التصوف في العهد النبوي؟
• هل الصوفية تعود للمجوسية والرهبانية ؟
يجيب هذا العدد النادر من مجلة (المسلم) التي كانت تصدرها طريقة العشيرة المحمدية عن كثيرٍ من الأسئلة الخاصة بالصوفية، والتي مازالت تطرح من حين لآخر، ويثير السلفيون بها القلاقل في المجتمع المصري والعربي، أما المجلة فكانت تحمل شعار (رسالة الوعي الإسلامي الناهض بالدعوة الاصلاحية الروحية) لصاحبها ومحررها محمد زكى إبراهيم – رائد العشيرة المحمدية – في ذلك الوقت – أما رئيس تحرير المجلة فهو محمود السيد الكولي، والعدد الذي بين أيدينا صادر بتاريخ غرة شعبان 1402 هجرية 24 مايو 1982، وكان بداية العام 33 للمجلة التي كانت ترى أنه كُتب عليها الكفاح العلمي والعملي والمالي منذ أول لحظات ولادتها مجاهدة مخلصة لوجه الله وحده ولخدمة التصوف الرشيد، وقد اختارت أن تبدأ عامها الجديد بإعادة نشر أبجدية التصوف الإسلامي فهي خير ما يقدم للصوفية الأبرار في هذا الوقت وبعد هذا الوقت.. والأبجدية المقصودة عبارة عن حوار مطول أجراه الصحفي كمال فرغلي بجريدة التعاون مع رائد العشيرة الشيخ محمد زكي إبراهيم  أجاب فيه عن الأسئلة المكررة حول التصوف، وهذا هو نص الحوار التي أعادت مجلة المسلم نشره في عددها الخاص بعنوان (التصوف الاسلامي ماله وماعليه)

السؤال الأول:

 السؤال الأول:
أ- ما المقصود بالتصوف الاسلامي؟
ب- وهل مورس هذا التصوف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ج- ولماذا يختلفون في تعريف التصوف؟
د- وفى تحديد مصادره؟
ج:ا- المقصود بالتصوف الإسلامي يعرف من تعريفاته الكثيرة التي تتلخص كلها في أن التصوف هو ( التخلي عن كل دني، والتحلي بكل سني، سلوكا إلى مراتب القرب والوصول) فهو إعادة بناء الإنسان وربطه بمولاه في كل فكر وقول وعمل ونيه، وفى كل موقع من مواقع الإنسانية في الحياة العامة ويمكن هذا التعريف في كلمة واحدة هي (التقوى) في أرقى مستوياتها الحسية، والمعنوية، فالتقوى عقيدة، وخلق، فهي معاملة الله بحسن العبادة، ومعاملة العباد بحسن الخلق، وهذا الاعتبار هو ما نزل به الوحى على كل نبى، وعليه تدور حقوق الانسانية الرفيعة في الاسلام فهو (التزكي) وقد أفلح من ( تزكى).
ب- وبهذا المعنى تستطيع ان تستيقن بان التصوف قد مورس فعلا في العهد النبوي، والصحابي، والتابعي، وما بعده، وقد امتاز التصوف مثلا بالدعوة والجهاد، والخلق، والذكر، والفكر، والزهد في الفضول، وكلها من مكونات التقوى (أو التزكى)، وبهذا يكون التصوف مما جاء به الوحي، ومما نزل به القرآن، ومما حثت عليه السنة، هذا هو التصوف الذى تعرفه، فإذا كان هناك تصوف يخالف ذلك، فلا شأن لنا به، ووزره على أهله، ونحن لا نسأل عنهم (فكل امرئ بما كسب رهين) والتصوف شيء والصوفي شيء آخر.
ج- أما الاختلاف في تعريف التصوف، فهو راجع إلى منازل الرجال في معارج السلوك، فكل واحد منهم ترجم إحساسه في مقامه، وهو لا يعارض أبدا مقام سواه، فإن الحقيقة واحدة، وهى كالبستان الجامع كل سالك وقف تحت شجرة منه فوصفها، ولم يقل إنه ليس بالبستان شجرة سواها، ومهما اختلفت التعريفات فإنها تلتقي عند رتبة من التزكي أو التقوى على طريق الهجرة إلى الله (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين)، ( قد أفلح من زكاها).
فالواقع أنها جميعًا تعريف واحد يكمل بعضه بعضًا.
د- أما الاختلاف في تحديد مصادر التصوف فدسيسة من دسائس أعداء الله، فالتصوف كما قدمنا عبادة وخلق، ودعوة، واحتياط، وأخذ بالعزائم، واعتصام بالقيم الرفيعة، فمن ذا الذي يقول إن هذه المعاني ليست من صميم الإسلام؟ إنها مغالطات نظروا فيها إلى هذا الركام الدخيل على التصوف من المذاهب الشاذة أو الضالة، ولم ينظروا إلى حقيقة التصوف، والحكم على الشيء بالدخيل عليه غلط أو مغالطة، والحكم على المجموع بتصرف أفراد انتسبوا إليه صدقًا أو كذبًا ظلم مبين.
وهل من المعقول أن يترك المسلمون إسلامهم مثلًا لشذوذ طائفة منهم تشرب الخمر، أو تمارس الخنا، أو تحلل ما حرم الله، وهل عمل هؤلاء يكون دليلًا على أن الإسلام ليس من عند الله؟ شيئا من التدبر أيها الناس؟

