مع بدء الجيش الليبي عملية تحرير طرابلس.. صراع "السفراء" يعقد المشهد
الإثنين 08/ديسمبر/2014 - 12:01 م
طباعة

تخوض معركة حكومة عبد الله الثني المعرف بها من قبل المجتمع الدولي، والبرلمان المنتخب في طبرق معرك ضارية على الأرض وفي الدبلوماسية العربية والدولية.
معركة السفراء

فقد شهدت الأيام القليلة الماضية تطوراً لافتاً على مستوى السلك الدبلوماسي الليبي، حيث اعترف عدد من السفراء والملحقين بحكومة عمر الحاسي المعلنة من جانب واحد وغير المعترف بها دوليا المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وهو ما وصف بأنه تمرد على شرعية حكومة الثني المنتخبة من مجلس النواب (البرلمان).
ويرى مراقبون أن وضعية السلك الدبلوماسي الليبي معقدة جدًّا، والحالة السياسية المرتبكة تجعل الوضع متوترًا، في ظل سيطرة ميليشيات ليبيا على العاصمة طرابلس.
وتعود القضية إلى سبتمبر وأكتوبر الماضيين، عندما وجه البرلمان الليبي المنعقد في طبرق، استدعاءً لخمسة سفراء (تركيا- صربيا- أوكرانيا- روسيا البيضاء- الأردن)، بهدف مساءلتهم وتوضيح موقفهم من حكومة الثني، وهو أمر لم يتحقق؛ حيث تجاهل السفراء الخمسة حضور الجلسة.
السفير الليبي لدى الأردن، محمد الغيراني، كان أول الذين تمردوا على حكومة الثني، حينما أعلن اعترافه بحكومة الإنقاذ الوطني في طرابلس، وهو ما جعله يظفر بمنصب وزير الخارجية في حكومة الحاسي.
ولعب الغيراني دورا كبيرا في إقناع عدد من سفراء ليبيا بالخرج للانضمام لحكومة الحاسي، خاصة بعدما أصدرت المحكمة العليا في مطلع نوفمبر الماضي، قراراً يقضي بعدم دستورية انتخاب مجلس النواب؛ ما شجع عددا من السفراء إلى ترك معسكر طبرق السياسي والانضمام إلى معسكر طرابلس.
الأمر لم يتوقف عند إعلان عدد من السفراء ولاءهم إلى حكومة الحاسي وجماعة الإخوان في ليبيا، بل إن هناك عددا من الملحقين العسكريين في الخارج أبدى تأييدهم لحكومة الحاسي، حيث أعلنت الملحقية العسكرية المكونة من ثلاثة ضباط، تأييدها لقرار المحكمة العليا ضد شرعية البرلمان، ليصدر بعدها بيوم واحد، قرار من قبل وزارة الخارجية في حكومة الثني، بإنهاء خدماتهم وعودتهم إلى ليبيا، بسبب تأييدهم لحكم المحكمة.
التحركات وتغير المواقف لم يتوقف عند سفراء ليبيا في الخارج، بل امتد إلى السفراء والدبلوماسيين الأفارقة، فقد دعا الغيراني وزير الخارجية في حكومة الحاسي 12 دبلوماسيا من القارة الإفريقية، وهم سفراء ( التوغو- النيجر- مالي- تشاد) والقائمين بأعمال سفارات (جزرالقمر- إفريقيا الوسطى- نيجيريا-الغابون- غينيا الاستوائية- كونغو الديمقراطية- السودان) إلى اجتماع معه؛ الأمر الذي أرجعه المراقبون إلى قبول السفراء هذا الاجتماع؛ نظرا للوضع الأمني وتهديد حياتهم ومصالحهم بلادهم في ليبيا، واصفين اجتماع السفراء مع الغيراني في طرابلس، بأنه اجتماع "قسري" فرض عليهم.
هذه الحالة التي توصف بالتمرد على حكومة عبد الثني والبرلمان الليبي المنتخب- خلفت حالة من الارتباك لدى وزارة الخارجية في حكومة الثني، عندما خرج حسن الصغير نائب وزير خارجيته عبر مؤتمر صحفي، ليعلن عن إجراءات صارمة واستثنائية ستتخذ، ضد كل السفراء الذين لا يتبعون الشرعية، وهو ما فسر محاولة للتدارك.
كما أكد الصغير بأن الخارجية قامت باتصالات مكثفة مع ممثلي البعثات الدبلوماسية والسفارات والهيئات الدولية، وحذرتها من التعامل مع حكومة الحاسي التي شكلها المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، على اعتبارها غير شرعية.
وبشأن الإجراءات التي ستتخذ بحق الدبلوماسيين الليبيين في الخارج، في حال انحيازهم لحكومة الحاسي- أجاب: "نحن نطلب من السفراء أن يكونوا دبلوماسيين يخدموا بلادهم، ولا يعبروا عن مواقف سياسية، كما أن الحكومة الليبية لا تقوم باستجداء الشرعية، التي اعترف بها العالم أجمع، ولم يعترف بالخارجة عن القانون في طرابلس".
تحرير طرابلس

