بعد توقيع الاتفاقية الامنية.. استقرار افغانستان بين واشنطن وداعش؟

الجمعة 12/ديسمبر/2014 - 01:13 م
طباعة بعد توقيع الاتفاقية
 
مع توقيع أفغانستان والولايات المتحدة أمس اتفاقية أمنية ثنائية تجيز بقاء قوات أمريكية في أفغانستان عام 2015، ما يدل على رغبة الرئيس الجديد أشرف غني في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، وكان حامد كرزاي الذي سلم مهامه للرئيس الأفغاني الجديد، رفض توقيع الاتفاقية؛ ما أدى إلى توتر في العلاقات الأفغانية- الأمريكية بعد التقارب الذي حصل عام 2001 إثر إطاحة نظام طالبان.

اتفاقية لتجنب سيناريو العراق:

اتفاقية لتجنب سيناريو
جاءت الاتفاقية الأفغانية الأمريكية للإبقاء على عدد من القوات الأمريكية، من أجل حفظ الأمن في أفغانستان، البلد الذي ما زالت فيه شوكة حركة طالبان قوية وتقوم بهجمات شبه يومية علي قوات الأمن الأفغانية وقوات حلف الأطلسي "الناتو".
يرى مراقبون أن الاتفاقية التي وقعها الرئيس الأفغاني أشرف غني مع الولايات المتحدة الأمريكية، تأتي في إطار السياسية الأمريكية لتفادي أخطاء التجربة العراقية، فقد كان عدم توقيع اتفاقية مماثلة مع العراق في 2011 أدى إلى انسحاب كامل للقوات الأمريكية من بلاد الرافدين؛ مما أدى إلى ظهور الجماعات الإرهابية وقوى شوكة تنظيم القاعدة بقيادة "أبو مصعب الزرقاوي"، ثم إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف باسم "داعش".
توقيع اتفاقية جديدة جاء لتفادي أفغانستان التي تغرق حاليا في أعمال عنف جديدة لموجة أشد عنفا مع استمرار تدريب القوات الأفغانية، فسيطرة عناصر تنظيم "داعش" على مناطق واسعة في العراق وسوريا، أدى إلى قبول الأطراف في أفغانستان للاتفاقية الأمنية الجديدة، فهناك حاليا 41 ألف عنصر من قوة الأطلسي في أفغانستان، فيما كان يبلغ عددهم في 2012 حوالي 130 ألف عنصر.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن أنه عند توقيع الاتفاقية سيتم خفض عدد القوات الأمريكية إلى النصف بنهاية 2015، على أن يخفض بنهاية عام 2016 بحيث يقتصر على العاملين في السفارة الأمريكية في كاب.
وتنص هذه الاتّفاقية على أمور، من بينها الاستمرار في منح الحصانة لجنود حلف الناتو في أفغانستان وعدم ملاحقتهم قانونيًّا وجنائيًّا. ومن خلال توقيع الرئيس أشرف غني على هذه الاتّفاقية سوف تتمتع في المستقبل الأعمال التي تتعرّض لأشد الانتقادات- مثل المداهمات الليلية وغارات الطائرات المسيّرة بدون طيّار وعمليات خطف "المتّهمين بالإرهاب" والجرائم الأخرى- بوضع قانوني. لقد امتنع حامد كرزاي بشدة عن التوقيع على هذه الاتّفاقية. أمَّا أشرف غني فقد أعلن منذ البداية عن أنَّ توقيع هذه الاتّفاقية سيكون أوَّل إجراء رسمي سوف يتّخذه.
وستنضم قوات من ألمانيا وإيطاليا ودول أخرى من حلف الأطلسي إلى قوة من 9800 جندي أمريكي ما يرفع عدد القوة التي ستبقى في أفغانستان إلى 12500 عنصر.

تحذير من صراع مذهبي:

