"شبح السلفيين" يهدد الحياة السياسية في مورتيانيا
الثلاثاء 02/ديسمبر/2014 - 05:14 م
طباعة

في سابقة هي الأولي من نوعها، تقدمت مجموعة من الشخصيات من التيار السلفي في موريتانيا، بملف حزب سياسي إلى وزارة الداخلية حمل اسم "جبهة الأصالة والتجديد"، ويختصر في "تاج".
وقال الشيخ محفوظ ولد إدومو رئيس الحزب الأول من نوعه في موريتانيا، إنهم تقدموا بملف حزب الأصالة والتجديد لوزارة الداخلية، وقد استملوا وصلاً مؤقتا عن الملف كما تنص على ذلك القوانين، وأضاف ولد إدومو أنه يأمل أن يكون الحزب إضافة نوعية للساحة السياسية، وأن يعمل من أجل ما فيه مصلحة العباد والبلاد.
ويضم الحزب الجديد في قيادته مجموعة من النشطاء المحسوبين على التيار السلفي من أبرزهم هارون ولد حبيب، وهمد ولد إب فال، والعيد ولد محمد الأمين، وهارون ولد عبد الفتاح، إضافة إلى شخصيات علمية ودعوية أخرى، ويرأسه محمد محفوظ ولد إدومو وهو عضو منتدى العلماء الموريتانيين.
انقسام التيار السلفي

ينقسم التيار السلفي في موريتانيا إلى ثلاثة أقسام: سلفيون علميون تعرض قادتهم للاعتقال عدة مرات خلال أعوام 1994، و2003، و2005، على الرغم من أنه لا يعرف عنهم خط سياسي معارض واضح للنظام، وهم منشغلون بالعمل الخيري والدعوي ولا يبدون آراء واضحة من قضية الانتخابات والتناوب على السلطة.
أما السلفيون السياسيون، فليس لديهم حزب سياسي، لكنهم يتحدثون في القضايا السياسية وتعتبرهم أجهزة الأمن رافدا للجماعات الجهادية في المنطقة أو الوجه العلني للتنظيمات السرية، وقد اعتقل قادتهم عدة مرات وأفرج عن مجموعة منهم في إطار الحوار مع المعتقلين السلفيين وأعيد اعتقال قائدهم الروحي المعروف بمحمد الأمين المجلسي، وهؤلاء يرون الديمقراطية مخالفة للشريعة الإسلامية ويرفضونها.
في حين يرى السلفيون الجهاديون ضرورة العمل على إزالة النظام الديمقراطي وإقامة نظام إسلامي بديلًا عنه، ويمثلهم "تنظيم أنصار الله المرابطون في بلاد شنقيط" وهو تنظيم يوجد قادته في السجن المدني بعد الحكم على أغلبهم بالإعدام بعد عمليات قتل وخطف للسياح.. وعلاقتهم بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي علاقة وثيقة بل إن تصريحات قائدهم الخديم ولد السمان تقول إنهم فرع القاعدة في موريتانيا.
بداية تدشين الحزب