السؤال الثاني:

أ- من هو الصوفي؟
ب- وبماذا يمتاز عن عامة المسلمين؟
ج- وهل هناك فرق بينه وبين التقى، أو المؤمن، أو المسلم أو الصديق؟
د- وإذا لم يكن هناك فرق فلماذا الإصرار على استخدام الاصطلاح؟
ج: ا- تستطيع أن تعرف الصوفي الحق بأنه المسلم النموذجي، فقد أجمع كافة أئمة التصوف على أن التصوف هو الكتاب والسنة في نقاء وسماحة واحتياط، وشرط أئمة التصوف في مريدهم العلم أخذا من قوله تعالى (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون).
والعلم هنا هو (أولا) علم الدين بدعامتيه من الكتاب والسنة، ثم هما بدورهما منبع كل علم إنساني نافع على مستوى كافة الحضارات، وتقدم البشرية، ومقتضى تطور الحياة فالتصوف إذن هو ربانية الإسلام الجامعة للدين والدنيا.
ومن هنا جاء قول أئمة التصوف وفى مقدمتهم (الجنيد) من لم يحصل علوم القرآن والحديث فليس بصوفي، وأجمع على ذلك كل أئمة التصوف من قبل ومن بعد.
ب- اما الامتياز عن عامة المسلمين فالقاعدة الاسلامية هنا هي (العمل)، فإذا عمل الصوفي بمقتضى ما يتعين عليه كقدوة وداعية امتاز بمقدار جهده، شأن كل متخصص، وإلا فهو دون كل الناس إذا انحرف أو شذ، بل إن تجاوز، فالصوفية يجعلون (خلاف الاولى) في مرتبة (الحرام) اتقاء الشبهات، واستبراء العرض والدين، وهم يعرفون كيف أن السلف كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال خوف الوقوع في الحرام، فهم يؤمنون بهذا ويحاولون العمل به.
والله تعالى يقول  (ولكل درجات مما عملوا) فالعمل هو أساس الامتياز .
ج- أما مسألة الفرق بين الصوفي، والمسلم، والمؤمن، والتقى، فإن الإسلام شرع لنا تعريف الناس بخصائصهم وذكرهم بما يميزهم عن غيرهم، وقد ذكر الله (المهاجرين والأنصار) بخصيصتهم تعريفًا لهم، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلالا الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي) بما يميزهم من الألقاب، وهم مسلمون مؤمنون اتقياء.
وذكر القرآن من المسلمين أصناف الخاشعين والقانتين والتائبين والمتصدقين والعابدين والحامدين والسائحين وغيرهم، وكلهم من أهل لا اله إلا الله، محمدٌ رسولُ الله.
إذن فذكر إنسان بخصيصة عرف بها عند الناس سنة قرآنية ونبوية وما دامت هذه الطائفة قد عرفت باسم الصوفية لسبب أو لآخر فليس بدعًا أن تدع هذا الاسم، ثم لم كل هذه الزوبعة هنا، ولا تكون زوبعة حين يقال (سلفية)؟!
وهل كان فيما مضى (جمعية كذا او جماعة كذا)؟ أرأيت ان الامر كان اهون من ان يكون سؤالا لولا المذهبية المدمرة والتعصب الموبق؟