مع دخول حكومة "الثني" معركة السفراء الطارئة حققت قوات الجيش الليبي تقدماً في معاركه مع مسلحين ينتمون إلى قوات "فجر ليبيا"، في المناطق الواقعة غربي العاصمة الليبية طرابلس، وأوقع خسائر في الأرواح في صفوف المسلحين؛ حيث وقعت اشتباكات في المناطق القريبة من مدينة الزاوية، على بعد نحو 40 كيلومتراً غربي طرابلس، وأوقع الجيش "الكثير من الإصابات في صفوف قوات فجر ليبيا ما بين قتيل وجرح".
وكان من بين أبرز القتلى أحمد الكيلاني شقيق القيادي الإسلامي وعضو المؤتمر الوطني العام السابق محمد الكيلاني، الذي كان قتل بدوره في اشتباكات منطقة ورشفانة في نهاية شهر سبتمبر الماضي.
ورأى خبراء عسكريون أن بدء الجيش الوطني عملية تحرير معبر رأس أجدير، وتحريره سيكون له دور كبير في مواجهة ميليشيات ليبيا، وتحرير طرابلس من سيطرة ميليشيات الإخوان.
كما حقق الجيش الليبي تقدما باتجاه مدينة صرمان، و استحوذ على آليات وسيارات تابعة لميليشيات ما يعرف بـ"فجر ليبيا"، وتم أسر عدد من المسلحين.
يأتي ذلك مع أنباء عن اقتراب البرلمان الليبي بحسم الجدل حول وضع اللواء خليفة حفتر قائد عملية الكرامة ضد الجماعات الإرهابية في شرق ليبيا، عبر تعيينه في منصب القائد العام للقوات المسلحة الليبية، مع تكليفه بإعادة بناء الجيش الليبي رسميا.. ثارت أمس تكهنات حول ارتهان مصير الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني بالحوار الذي سترعاه الأم المتحدة غدا (الثلاثاء) بين الفرقاء الليبيين.
الليبيون والحوار