تحذير من صراع مذهبي:
أبدى المراقبون تخوفهم من ظهور صراع سني شيعي في أفغانستان خلال المرحلة المقبلة مع انخفاض أعداد التواجد الأمريكي، وارتفاع وتيرة العنف من قبل حركة طالبان، فالبلاد تشهد حالة من الاستقرار الأمني الهش، الذي سرعان ما قد تعود النزعات الداخلية إليه، مع استمرار حركة طالبان التي أزيحت من الحكم في 2001، وهي محسوبة على التيار السلفي، ومن أكبر العرقيات الأفغانية حيث إن أغلب أعضاء حركة طالبان من البيشتون.
ولا تنتج هذه التساؤلات فقط عن الخوف من "داعش" التي جمعت مؤخرًا تعهدات بالولاء لها من بعض الفصائل المتمردة الصغيرة على طول الحدود الأفغانية الباكستانية؛ بل ويتذكر العديد أيضًا من المتسائلين عن مصيرهم كيف تعامل نظام طالبان بقسوة مع الشيعة قبل الغزو الأمريكي عام 2001.
فالشيعة الأفغان لا يثقون بما تقوله طالبان الآن عن التسامح مع الأقليات في البلاد، ولديهم شكوك في أن هذا التسامح يسعى فقط لإعطاء المتمردين المزيد من السلطة والأرض.
ويحذر فالي نصر، وهو مستشار رفيع سابق لوزارة الخارجية الأمريكية في أفغانستان، من أن فك الارتباط مع أمريكا قد يفتح المجال لمزيد من التدخل في الشئون الأفغانية من قبل المملكة العربية السعودية السنية وإيران الشيعية، وهي نفس القوى الإقليمية التي أدى تنافسها إلى اندلاع المذابح الطائفية في معظم أنحاء الشرق الأوسط.
فقد قام بعض الشيعة الأفغان، ومعظمهم من بين اللاجئين الأفغان في إيران، بالقتال نيابةً عن النظام السوري خلال السنوات الأربع الماضية، في حين انضم بعض السنة الأفغان إلى "داعش" والمتمردين السنة الآخرين.
ويقول نصر- وهو حاليًا عميد كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة: إن الشعور الطائفي موجود هناك (في أفغانستان). بالنسبة لحركة طالبان، الشيعة ليسوا قضية مهمة الآن. ولكنهم سوف يصبحون مشكلة عندما لا تكون هناك مشاكل أخرى تقف في طريق طالبان.
وتقول الإحصائيات السكانية الأفغانية: إن الشيعة يشكلون 19٪ من سكان البلاد البالغ تعدادهم 32 مليون نسمة، وفقًا لوكالة الاستخبارات المركزية. وأما السنة فهم يمثلون باقي السكان هناك.
وينتمي معظم الشيعة الأفغان لمجتمع الهزارة الذي يتركز في جبال وسط أفغانستان وغرب كابول. وشكلت ميليشيات الهزارة جزءًا كبيرًا من تحالف الشمال الذي حارب ضد طالبان قبل عام 2001.
وبعد سقوط حركة طالبان، أصبح الهزارة المستفيدين الرئيسيين من النظام الجديد في البلاد. واستولى أفراد هذا المجتمع على أفضل فرص العمل والتعليم، واكتسب زعماؤه المناصب العليا في الجيش والحكومة الأفغانية.

حركة طالبان استمرار المواجهات:

