الثقافة الجديدة.. في مواجهة العنف والأساطير المؤسسة له
الأحد 21/ديسمبر/2014 - 10:50 م
طباعة

• الكتاب: مجلة "الثقافة الجديدة"
• المؤلف: مجموعة كتاب
• الناشر: وزارة الثقافة المصرية ديسمبر 2014
صدر عدد شهر ديسمبر من مجلة "الثقافة الجديدة"، ويحتوي على ملف غاية في الأهمية ليس فقط للكتاب المشاركين في تقديم الملف، بل أيضا لطبيعة القضايا المشتمل عليها الملف، حيث اتخذ عنوان "الأوهام والأساطير المعضدة للعنف".
ثقافة المؤامرة:

يقدم لنا "شريف يونس " موضوعًا بعنوان "ثقافة المؤامرة" فيقوم بتحديد المفاهيم مستعرضا نماذج من الواقع المعيش، ليقدم لنا رؤيته التي تدور حول أن المشكلة الأساسية ليست في ثقافة المؤامرة، تهويماتها، وسذاجة عمقها المدَعى، بل في أنها تعبر عن الفقر الفكري وعدم النضج العقلاني والنفسي للشعوب التي تشيع فيها هذه الثقافة من ناحية، وتعمل على إدامة هذه الهشاشة العقلية وترسيخها وإعاقة التطور الفكري والحضاري، من ناحية أخرى. فتحول أية "نظرية" مؤامرة النقاش حول أية قضية تتناولها إلى نقاش حول المؤامرات بدلا من القضية نفسها.
وأن نظرية المؤامرة ظاهرة تجد تفسيرها في الواقع التاريخي للبلاد، حين يكون الواقع فقيرًا ومحاصرًا بفعل الحكم الأمني وانعدام الشفافية، يميل الناس للبحث عن معنى ما يقال، ليس فيما يقال، بل فيما "يكمن بين السطور"، وتعتمد النظم السلطوية بالضرورة على ترويج نظريات المؤامرة، لأنها تبرر احتكارها للسلطة ومختلف اجراءاتها الاستثنائية بتعزيز القول بوجود مؤامرات جبارة، تتغلغل أو تسعى للتغلغل، في المجتمع، لتفرض السلطة نفسها حاميا، له صلاحيات حماية لا نهائية.
وفي كل الأحوال تعزز السلطوية المقترنة بنظريات المؤامرة المتعددة تفتيت المجتمع، بجعل كل تجمع حرـ بعيدًا عن ايديولوجيا من ايديولوجيات الهوية ـ مشبوهًا، وفي ظل التفتت العام تصبح حرب الكل ضد الكل بوسائل الاتهام والتخوين والتكفير شائعة و"طبيعية".
الدولة منتجة للعنف:

وفي الملف الذي نحن بصدده تتقاطع مقالتان تحت هذا العنوان، إذ يقدم لنا الدكتور "علي مبروك" تجذر العنف والاستبداد في قلب الثقافة، وخطابها المهيمن، فإنه يلزم التمييز في الثقافة وخطابها بين نظام يقوم ثابتا في العمق، رغم تحولات المضمون وتبدلاته على سطحها. في حين يتعلق النظام بطريقة التفكير و آليات إنتاج المعرفة المهيمنة داخل الثقافة، فإن المضمون يتعلق – في المقابل- بالأيديولوجيات المتعددة التي يجري تداولها على السطح بحسب هذه الطريقة في التفكير، وهنا يلزم التنويه بأن ما ظهر من عجز الأيديولوجيات الحديثة المتبدلة على سطح الواقع العربي عن إخراجه من أزمة جموده وتقليديته، إنما يرتبط بخضوعها لهيمنة نظام الثقافة الذي ينتجها كنماذج لابد من فرضها من الأعلى على نحو إكراهي، وليس كمجرد تجارب مشروطة بسياقات تاريخية ومعرفية لا فعالية لها خارجها . ويضيف "علي مبروك" وأما ان أصل الاستبداد والعنف يرقد ساكنا في النظام العميق للثقافة السائدة، فإنه يأتي من أن الطريقة التي يشتغل بها العرب، والقائمة على الفرض الإكراهي لنموذج مكتمل جاهز (بصرف النظر عن مصدره، التراث أو الحداثة)، إنما هي محض تجل لهيمنة عقل التفكير بالأصل أو النموذج الذي يجد كل ما يؤسس له في قلب الخطاب الذي تحققت له الهيمنة في فضاء الثقافة العربية الإسلامية وهو الخطاب الأشعري.
ومن ناحية أخرى يقدم لنا "عبد الحفيظ طايل" الأسباب التي أدت إلى زيادة معدلات العنف في المداس ويلخصها في:
1- الاعتماد على أحادية المصدر بالنسبة للمعلومات
2- الاعتماد على المدارس كمالك وحيد للمعلومة وللطريقة الوحيدة لتوصيلها حتى في ظل التعليم النشط.
3- الاعتماد على التلقين كوسيلة وحيدة لتوصيل المعلومة.
4- الكثافة العالية للفصول وعدم وجود أنشطة مدرسية لقصر مدة اليوم الدراسي.
5- لجوء المدرسين للعقاب البدني وإساءة المعاملة للسيطرة على الطلاب
6- الضعف الشديد في رواتب المدرسين
7- المناهج الدراسية التي تعوق الانفتاح على الآخر وقبوله.
8- ضعف الرقابة الحكومية على التعليم.
وينتهي "طايل" إلى ان المناخ السائد بالمدارس وكذلك مجمل الانتهاكات التي تتعرض لها العملية التعليمية يتسببان في إشاعة مناخ من العنف.
الأساطير الأصولية بين مبررات العنف والتكفير:

