دويتشه فيله: المواجهة العسكرية غير كافية للقضاء على تنظيم "داعش"
الإثنين 22/ديسمبر/2014 - 10:40 م
طباعة
تبدو ميليشيات "الدولة الإسلامية" للرأي العام وكأنها انطلقت من العدم أو انبثقت من الفراغ. في حين كان نشاط الجهاديين في الشرق الأوسط معروفا منذ أمد طويل. وليس الغرب أيضا بريئا من الصعود السريع لهذا التنظيم.
لا يُعرف الكثير عن حياة إبراهيم البدري. والمعروف عنه، أنه ترعرع في بغداد وسط عائلة متواضعة الحال. لكن وضعه اليوم تغير جذريا: فهو اليوم لا يعاني من نقص في المال بعد أن أطلق على نفسه لقب "الخليفة"، كما يقود جيشا خاصا به يسمى "الدولة الإسلامية". في البداية كانت التسمية " الدولة الإسلامية في العراق والشام".
النجاح السريع لزعيم الميليشيات الإسلامية والذي يسمي نفسه منذ عام 2010 "أبو بكر البغدادي" يوازي ذلك الصعود السريع للميليشيات الإرهابية التي شاركت في الحرب الأهلية في سوريا منذ عام 2013. كما أظهر "الزعيم الجديد" نفسه كعدو جديد للغرب. عبر نشر الخوف والرعب بات تنظيم "الدولة الإسلامية" مشهورا بممارساته الوحشية، حيث إنه يتصرف وكأنه دولة تسعى إلى توسيع رقعتها.
بداية في العراق
في صيف العام الذي دخلت فيه الحرب في سوريا سنتها الثانية ، حيث لم يقرر الغرب حينئذ التدخل فيها، كثرت تقارير منظمات حقوق الإنسان والتي تحدثت عن أعمال قتل ومجازر ارتكبتها ميليشيات "الدولة الإسلامية": فالناس تعرضوا للقتل وهم نيام وقتل الأبرياء لأتفه الأسباب. ومنذ ستة أشهر يُذهل تنظيم "الدولة الإسلامية" العالم بأسره خصوصا عبر نشر فيديوهات مختلفة توثق عمليات إعدام صحافيين غربيين وموظفي إغاثة دوليين ومسلحين معارضين بسكين كبير وملابس برتقالية اللون وجلاد يتكلم الانكليزية بلكنة بريطانية أو آخر يتكلم الفرنسية. بهذه الأعمال الوحشية، كذبح إنسان أمام كاميرا فيديو، يستعرض تنظيم "الدولة الإسلامية" قدرته على استخدام وسائل الإعلام بأبشع الطرق.
لكن نشاط "الدولة الإسلامية" معروف في المنطقة منذ أكثر من 10 سنوات، فالتنظيم ولد في رحم تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق، وشكل العراق نقطة الانطلاق بعد أن غزاه الجيش الأمريكي عام 2003 وأسقط نظام صدام حسين الديكتاتوري وحل الجيش العراقي وعزل أنصار النظام العسكريين السنة عن السلطة. تم اعتقال مئات الآلاف من العراقيين السنة، بينهم جنرالات وضباط كبار وجنود وموظفون، فباتوا يعيشون على هامش المجتمع معزولين عن المشاركة في الحياة السياسية. في هذا السياق يقول السيد غونتر ماير من معهد أبحاث العالم العربي في جامعة ماينتس:" لو لم تحدث تلك التطورات في العراق بعد غزو الجيش الأمريكي له، لما ظهر تنظيم "الدولة الإسلامية".
استغلال الحرب السورية
وفي خضم مقاومة القوات الأمريكية أصطف أنصار صدام حسين وأسسوا تنظيم القاعدة في العراق بزعامة الإرهابي الأردني ابو مصعب الزرقاوي. فأصبح العراق نقطة جذب للجهاديين الذين حولوا أسم التنظيم بعد مقتل الزرقاوي في عام 2006 إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق".
واستغل التنظيم عام 2013 الفراغ العسكري والسياسي في سوريا ليوسع رقعة نشاطاته وتأثيره. ومنذ ذلك الوقت غير التنظيم أسمه ليتحول إلى تنظيم" الدولة الإسلامية في العراق وسوريا"، واختصارها: "داعش". وقطع التنظيم الجديد علاقته بتنظيم القاعدة في سوريا والذي ينشط تحت أسم "جبهة النصرة" بسبب رفضها لإعلان الولاء للبغدادي الذي تولى قيادة الميليشيات المتطرفة. ومنذ ذلك الحين يعمل تنظيم "الدولة الإسلامية" على تأسيس خلافة إسلامية، على الأقل في العراق وسوريا وفي لبنان وفلسطين. وقد تمكن التنظيم من تأسيس قاعدة له في محافظة الرقة بشمال شرق سوريا، تنطلق منها عملياته في مختلف الاتجاهات.