الشيخ محمد المبشر
في ظل الصراع السياسي والميداني بين الحكومة والبرلمان الليبي وميليشيات "فجر ليبيا" وحكومة الحاسي، طرح حوار " غدامس2" وهو الحوار الذي يأتي في سلسلة من المؤتمرات واللقاءات حول أهمية الحوار لإنهاء الأوضاع في ليبيا.
الحوار الذي سيجري في غدامس يمثل دون شك سعيا لحلحلة الأزمة العبثية "في ليبيا ذات القدرات النفطية والمكانة الاستراتيجية والشعب المحدود العدد.."، ولكنه لن يمثل مخرجا جديا لها في غياب تصور يرسمه الليبيون أنفسهم.
ويرى مراقبون أن انعدام الثقة في "المرجعيات" الليبية من مجالس حكماء وشيوخ قبائل ورجال دين وسياسيين وقادة أحزاب وحقوقيين وإعلاميين، هو السبب الأول في ما وصلت إليه ليبيا، كما أن التمرد العلني من خلال استعمال القوة المسلحة لتدمير هياكل الدولة الواحد بعد الآخر يفسر في جزء كبير منه ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا ووفق خطة شاركت فيها أطراف الأزمة من الليبيين ومن الخارج.
كما وضعت قوات فجر ليبيا التي تسيطر علي غرب ليبيا منذ أشهر، 4 شروط قالت: إنها تعد خطوطا حمراء لا يمكن بأي حال من الأحوال التفاوض أو الحوار أو مجرد النقاش فيها، للموافقة على الحوار الذي دعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لعقده غدا الثلاثاء.
وكشفت المصادر عن ورقة عمل تم تسريبها، قدمتها بعض أطراف الحوار تتضمن تعطيل عمل مجلس النواب وإقالة حكومة الثني وتشكيل حكومة محاصصة تضم بعض قادة الميليشيات وممثلين عن حزب الإخوان المسلمين وتحالف القوى الوطنية، في محاولة لحل الأزمة السياسية الدائرة في البلاد، بالإضافة إلى عدم المساس بقانون العزل السياسي أو محاولة إقصاء الثوار.
كما أكد رئيس مجلس أعيان ليبيا للمصالحة الشيخ محمد المبشر أنه «طرف محايد وداعية للحوار»، ومع ذلك فهو اليوم يقف «ضد حوار غدامس2»، مؤكدًا أن رفضه قائم على عدة مبررات.
وأرجع "المبشر" رفضه للحوار أنه لم يحدد محل النزاع بين الفرقاء الليبيين، وأيضًا بعض أطراف الصراع لا تعترف بالخصوم بشكل واضح؛ لأن الاعتراف بهم فيه إعطاء للشرعية، وكذلك عدم وجود ممثلين عن كل طرف يحظون برضى الأطراف المتنازعة، ويتحملون المسئولية عن ممثليهم.
وتقود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الحوار الليبي بين نواب من البرلمان المجتمع في مدينة طبرق شرق البلاد، ونواب آخرين مقاطعين لتلك الجلسات، وكانت الجولة الأولى قد عقدت في مدينة غدامس، 29 سبتمبر الماضي.
وأبدى الليبيون استغراب الحالة الليبية شبه الوحيدة في العالم التي لم يركن فيها الأوروبيون والولايات المتحدة أو الأمم المتحدة إلى الإجراءات الرادعة.
فقد وصل عدد الأطراف الأوكرانية الذين تم إدراجهم في القائمة السوداء الأوروبية خلال الفترة القليلة الماضية (منذ الربيع الماضي) إلى 193 شخصا، كما أن اثنين وخمسين طرفا سوريا يواجهون تدابير تقييدية صارمة، وهو ما لم يتم في الحالة الليبية والتي اعتدت فيها ميليشيات مسلحة على مقار الحكومة الليبية في طرابلس عدة مرات، ونفذت مذابح في وضح النهار، وتم غلق مرافق النفط ومنشآته وبيع منتجاتها سرا إلى أوروبا.
المشهد الآن

فيما يبدو أن حكومة عبد الله الثني، وهي تخوض معارك ميدانية على الأرض في مواجهة الجماعات الإرهابية والجماعات المتمردة، تخوض حربا أكثر شراسة وهي حرب الدبلوماسية الخارجية، ومواجهة موقف السفراء الداعمين لحكومة الحاسي غير الشرعية، والتي يريد جماعة الإخوان تكرار مشهد 2011 عقب الاحتجاجات الليبية التي أطاحت بمعمر القذافي.
ويرى مراقبون أن حكومة رئيس الوزراء الليبي عبد الله الثني تحتاج إلى دعم عربي ودولي في مواجهة جماعة الإخوان، وحليفيها قطر وتركيا، اللذين يديران المعركة السياسية والميدانية لجماعة الإخوان وحلفائهم في ليبيا؛ من أجل الحصول على أكبر المكاسب السياسية في ظل تراجع جماعة الإخوان في عدد من الدول العربية وفي مقدمتها مصر.
وأوضح المراقبون أن قطر وليبيا والتنظيم الدولي للإخوان يخضون معركتهم الأخيرة في ليبيا؛ من أجل حسم الأمور لصالحهم، أو استمرار ليبيا في دوامة العنف، واتساع نطاق سيطرة الجماعات الإرهابية.