تحت هذا العنوان يقدم لنا "أحمد عزت سليم" قراءة في المرجعيات التوراتية والإنجيلية، والإسلامية المؤسسة للعنف حيث تشترك هذه المرجعيات في أغلبها أنها تشكلت في مراحل لاحقة على النصوص المقدسة لتصبح بماهيتها نصًا يفوق النص المقدس.
فقد استباح الفكر الأصولي الإسلامي ومن منطلقات الأصوليات الصهيونية والإنجيلية – حسب الكاتب – تدمير الآخر وامتلاك القداسة التي تبيح له ذلك، وعلى اعتبار أنهم الفرقة الناجية التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم. ما أدى بالسيد قطب أن يقول "الأرض التي لا يهيمن فيها الإسلام ولا تحكم فيها شريعته هي دار الحرب بالقياس إلى المسلم وإلى الذمي كذلك يحاربها المسلم ولو كان فيها مولده وفيها قرابته من النسب وصهره، وفيها أمواله ومنافعه، كما أن الاسلام لا يعرف إلا نوعين من المجتمعات مجتمعًا إسلاميًا ومجتمعًا جاهليًا، ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناسًا ممن يسمون أنفسهم مسلمين بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع وإن صلى وصام وحج البيت الحرام" وكما يرى سيد قطب: إن هناك دارا واحدة هي دار الاسلام تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة فتهيمن عليها شريعة الله وتقام فيها حدوده ويتولى المسلمون فيها بعضهم بعضا وما عداها فهو دار حرب، علاقة المسلم بها إما القتال و إما المهادنة على عهد أمان. وفي اطار الهيمنة الأصولية و لأنهم وحدهم خير أمة أخرجت للناس والمسلمين حزب الله. وفي النهاية ومن امتلاك النص واحتكار تفسيره امتد التكفير من تكفير الأنظمة والمعارضين إلى تكفير المجتمع.
وفي نفس السياق يقدم لنا د/ حسام جايل أسباب العنف الطائفي حيث يعد هذا النوع من العنف أهم المشاكل وأعقدها، لأنه يحول دون التئام النسيج المجتمعي، ويقف دون اتحاد طوائف الشعب، ومن ثم فلم يكون هناك انتاج وعمل دون تعايش سلمي بين أفراد الشعب وشعورهم بالأمن والأمان. ويلخص "جايل" أسباب العنف الطائفي في:
1- الاستعمار ودوره في زرع بذور الفتنة الطائفية
2- الفهم الخاطئ لمبادئ الدين، وتعاليم الرسالات السماوية، وتحريف هذه الرسالات.
3- الانتشار المروع والكثيف للفضائيات، مما فتح المجال واسعا أمام الجهال والأدعياء للتصدي للدعوة والتفسير.
4- محاولات بعض الجماعات الراديكالية أن تصبغ كل شيء بطابع ديني حتى تجذب أكبر عدد من الأتباع.
5- انتشار الزوايا وتصدي من لا يحسن قراءة آية للخطابة والإمامة.
6- الفراغ السياسي لدى الشباب خاصة والمجتمع عامة.
7- زيادة معدلات البطالة بين الشباب، والبطالة المقنعة في مؤسسات الدولة.
8- اختصار الدين في المظهر والشكل.
9- الغياب شبه الكامل لمؤسسات المجتمع المدني.
ثم يقوم برصد مظاهر العنف الطائفي منتهيا بأنه لابد من وضع آلية واضحة الأهداف والخطوات ومحددة المدى الزمني، للقضاء على هذا العنف واستئصال شأفته.