السؤال الثالث:

السؤال الثالث:
ما رايكم فيما يوجه للتصوف من اتهام بانه يعود في اصوله الاولى الى البوذية، والمجوسية، والرهبانية...الخ؟
ج- قدمت ان التصوف الاسلامي هو الربانية، فهو ايمان وعمل، وعبادة ودعوة واخلاق وبر مطلق وهو ارادة وجه الله في كل قول او عمل او نية او فكر وهو التسامي بالبشرية الى مستوى الانسانية الرفيعة، فهو وحى من الوحى، وهو الدين كل الدين، لانه بهذا الوصف (طلب الكمال)وطلب الكمال فرض عيني. وهو علاج لأمراض النفوس، وما من انسان الا وهو مبتلى بجانب (قل او كثر) من النقص الذى اسميه مرض النفس، او الخلق وانما جاءت رسالات السماء كلها لعلاج هذه الامراض النفسية والخلقية اول ما تعالج في بنى ادم ولما كان التصوف قد تخصص فى هذا الجانب كان طلبه فرضا شرعيا وعقليا وانسانيا واجتماعيا، حتى يوجد الانسان السوى الذى به تتسامى الحياة وتتحقق خلافة الله على ارضه، وينتشر الحب والسماحة بين الناس.
وادلة ذلك جميعا مما لا يغيب عن صغار طلبة العلم ومما تزخر به علوم الكتاب والسنة، ولا اعرف ان الكتاب والسنة نقلا عن المجوسية والبوذية والرهبانية شيئا ابدا وانما هو الغل المورث للتهم الكواذب، وتضليل خلق الله.
اما إذا كان المراد بالتصوف في السؤال هو هذه الفلسفات الاجنبية عن العقيدة والشريعة فهذا باب اخر لا علاقة له بتصوف أهل القبلة والاحتجاج بهؤلاء علينا، فيه تلبيس الحق بالباطل ثم ان اخذ البري بذنب المجرم فعلة دنيئة.
على أن الذين اشتهروا بهذا الجانب الفلسفي ممن ينسبون الى التصوف عدد محدود قد لا يجاوز العشرة وسواء قلت فلسفتهم التأويل والتوجيه، ولو من وجه ضعيف. او لم تقل فهؤلاء قد انتهى امرهم نهائيا، وليس لفلسفتهم من معتقد ولا دارس. وقد اصبحت كتبهم بما فيها من الافكار اشبه بنواويس الموتى تعرض- اذا عرضت- للزينة او التاريخ. فليس بين صوفية عصرنا من يرى رايهم. او يذهب مذهبهم. سواء على ظاهره أو مع تأويله. واين فكر الجماهير من العمال والفلاحين وانصاف المتعلمين، او حتى كبار المثقفين من كتب هؤلاء والغازهم واحاجيهم، هذا اذا امكن الحصول على الكتب وعلى الوقت، وليس الامر كذلك ولاشك ان الوقوف عند هذا الجانب في هذا العصر نوع من البحث الاثري عن الحفريات المجهولة فىسراديب الرموش والأجداث عصبية وحمية.
والغاضبون على التصوف جميعا، يحتجون بهؤلاء وقد انتهى امر هؤلاء فقد كانت مذاهبهم شخصية. لا تجد طريقها الى الجماهير لحاجتها الى استعدادات وقابليات ومدارك ومنطق لا يتوفر لدى الكافة. ومؤاخذة الخلف بفعل السلف- لو- لنا جدلا بانهم سلف- أمر بعيد عن العلم والعدل. والحكم على الكل بذنب البعض- لو سلمنا بهذه البعضية- امر بعيد عن العلم والعدل ولو ان اخواننا خصوم التصوف. نظروا الى الواقع الفعلي، فكافحوا معنا منكرات العصر ومبتدعاته، من نحو الطبل والزمر، والرقص وتحريف اسماء الله. وغير ذلك من مناكر الموالد والتجمعات العامة، وأخذوا طريق التعاون بالحسنى والدعوة بالحكمة، لكان هذا أدنى إلى الصواب وأهدى سبيلا عند الله والناس.
أما حملتهم على هؤلاء الموتى ممن جنحوا الى الفلسفة فاستئساد على الرمم، وصيال في غير مجال، ومبارزة مع الهواء الطلق. فهؤلاء الموتى لا يملكون الدفع عن انفسهم، وليس من ورائهم وارث يدافع عنهم، الا- اذا وجد- لمجرد التصويب واحسان الظن بأهل القبلة او هو مجرد حماية الثقافة والتاريخ.