بدأ التفكير في تدشين أول حزب إسلامي، في مايو عام 2012، عندما اتجه التيار السلفي في موريتانيا إلى إنشاء حزب سياسي يخوض من خلاله غمار السياسة بعد أن كان يعتبرها من المحرمات.
جاء هذا القرار آنذاك على غير المتوقع لكثير من المراقبين والسياسيين؛ حيث إن السلفيين الموريتانيين كانوا بعيدين عن ممارسة الديمقراطية التي يرون فيها خطرا كبيرا على المنهج الإسلامي الذي يدعون إليه.
ولم يسبق للسلفيين دخول الحياة السياسية حتى هذا التوقيت، بعدما رفض حزب الأمة بداية التسعينيات، والذي كان يمثل مزيجا من كل التيارات الإسلامية الموريتانية، وانفرد الإخوان المسلمون لاحقا بالعمل السياسي من خلال أحزاب المعارضة قبل أن يرخص لهم حزب "تواصل".
وأجرى التيار السلفي الموريتاني استفتاء داخليا حينذاك، حول الإطار الذي ينبغي أن يعمل من خلاله، حيث صوتت نسبة 84% لصالح وجود إطار مرخص سواء كان جمعية أو رابطة أو حزبا سياسيا، وحاز الخيار الأخير على نسبة 14% ممن شاركوا في الاستفتاء.
كان بداية الاستفتاء مشاورات حول الإطار الذي ينبغي أن يعمل من خلاله السلفيون، وكانت 84,4% هم نسبة من حضروا وشاركوا أجمعوا على ضرورة إيجاد تيار مرخص.
وكانت الساحة السلفية لها نفور شديد من كلمة السياسة آنذاك؛ لأنها أصبحت عند الكثيرين رديفة للديمقراطية أوهي الديمقراطية ذاتها.
وطالب السلفيون المعارضة، آنذاك أن يسلكوا طريقا أقل صدامية في المطالبة بالحقوق، وأن تنقي صفوفها لكي يكون لتلك المطالبة مصداقية عند الناس، وألا تجعل في مقدمتها من حكموا واستولوا على الحقوق العامة والخاصة، وليكن هدفها أولا وأخيرا مرضاة الله عز وجل وإصلاح حياة هذا الشعب المسكين.
وأوضحوا أن انتقاد الترخيص لأحزاب إسلامية ما هو إلا محاولات من العلمانيين والمتشبعين بالأفكار الدخيلة على هذه الأمة التي يتذرعون بها؛ محاولين بذلك إبعاد أهل العلم وأهل الدعوة والصلاح عن الشأن العام.
ويرى سلفيو موريتانيا أن المراجعات الفكرية للتيار السلفي، تُسْتَخْدَم استخداما إعلاميا كبيرا، وتحاول إنزالها على كل شيء، وأن المبادئ العامة عند المسلمين ليست قابلة للتراجع ولا المراجعة؛ لأنها أمور وقواعد لهذا الدين نزل بها القرآن وبينتها السنة، وبالأخص العمل السياسي في موريتانيا بالذات.
ويتجه التيار السلفي الموريتاني لإيجاد نوع من الانخراط في العمل السياسي الشرعي، تحت يافطة حزب أو ما شابه ذلك، يمثل بداية مخاض جديد من مخاضات فصال أجنحة هذا التيار، ومسعى من ممثلي المدرسة السلفية الدعوية أو العلمية لأخذ مسافة أمان من المجموعة السلفية الجهادية المتطرفة.
الحركة الإسلامية في موريتانيا

تعود البدايات الأولى للحركة الإسلامية الموريتانية إلى النصف الثاني من الستينيات، وكانت هذه الحركة تضع ثقلها السياسي في الجامعات والمعاهد التربوية والتعليمية، وتأثرت هذه الحركة الإسلامية بالفكر الإسلامي الوافد من المشرق العربي وآسيا الإسلامية وبقية الدول المغاربية، حيث استلهمت شخصيات إسلامية موريتانية الكثير من فكر "سيد قطب" و"أبو الأعلى المودودي" و"مالك بن نبي" و"راشد الغنوشي".
ولم تتبلور الحركة الإسلامية الموريتانية في هيكل تنظيمي كما هو شأن أقدم حركة إسلامية في المغرب والتي هي "منظمة الشبيبة الإسلامية" التي أسسّها "عبد الكريم مطيع" أو "الجماعة الإسلامية" في تونس التي أسسّها "راشد الغنوشي" و"عبد الفتّاح مورو" أو الجماعات الإسلامية في الجزائر، كجمعية "القيم" التي أسسها "عبد اللطيف سلطاني" و"أحمد سحنون" وغيرها.
يعود السبب إلى أنّ السلطة الموريتانية كانت تحظر قيام أحزاب على أساس ديني.
ثلاث مجموعات
ينقسم التيار الإسلامي الموريتاني إلى ثلاث مجموعات رئيسة أهمها:
1- مجموعة "السلفيين"، ويصنّف هؤلاء ضمن القوى التقليدية في المجتمع التي ستلعب دورًا مهمًا في المرحلة القادمة لا كقوة حزبية مستقلة، بل كقوة مؤثرة وضاغطة داخل حزب الرئيس "معاوية ولد طايع" وخارج الحزب الحاكم.
والجمعية الثقافية الإسلامية هي تعبير عن هذه المجموعة السلفية والتي تضم أيضا رجال أعمال مثل: "عبدو مجم"، و"حاجي" الذي توفي في وقت سابق، وتضم الداعية "محمد فاضل" ولد الأمين المدير العام لمعهد ابن عبّاس للعلوم والدراسات الإسلامية، والداعية "محمد المختار كاكي" الذي يعمل مفتشا في التعليم الأساسي وتضم هذه الجمعية أيضا مجموعة من الشخصيات والوجوه التقليدية من أبناء الأسر العلمية العريقة مثل "الحضرمي" و"الحظري"، وتتحرك هذه المجموعة في الخط الفكري والثقافي والاجتماعي العام.
ومجمل نشاطات هذه المجموعة في الجامعات والثانويات والمعاهد التعليمية، ولا تملك هذه المجموعة منابر إعلامية، بل إنّ الشخصيات التي تنتمي إلى هذا التيار لها حضور محدود في الصحافة الموريتانية.
2- أمّا المجموعة الثانية فمعروفة باسم التيار الإسلامي وهي متأثرة بحركة النهضة التونسية التي يتزعمها "راشد الغنوشي" و"الجبهة القومية الإسلامية" التي يتزعما "الدكتور حسن الترابي"، وقد حاولت هذه المجموعة أن تميّز نفسها عن المجموعة الأولى بادعائها أنّها تملك أطروحة إسلامية شاملة ولها أهداف سياسية، ومن أبرز شخصيات هذا التيار الإسلامي "بومية ولد أبياه" وهو أستاذ نقابي معروف يعمل في مدرسة تكوين الأساتذة، ولهذا التيار نشاط مركّز في المساجد والمعاهد التربوية، ويتفاعل سياسيًّا مع الكثير من الأحداث في العالم العربي والإسلامي.
ولا يوجد لهذا التيار هيكلية محددّة وتنظيم خاص وصحف ناطقة باسمه، بل يتحرك في كل المواقع الجغرافية مع تركيز ملحوظ على العاصمة الموريتانية "نواكشوط"، و"نواذيبو" وغيرهما.
3- أمّا المجموعة الثالثة فهي أكثر حركية ولها علاقات مع الإسلاميين خارج موريتانيا، وتعرف هذه المجموعة باسم "حاسم" وهو اختصار للحركة الإسلامية الموريتانية، وبدأت ملامح هذه الحركة تتشكل في نهاية السبعينيات وقد تأثرت بفكر مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران "الخميني"، وأول بيان أصدرته هذه الجماعة كان في سنة 1985.
التأثر بالإخوان المسلمين