حركة طالبان استمرار
حركة طالبان ومنذ 2001 وهي في مواجهات مع قوات الاحتلال الأمريكي وقوات الناتو إلا أن الحركة ما زالت مستمرة في مواجهة، ولم تتراجع يوما.
وأكدت الحركة في رسالة على موقع "صوت الجهاد" وهو أحد المواقع الأفغانية القريبة من حركة طالبان على استمرار الحرب، ضد قوات الاحتلال الأمريكي حتى يرحل.
وتشدد الحركة على أن أفغانستان إمارة إسلامية تعتبر إنهاء الاحتلال وإقامة حكومة إسلامية، هما الحل الوحيد للقضية الأفغانية، ومن أجل نيل هذا الهدف تؤكد على مواصلة الجهاد المقدس ضد الاحتلال، وتوصي أمريكا الاحتلالية بإعمال العقل والحكمة؛ حيث إن دوام الحرب ليس لصالح أحد، مضيفة: "على المحتلين أن يطالعوا تاريخ أفغانستان، ويجعلوا هزيمة البريطانيين والروس عبرة لأنفسهم، وليسحبوا قواتهم العسكرية الوحشية من أرض أفغانستان الطاهرة فوراً". 
فيما أشار مراقبون إلى أن استخدام الحركة لتكتيكات تنظيم "داعش" بالقيام بتنفيذ التفجيرات الإرهابية والاغتيالات في العراق- يتم تبنيها الآن من قبل المسلحين في أفغانستان، والذين يريدون تخويف وتدمير القوات المحلية مع خروج القوات الأمريكية.
وفي أواخر عام 2012، شنت "داعش" حملة من الإرهاب في سوريا وفي شمال وغرب العراق. وتركزت استراتيجيتها الوحشية على تفجير السيارات المفخخة والعبوات الناسفة في المناطق المزدحمة، وقتل رجال الحكومة المحليين والقادة العسكريين.
ويرى محللون أن حملة مماثلة تقوم بها كل من طالبان، وشبكة حقاني المتحالفة معها، بدأت تتكشف ملامحها بشراسة في أفغانستان. حيث إنه، وقبل عشرة أيام- على سبيل المثال- هاجم انتحاري حافلة للجيش في كابول، وهو ما أسفر عن مقتل سبعة جنود أفغان.
ويقول الجنرال المتقاعد في الجيش الأمريكي، والمحلل في معهد واشنطن لدراسات الحرب، جيمس دوبيك: "بشكل مشابه لما كان يجري ما بين نهاية عام 2012 إلى منتصف عام 2013 في غرب وشمال العراق لتهيئة الظروف لانهيار قوات الأمن العراقية، نفس هذه الأنماط بدأت بالظهور في أفغانستان".
ويضيف المحلل في معهد واشنطن لدراسات الحرب: "إن تكرار حدوث، وفتك، وتعقيد الهجمات في كابول وفي الشرق من أفغانستان هو أمر يبعث على الضيق. هذه الهجمات تقع إما من أجل الترهيب أو لقتل قادة في قوات الأمن الوطنية الأفغانية".
وعما إذا كانت كل من طالبان وشبكة حقاني الإسلامية تحاولان استنساخ تكتيكات "الدولة الإسلامية"، قال دوبيك: "إن التكتيكات متشابهة بالتأكيد، ولكن الإرهاب والاغتيال هي تصرفات شائعة عند حركات التمرد كلها تقريباً في نهاية المطاف". وأضاف: "داعش، تنظيم القاعدة، حقاني، وطالبان، وأمثالهم، هم جميعاً يتعلمون من بعضهم البعض".
وليس هناك شك في أن طالبان وحقاني بدأتا بقتل عدد أكبر من أعضاء قوات الأمن الوطنية الأفغانية على مدى العامين الماضيين، وتعمدتا الهجوم على الشرطة على وجه الخصوص. وقال جون كامبل، القائد العام لقوات الحلفاء: "إن قوات الأمن الوطنية الأفغانية البالغ تعدادها 350 ألفاً، خسرت ما بين 7 إلى 9 آلاف من أفرادها هذا العام وحده بين قتيل وجريح، في زيادة عن عام 2013".
وتفسر هذه الزيادة جزئياً بحقيقة أن الأفغان بدءوا يأخذون زمام المبادرة في العمليات العسكرية بعد أن بدأت القوات الأمريكية هناك- والتي كانت مؤلفة ذات مرة من 100 ألف مقاتل- تتقلص، ومن المتوقع أن تصل إلى 9800 مقاتل فقط بحلول نهاية العام الجاري.
وبحلول نهاية عام 2016، سوف تصبح كل القوات خارج أفغانستان، وفقاً للجدول الزمني الذي أعلنه الرئيس أوباما قائلاً: "لقد حان الوقت لفتح صفحة جديدة".
وكان الرئيس الأفغاني السابق حامد كارزاي، قد انتقد سقوط قتلى كثيرين، وتزايد معاناة مواطنيه بسبب تركيز قوات "الناتو" عملياتها في القرى الأفغانية بدلاً من معاقل المتمردين في مناطق القبائل الباكستانية، أشار المسئولون الأمريكيون، إلى أن وزير الخارجية جون كيري اعترف بهذا الواقع، مشدداً على أن واشنطن ترفض إسناد دور لقواتها أو قوات "الناتو"، في ملاحقة مقاتلي "طالبان" في ممرات جبلية بين باكستان وأفغانستان، ولا تريد تنفيذ أي عمل عسكري ضد "طالبان"، أو جماعات مسلحة أخرى داخل أفغانستان.

المشهد الآن:

المشهد الآن:
فيما يبدو أن الأوضاع في أفغانستان لن تهدأ قريبا في ظل ارتفاع وتيرة الجماعات الجهادية، والزخم الذي أضافه إعلان الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا من قبل زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي، وتطور أسلوبه القتالي قد يساهم في ان يعيد حركة طالبان إلى المشهد السياسي والعسكري بقوة في بلاد ذات الاقتصاد الهش والوضع الأمني الضعيف، الأمر الذي أدى إلى اتفاقية أمنية لدعم القوات الأفغانية؛ الأمر الذي تراه طالبان تحايلا واستمرارا للكذب الأمريكي للبقاء في الأراضي الأفغانية، فيما يراه خبراء أمر ضروي من أجل تفادي ظهور "داعش" جديد في أفغانستان.
الاتفاقية الأمنية قد تكون جزءا من الحل، ولكن الحل الأكبر يتمثل في محاولة بناء قوي للقوات الأمنية والمسلحة الأفغانية، بالإضافة الي تحسين المؤشر الاقتصادي والثقافي، واتساع منظومة التعليم والخدمات للمواطنين؛ من أجل تجفيف أي منابع لاستمرار حركة طالبان والتي شهدت فترة حكهما للبلاد نوعا من الاستقرار الأمني، فشلت قوات حلف الناتو وقوات "ايساف" لاحقا في في صنعه.. فهل ستنجح الاتفاقية الأمنية في منع ظهور "داعش" جديد بأفغانستان؟

شارك