السؤال الرابع:

ثابت ان المسلمين لم يعرفوا التصوف إلا بعد ثلاثة قرون من انتشار الإسلام
ا- فهل يحتاج الإسلام الى التصوف؟
ب- هل التصوف يضيف جديدا الى الاسلام؟
ج- وما هو الفرق بين الزهد الاسلامي والتصوف؟
ج:ا- من الذى قال بأن المسلمين لم يعرفوا التصوف إلا بعد القرون الثلاثة الأولى؟ هذه مجازفة علمية تاريخية بغير سند، فاذا كان المراد بانهم لم يعرفوا (لفظ التصوف) الا بعد القرون الثلاثة فليس هذا بصحيح ايضا، فقد اثبت مؤرخو اللغة وغيرهم ان هذا اللفظ كان معروفا من قبل الاسلام وانما اطلق على هذه الطائفة في عهد (التدوين) عندما اشتهروا بالخشونة والرجولة ولبس الصوف والاستعداد للجهاد، فإن تصوف المسلمين دعوة إلى القوة والحرية والمساواة والتكافل والإخاء، والتوحيد ومعالي الأمور لبناء شخصية المسلم المتكامل. وكان عهد التدوين قد بدا بمن كتب الحديث في عهد رسول الله وظل ينمو حتى ازدهر في اواخر القرن الاول، واوائل الثاني بتحرير الحديث والفقه والتفسير واللغة وما إلى ذلك .
اما اذا كان المراد بان مادة التصوف لم تعرف الا بعد هذه المدة فالخطأ هنا يستحيل الى خطيئة فمادة التصوف من حيث العبادة والخلق على اوسع معانى العبادة والخلق موجودة مشهودة في الكتاب والسنة شان بقية مواد مختلف العلوم فاذا لم يكن لفظ (التصوف) موجودا في هذا العهد فقد كانت العبادات والاخلاق وتربية النفس ووسائل العلاقة بالله، والارتفاع بإنسانية الانسان كل هذه مسجلة في دين الله وهى هي التصوف (سماه الناس كذلك) فالاسم حادث والمادة قديمة بقدم الكتاب والسنة شان بقية علوم الدين سواء بسواء.
ولم يكن هذا بدعا فلم يكن في هذا العهد علم باسم (الفقه) ولا باسم (الاصول) ولا باسم ( مصطلح الحديث) ولا غير ذلك من علوم الدين، ولكن المادة كانت موجودة بين دفتي الكتاب والسنة فلما دونت العلوم ورسمت القواعد والمصطلحات أطلقت الأسماء حسبما رجحته الظروف الواقعية آنئذاك.
وإذن فلماذا ننكر تسمية التصوف ولا ننكر تسمية بقية علوم الدين والشأن واحد؟
ب- أما هل الإسلام يحتاج إلى التصوف؟ فإذا كان الشيء يحتاج إلى نفسه جاز أن يُقال إن الإسلام يحتاج إلى التصوف.
الإسلام انقياد ظاهري لا يتم إلا بالانقياد الباطني وإلا كان نفاقا والانقياد الباطني هو الإيمان بوصفه عملا من أعمال القلب التي نسميها التصوف فليس التصوف شيئا غير الإسلام، حتى يقال إنه يحتاج اليه او يستغنى عنه إنما التصوف مقام هو ذروة الدين كله مقام (الاحسان) كما قدمنا فهو الغاية والثمرة التي لا تتاح إلا لسالك مريد ذواق.

شارك