استلام السلطة في الموصل
ويعتبر سقوط مدينة الموصل بداية للانتشار السريع للتنظيم الإرهابي، حسب الخبير الألماني ماير في حديثه مع دويتشه فيله، فمدينة الموصل كانت تعتبر قلعة من قلاع أنصار نظام صدام حسين. وبعد ما تسلم تنظيم "الدولة الإسلامية" زمام الأمور فيها، أنظم إليه كبار جنرالات جيش صدام إلى جانب عدد كبير من المقاتلين ذوي الخبرة العسكرية الرفيعة، حيث هدفوا بذلك إلى الانتقام من سياسة التمييز التي انتهجها ضدهم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي. كما نهب التنظيم فرع خزينة البنك المركزي العراقي في الموصل وحصل على أموال هائلة تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
وأنطلق التنظيم بسرعة فائقة صوب بغداد وذلك بسبب ضعف الجيش العراقي الجديد وخوفه من شراسة المتطرفين، حيث هرب الجنود من مواقعهم، تاركين خلفهم أحدث المعدات العسكرية. وأعلن البغدادي خلافته على كل المناطق التي سيطر عليها، وغير اسم تنظيمه مرة أخرى ليتحول إلى أسم " الدولة الإسلامية". كما ألغى الحدود الجغرافية الدولية وأعلن تطبيق الشريعة الإسلامية في تلك المناطق، ما يعني القتل أو العبودية. عن ذلك يقول الخبير الألماني لشؤون الشرق الأوسط ماير: "يتعلق الأمر هنا بحركة تمرد من طراز جديد تعمل من أجل تحقيق هدف واضح المعالم يتمثل في سلب الأراضي والسيطرة عليها". ويضيف الخبير" لقد كان لإعلان الخلافة تأثير كبير على كل العالم الإسلامي".
بوتقة جديدة لاستقطاب المتطرفين
لم ينحصر تأثير التنظيم على العالم الإسلامي فقط. فقد بدء عدد من المسلمين الشباب أو غيرهم ممن اعتنقوا الإسلام في أوروبا بالتوجه إلى العراق وسوريا للانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" والقتال في صفوفه. ومن ألمانيا وحدها ألتحق حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2014حوالي 550 شابا بالتنظيم، حسب بيانات هيئة حماية الدستور (جهاز الأمن الداخلي الألماني). وتشير المعلومات إلى أن عدد المقاتلين الذي يقاتلون على جبهات "الدولة الإسلامية" يصل إلى أكثر من 50 ألف مقاتل. عن ذلك يقول الخبير ماير "إن كل هؤلاء المقاتلين مسلمون مقتنعون بضرورة نصرة إخوانهم. في الإيمان ضد الشيعة. كما إنهم يأملون في الحصول على مبالغ مالية سخية".
خلال عملياته في الأشهر الأخيرة تمكن التنظيم بالفعل من السيطرة على حقول نفط وغاز، ففرض ضرائب ورسوم جمركية على السكان. كما يحصل التنظيم على أموال إضافية نتيجة عمليات الخطف والابتزاز وفرض الإتاوات على السكان المتمكنين. وبذلك تتوفر الأموال لتمويل مقاتلي التنظيم، دون الاعتماد على أغنياء الخليج في ذلك.
ماذا بعد وقف تقدم التنظيم؟
من خلال هذه المداخيل المالية يمكن للتنظيم تمويل احتياجاته من السلاح والعتاد عبر تركيا ولبنان بسهولة. غير أن تسليح قوات البيشمركة الكردية في شمال العراق من طرف دول غربية، مثل ألمانيا، ومقاومة القوات الكردية في شمال شرق سوريا إلى جانب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والذي يشمل عددا من الدول العربية، وقيام طائرات التحالف الدولي بشن غارات على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية"، كل ذلك ساهم في وقف زحف المتطرفين. ويضيف الخبير ماير: "إن الضربات الجوية تتسبب أيضا في خسائر بشرية بين المدنيين في تلك المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم، وهو أمر يقوي من جاذبية التنظيم وروح الانتقام"، كما يقول. ويتفق عدد من الخبراء على أن العرب السنة في تلك المناطق وحدهم قادرون على إلحاق الهزيمة بتنظيم "الدولة الإسلامية". ويلاحظ الخبير الألماني " إن الغالبية العظمى من سكان تلك المناطق ضد "الدولة الإسلامية" وترفض مواقفهم المتشددة"... فلو اتحد هؤلاء جميعا في قوة عسكرية منظمة، لانهزم هذا التنظيم أسرع مما نتوقع".