على الرغم من أن عناصر هذه الحركة الإسلامية قد تأثروا في بدايات نشأتهم بجماعة الإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية الباكستانية ودرسوا كتب "سيد قطب" و"أبو الأعلى المودودي" إلاّ أنّهم وبعد الثورة الإسلامية في إيران باتوا يطالعون كتب "محمد باقر الصدر" و"علي شريعتي" و"الخميني"، وقائد هذا التيار هو "محمد ولد عبد الله" أستاذ التاريخ في جامعة نواكشوط.
وقد انقسمت الحركة الإسلامية الموريتانية حول الموقف من الحكم والتعامل معه، وفي سنة 1983 حاول "ولد هيدالة" أن يغطيّ حكمه الديكتاتوري القمعي بالادعّاء أنّه يطبّق الشريعة الإسلامية كما فعل "جعفر النميري" في السودان وتحديدًا في آخر عهده، وكان إعلان هيدالة كفيل بإخراج الناس إلى الشارع داعمة له، وبعض المجموعات الإسلامية رفعت شعار "هيدالة" بطل السلام والإسلام، علما أن السجون الموريتانية كانت تعجّ بالإسلاميين المعارضين والوطنيين من مختلف التيارات السياسية، ولإرهاب الناس وتخويفهم أسست الحكومة في عهد "هيدالة" لجان التهذيب الوطنية، وكانت هذه اللجان أشبه بأفواج قطّاع الطرق. ويقول باحث موريتاني: إنّ المجتمع الموريتاني مجتمع إسلامي حقيقي بفطرته، ويتميّز إسلامه بالتسامح، وهو مجتمع يحترم بطبعه التقاليد والعادات، وهو مجتمع محافظ، ويعتبر الموريتانيون أنفسهم أنّهم حاملو راية الإسلام ويعتزّون بكونهم هم الذين أدخلوا الإسلام إلى غرب ووسط إفريقيا السوداء، والغالبية من الموريتانيين تؤدّي الفرائض الدينية.
عدم تبلور الحركة الإسلامية

مثقف إسلامي موريتاني يرى أن الحركة الإسلامية في موريتانيا وجدت في جوّ لم يساعدها على التبلور الصحيح وعلى التحدد كحركة مؤثرة نتيجة لفشل المشروع التغريبي الذي لم يُؤت أكله في موريتانيا، والعامل الثاني، والذي حال دون تبلور حركة إسلامية قوية فهو القبيلة المعادية للحركة الإسلامية، فللقبيلة فكرها الخاص وانتماؤها المحددّ، ولا تعترف معظم القبائل الموريتانية إلاّ بالتصوف الذي يدعو إلى الزهد في الدنيا والانصراف عن ملذاتها وشهواتها، والسلطة هي أبرز مصداق لهذه الملذات؛ ولذلك لا تعني القبائل كثيرًا مسألةُ الإسلام السياسي، ورغم ذلك فإنّ بعض القبائل في شرق موريتانيا احتضنت الإسلام السلفي، وقبائل "أيدو علي" احتضنت الإسلام الصوفي.
ومع أن الحركة الإسلامية الموريتانية موزعة على مجموعات عديدة، إلاّ أنّه لا أحد يشك في أنّها موجودة، وقد تتحول إلى طرف رئيس في معادلة السياسة الموريتانية.